أوجب الإسلام على الحكّام أن يقيموا العدل بين الناس دون النَّظر إلى لغاتهم، أو أوطانهم، أو أحوالهم الاجتماعيَّة، فالعدل بين المتخاصمين، والحكم بالحقِّ، لاينظر إلى المحكوم لهم إن كانوا أصدقاء أو أعداء، أغنياء أو فقراء، عمالاً أو أصحاب عمل، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
إنَّ إقامة العدل بين الناس أفراداً، وجماعاتٍ، ودولاً، ليست من الأمور التطوُّعيَّة التي تُترك لمزاج الحاكم، أو الأمير، وهواه، بل إنَّ إقامة العدل بين الناس في الدِّين الإسلامي تعدُّ من أقدس الواجبات، وأهمِّها، وقد أجمعت الأمَّة على وجوب العدل. قال الفخر الرازي ـ رحمه الله ـ: (أجمعوا على أنَّ من كان حاكماً، وجب عليه أن يحكم بالعدل).
وهذا الحكم تؤيِّده النصوص القرآنية، والسُّنَّةُ النبويَّة. إنَّ من أهداف دولة الإسلام إقامة المجتمع الإسلاميِّ؛ الذي تسود فيه قيم العدل، والمساواة، ورفع الظلم، ومحاربته، بجميع أشكاله، وأنواعه، وعليها أن تفسح المجال، وتيسِّر السُّبل أمام كُلِّ إنسان يطلب حقَّه أن يصل إليه بأيسر السُّبل، وأسرعها، دون أن يكلِّفه ذلك جهداً، أو مالاً، وعليها أن تمنع أي وسيلةٍ من الوسائل من شأنها أن تعيق صاحب الحقِّ من الوصول إلى حقِّه.
قال أبو بكر رضي الله عنه : (الضعيف فيكم قويٌّ عندي حتى أُرجع عليه حقَّه إن شاء الله، والقويُّ فيكم ضعيفٌ حتى آخذ الحقَّ منه إن شاء الله).
إنَّ العدل في فكر أبي بكرٍ هو عدل الإسلام، الذي هو الدِّعامةُ الرئيسيَّة في إقامة الحكم الإسلاميِّ، فلا وجود للإسلام في مجتمعٍ يسوده الظلمُ، ولا يعرف العدلَ.
لقد كان الصدِّيق ـ رضي الله عنه ـ قدوةً في عدله، يأسر القلوب، ويبهر الألباب، فالعدل في نظره دعوةٌ عمليَّة للإسلام، فيه تفتح قلوب الناس للإيمان، لقد عدل بين الناس في العطاء، وطلب منهم أن يكونوا عوناً له في هذا العدل، وعرض القصاص من نفسه في واقعةٍ تدلُّ على العدل، والخوف من الله سبحانه، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ: أنَّ أبا بكرٍ الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ قام يوم جمعة، فقال: إذا كنّا بالغداة؛ فأحضروا صدقات الإبل نقسمها، ولا يدخل علينا أحدٌ إلا بإذنٍ، فقالت امرأة لزوجها: خذ هذا الخطام لعلَّ الله يرزقنا جملاً، فأتى الرَّجل فوجد أبا بكرٍ، وعمر ـ رضي الله عنهما ـ قد دخلا إلى الإبل فدخل معهما، فالتفت أبو بكرٍ، فقال: ما أدخلك علينا ؟ ثمَّ أخذ منه الخطام فضربه، فلمّا فرغ أبو بكرٍ من قسم الإبل دعا الرَّجل فأعطاه الخطام، وقال: استقد.. فقال عمر: والله لا يستقد! ولا تجعلها سُنَّةً . قال أبو بكر: فمن لي من الله يوم القيامة ؟ قال عمر: أَرْضِهِ، فأمر أبو بكر غلامه أن يأتيه براحلةٍ، ورحلها، وقطيفة، وخمسة دنانير، فأرضاه بها.
وأمّا مبدأ المساواة الذي أقرَّه الصِّدِّيق في بيانه الذي ألقاه على الأمَّة فيُعَدُّ أحد المبادئ العامَّة التي أقرَّها الإسلام، وهي من المبادئ التي تساهم في بناء المجتمع المسلم، وسبق به تشريعات وقوانين العصر الحاضر، وممّا ورد في القران الكريم تأكيداً لمبدأ المساواة قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات: 13].
إنَّ الناس جميعاً في نظر الإسلام سواسيةٌ، الحاكم والمحكوم، الرجال والنساء، العرب والعجم، الأبيض والأسود، لقد ألغى الإسلام الفوارق بين الناس بسبب الجنس، أو اللون، أو النَّسب، أو الطَّبقة، والحكام والمحكومون كلُّهم في نظر الشرع سواءٌ، وجاءت ممارسة الصِّدِّيق لهذا المبدأ خير شاهدٍ على ذلك. حيث يقول: (ولِّيت عليكم، ولستُ بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأتُ فقوِّموني، القويُّ فيكم ضعيفٌ عندي حتى اخذ الحقَّ منه، والضعيفُ فيكم قويُّ عندي حتى اخذ له حقَّه).
