انشغل الرأي العام الليبي خلال اليومين الماضيين، بحملات المقاطعة التي أطلقها ناشطون تجاه منتجات الدجاج والبيض، وبات الجميع يسأل عن جدوى هذه السياسة وهل تشكل بالفعل حلا اقتصاديا لارتفاع الأسعار.
شبكة “عين ليبيا” سألت الأستاذ الدكتور عمر زرموح الأكاديمي والخبير الاقتصادي، عن رأيه في هذه الظاهرة، وعن الحلول المتوفرة بيد الحكومة لضبط الأسعار.
وفي جوابه على أسئلة الشبكة، أكد الدكتور زرموح، أن الناس يجب أن يكونوا أحراراً في أن يتصرفوا بإرادتهم طالما أن الفعل تلقائي ليس بتوجيه خارجي أو سياسي، معتبرا أن التعامل مع مشكلة ارتفاع أسعار السلع في السوق الليبية يكمن في “ترسيخ مبدأ المنافسة” بين التجار والصناعيين ومقدمي الخدمات، ليكون السوق هو من يحدد السعر المعقول والعادل ويمنع الاحتكار. وإذا فشلت آليات السوق في ذلك فيكون دور الدولة هو مساعدة السوق ليعمل بكفاءة.
وشدد الدكتور زرموح على رفضه القاطع لفكرة أن تقوم الدولة بفرض “سعر إجباري” للسلع، لأن ذلك “يدمر الاقتصاد” حسب وصفه، فالتسعيرة الاجبارية يصعب مراقبتها عملياً وهي مدعاة للفساد الإداري، وقد يصاحبها انتشار للرشوة عندما يحاول بعض التجار صرف النظر الرقابي عنهم من خلال رشوة ضعيفي النفوس.
وقال الدكتور زرموح إن دور الدولة يجب أن يتجسد في تهيئة الظروف التي تجعل السوق يعمل في إطار من المنافسة وكسر الاحتكارات المقيتة وليس في فرض تسعيرة معينة لسلعة أو مجموعة من السلع، ويتحقق ذلك من خلال وضع القوانين واللوائح التي تنظم السوق وترسخ مبدأ المنافسة وكذلك من خلال السياسات الاقتصادية (مالية، نقدية، تجارية،… إلخ) التي يجب أن يجري نقاشها سنوياً ثم تعتمد بإصدار قانون الميزانية من قبل السلطة التشريعية.
وأضاف: “وفي هذا السياق أود التذكير بالقانون رقم (23) لسنة 2010 بشأن النشاط التجاري الذي اعتمد مبدأ المنافسة في مواده التي تبدأ من المادة 1282 ولا استثناء في ذلك إلا ما نصت عليه المادة 1284 التي أجازت فرض تسعيرة لبعض السلع بقرار من الوزير المختص وهي سلطة تقديرية تقدر بقدرها وليست ملزمة لأحد. عليه وحتى في هذه الحالة الأخيرة فإن هناك الكثير مما يقال عن مساوئ فرض التسعيرة منها مثلاً (1) من يعوض الصانع أو البائع عن خسائره عندما تقضي التسعيرة على أي هوامش ربحية أو تعرضه لخسائر قد تخرجه من السوق؟ (2) ليس هناك ما يضمن وصول السلعة بسعرها المخفض للمستهلك النهائي، ولقد رأينا أن الهامش الذي يتم تخفيضه لصالح المستهلك كثيراً ما يستولى عليه السماسرة والوسطاء ومن ثم يضطر المستهلك النهائي أن يشتري السلعة بسعر السوق وليس بالسعر المخفض (مثال ذلك الأسمنت، وبعض سلع الجمعيات الاستهلاكية) وبذلك تفقد التسعيرة الإجبارية معناها. (3) إن التسعيرة الإجبارية تخلق تشوهاً اقتصادياً في السوق يصعب معه إعادة السوق لوضعه التنافسي (الطبيعي) وخاصة إذا سببت مرضاً عضالاً في النفوس يجعل البعض يرون أن عملهم غير المشروع (الاستيلاء على هامش الربح) حقاً مشروعاً لهم”.
وعن آلية تدخل الحكومة في السوق، أوضح الدكتور زرموح، أنها تتمثل في “السياسة النقدية”، حيث يجب أن يتحكم المركزي في عرض النقود من خلال تفعليه لأدوات السياسة النقدية مثل التحكم في حجم الودائع في المصارف التجارية، وألا يتوسع في طباعة العملة، مشيرا إلى أن هناك العديد من الأدوات التي يستطيع المركزي توظيفها لو أراد.
وقال الدكتور زرموح: “يجب أن يحافظ المركزي على استقرار سعر الصرف ويتخلى عن سياسته الحالية، التي خلقت اضطرابا كبيرا في السوق وانعكست على الأسعار.
وبحسب الدكتور زرموح، فإنه على وزارة المالية أن تقدم الميزانية في الحد الأدنى الضروري للإنفاق الحكومي، الذي يحقق الأهداف والإنفاق بكفاءة، مشيرا إلى أن البعض يعتبر هذا الهدف مثاليا لكن مع ذلك يجب أن تسعى كل مرافق الدولة لتحقيقه.
واستغرب الدكتور زرموح أن يصل مستوى الانفاق العام في ليبيا إلى المستوى الذي وصل إليه في السنتين (2022-2023) وخاصة فيما يتعلق بالمصروفات التي نفذت خارج الميزانية وقال إن الشعب الليبي يدفع ثمن التهريب والبطالة المقنعة وسوء الإدارة في الداخل والخارج.
وبحسب الدكتور زرموح، فإن دور السياسة الاقتصادية يجب أن يوجه إلى محاربة التضخم في الأسعار، وايجاد فرص العمل وتشجيع الاستثمار، الذي يخلق الوظائف ويمتص البطالة الظاهرة والمقنعة.
وختم الدكتور زرموح كلامه بالقول: “إن مبدأ الحرية الاقتصادية يجب أن يكون راسخاً لدى الجميع وأن ينص عليه في الدستور وأن السوق التنافسية هي التي تحدد الأسعار وليس الحكومة، وهذا لا يتعارض مع قيام الشعب بإرادته المحضة أن يقاطع أو يمتنع عن شراء أي سلعة إذا ارتفع سعرها أو أن يقلل من كميات مشترياته فذلك هو قانون الطلب في عالم الاقتصاد.. السيطرة لا تكون بالقوة والاقتصاد يعمل بالحرية الاقتصادية والمنافسة وغير ذلك سيكون (اقتصادا متعثرا) يكثر فيه سوء الإدارة والرشاوى والفساد، ونشدد على مبدأ رفض فرض تسعيرة معينة والسماح بالمنافسة الحرة، ومن يريد أن يقاطع فليقاطع”.
اترك تعليقاً