وكان رضي الله عنه ينفق من بيت مال المسلمين، فيعطي كلَّ ما فيه سواسيةً بين الناس، فقد روى ابن سعد، وغيره: أنَّ أبا بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ كان له بيت مال بالسُّنْح معروفٌ، ليس يحرسه أحدٌ، فقيل له: ألا تجعل على بيت المال مَنْ يحرسه؟ فقال: لا يخاف عليه، قيل له: ولم؟ قال: عليه قفل! وكان يعطي ما فيه حتى لا يُبقي فيه شيئاً، فلمّا تحوَّل إلى المدينة حوَّله معه، فجعله في الدار التي كان فيها، وقدم عليه مالٌ من معدن من معادن جُهينة، فكان كثيراً، وانفتح معدن بني سُليمٍ في خلافته، فقدم عليه منه بصدقةٍ، فكان يضع ذلك في بيت المال، فيقسمه بين الناس سويّاً، بين الحرِّ والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير على السَّواء . قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: فأعطى أول عام الحرَّ عشرة، والمملوك عشرةً، وأعطى المرأة عشرةً، وأمتها عشرةً، ثمَّ قسم في العام الثاني، فأعطاهم عشرين عشرين، فجاء ناسٌ من المسلمين، فقالوا: يا خليفة رسول الله! إنَّك قسمت هذا المال، فسوَّيت بين الناس، ومن الناس أناسٌ لهم فضلٌ، وسوابقُ، وقدمٌ، فلم فضَّلت أهل السَّوابق، والقدم، والفضل. فقال: أما ما ذكرتم من السَّوابق، والقدم، والفضل، فما أعرفني بذلك، وإنَّما ذلك شيءٌ ثوابه على الله جلَّ ثناؤه، وهذا معاشٌ، فالأسوة فيه خيرٌ من الأثَرة.
وقد ناظر الفاروق عمر أبا بكر في ذلك، فقال: أتسوي بين من هاجر الهجرتين، وصلَّى إلى القبلتين، وبين من أسلم عام الفتح؟ فقال أبو بكر: إنَّما عملوا لله، وإنَّما أجورهم على الله، وإنَّما الدُّنيا بلاغٌ للرَّاكب.
ورغم أنَّ عمر رضي الله عنه غيَّر في طريقة التوزيع، فجعل التَّفضيل بالسابقة إلى الإسلام والجهاد، إلا أنه في نهاية خلافته قال: لو استقبلتُ من أمري ما استدبرت، لرجعت إلى طريقة أبي بكرٍ، فسوَّيتُ بين الناس.
لقد اتَّبع أبو بكرٍ ـ رضي الله عنه ـ المنهج الربَّاني في إقرار العدل، وتحقيق المساواة بين الناس، وراعى حقوق الضُّعفاء، وقام منذ أول لحظة بتطبيق هذه المبادئ السامية، فقد كان يدرك أنَّ العدل عزٌّ للحاكم والمحكوم، ولهذا وضع الصِّدِّيق سياسته تلك موضع التنفيذ، وهو يردِّد قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [النحل: 90].
كان أبو بكر يريد أن يطمئن المسلمون إلى دينهم، وحرِّيَّة الدَّعوة إليه، وإنما تتمُّ الطمأنينة للمسلمين ما قام الحاكم فيهم على أساسٍ من العدل المجرَّد عن الهوى والحكم على هذا الأساس يقتضي الحاكم أن يسمو فوق كل اعتبارٍ شخصيٍّ، وأن يكون العدل والرَّحمة مجتمعين، وقد كانت نظرية أبي بكرٍ في تولِّي أمور الدولة قائمة على إنكار الذَّات، والتَّجرُّدِ لله تجرُّداً مطلقاً، جعله يشعر بضعف الضعيف، وحاجة المجتمع، ويسمو بعدله على كلِّ هوىً، وينسى في سبيل ذلك نفسه وأبناءه وأهله.
وبناء على ما سبق يرفع العدل لواءه بين الناس، فالضعيف آمنٌ على حقِّه، وكلُّه يقينٌ أنَّ ضعفه يزول حينما يحكم العدل، فهو به قويٌّ لا يمنع حقه، ولا يضيع، والقويُّ حين يَظلم يردعه الحقُّ، وينتصف منه للمظلوم، فلا يحتمي بجاهٍ، أو سلطانٍ، أو قرابةٍ لذي سطوةٍ، أو مكانةٍ، وذلك هو العزُّ الشَّامخ، والتَّمكين الكاملُ في الأرض.
وما أجمل ما قاله ابن تيميَّة ـ رحمه الله ـ: إنَّ الله ينصر الدَّولة العادلة؛ وإن كانت كافرةً، ولا ينصر الدَّولة الظالمة، ولو كانت مسلمةً، … بالعدل تُستصلح الرِّجال، وتُستغزر الأموال.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
نعم :في الاسلام الاعمال يجب ان تكون لله وهو يجازي عليها في الدنيا والاخرة.
اما في ليبيا اليوم فقد ابتليت الدولة بشئ اسمه ” اعطيات الجرحى والشهداء ..” حتى من مات في حادث عرضي وصادف ذلك افتتال بين الليبيين يتم تسريبه الى قوائم “الشهداء” ويتحصل اهله على ميزات اسر الشهداء ومنها مصادرة حق باقي المسلمين في ليبيا في فرصة للحج.
حيث سنويا يتم مصادرة جزء كبير من حصة الحج لأسر “الشهاء” وما هم بشهداء ,وكأن الدولة تشجع حمل الليبيين للسلاح لقتال بعضهم ,وليس لقتل الكفار”.
في البدء مكر و اقتتال وتدمير وبعد تدخل البعثة والسفراء يتم صلح و”جبر للضرر” وتسجيل قوائم جديدة “للشهداء” وابتعاث للجرحى للخارج ,ولايسئل احد عن اخد حق الدولة والمجتمع فيمن دمر منشائاتها وطائراتها و…….
مفاهيم مدمر ة للدولة والمجتمع ومحفزة على مزيد من الفوضى والمار.