تابعنا لقاء الشيخ ونيس المبروك على قناة ليبيا تي في ، وقد كان مقدما الحلقة في مستوى جيد بطرحهما أسئلة مهمة ، وجاوب الشيخ إجابات وطرح أفكاراً ، نخالفه في بعضها وهي كالتالي:
1- مصر لم تبن ليبيا . إن كان في العالم دولة لها فضل على الدولة الليبية الحديثة فهي بريطانيا. فبريطانيا هي من اتفقت مع الملك إدريس السنوسي وقت أن كان في مصر على تشكيل جيش برقاوي ليحارب معهم الطليان والألمان وإفهام شعب برقة بأن الانجليز لم يأتوا إلا لمحاربة عدوهم ، وهو ما حدث (الجيش السنوسي). وقد أوفى الانجليز بعدهم فساعدوا الليبيين في بناء دولتهم وحتى بعد أن نالت ليبيا الاستقلال استمرت بريطانيا في دعم الدولة الليبية بما في ذلك مستشارين في كل المجالات.
لا بل أن الملك ادريس السنوسي بعث بوفد إلى عبد الناصر يطلب معونة مالية فرفضت مصر (ويقال والله أعلم بأن عبد الناصر طلب مقابل ذلك التنازل عن جزء من الأراضي الليبية)، وذهب الوفد إلى تركيا فرفضت ، فما كان من بريطانيا إلا أن عرضت على الملك تأجير قطعة أرض كقاعدة جوية (قاعدة جمال عبد الناصر بطبرق) مقابل 4 ملايين دولا ر سنوياً وهو ما حدث ، وكان هذا المبلغ بالإضافة إلى المبلغ المالي من أمريكا عن قاعدة ويلس (معيتقة) هي الرئة التي تنفست بها ليبيا قبل الطفرة النفطية باكتشاف النفط بكميات كبيرة . فقبل ذلك كانت ليبيا دولة فقيرة لدرجة لا يتخيلها البعض.
2- تحدث الشيخ عن مصطلح الإسلاميين ، وأفاد بأن أصله يعود إلى بريطانيا وقت البعثات الإستشراقية ، وهذا غير دقيق . فأول من قال بمصطلح الإسلاميين هو أبو الحسن الأشعري في كتابه مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين . وأبو الحسن الأشعري قصد به الفرق الإسلامية التي أبدت آراء في الأصول (كصفات الله) والسياسة (كنظرية الخلافة والإمامة وغيرها) وبينها وابتدأ بفرق الشيعة فالخوارج وفرقها والمرجئة وأهل السنة والحديث (أهل السنة حديثاً) ..وغيرها.
وقد بين الاشعري رحمة الله عليه أن المسلمين تشتتوا وتفرقوا أحزاباً وشيعاً غير أنه بين في أول الكتاب أن الإسلام يجمعها رغم ذلك حيث قال رحمة الله عليه: “اختلف الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم في أشياء كثيرة ضلل فيها بعضهم بعضاً وبرئ بعضهم من بعض فصاروا فرقاً متباينين، وأحزاباً متشتتين، إلا أن الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم.
أما مصطلح الإسلاميين حديثاً فلا يقصد المسلمين أو السنة !!! فهذا غير دقيق . بل يقصد به الأحزاب والتيارات السياسية التي من أهدافها الوصول إلى السلطة مستندين في حملتهم وبرامجهم إلى آيات قرآنية أو أحاديث نبوية أو آراء فقهية.
فلو نظرنا مثلاً لنخبة الشيعة الإسماعيلية زمن الخلافة العباسية بلغة عصرنا لأطلقنا عليهم صفة إسلاميين لأنه كانت لهم أهداف سياسية في الوصول إلى السلطة. بخلاف الشيعة الأمامية وقتها حيث كانوا يعتقدون بعدم قيام دولة إلا برجوع إمامهم المنتظر . وبعد ما أحدثه الفقه الشيعي الأمامية في العصر الحديث من انقلاب على اصول مذهبهم بنظرية ولاية الفقيه وسعى إلى السلطة فصار متصدري هذا المذهب من ضمن الإسلاميين فحزب الله أو حزب الدعوة في العراق يوصفون بالإسلاميين.
3- قال الشيخ أنه لا يوجد لدينا رجال دين كما في المسيحية بل مشايخ!! وهذا غير دقيق ففي الإسلام لا يوجد شئ اسمه شيخ، وحتى العالم بمعنى العالم بالشريعة الإسلامية ككل لم يوجد ، فيوجد متخصص في الفقه، ومتخصص في الحديث ومتخصص في الأصول ومتخصص في التاريخ وهكذا.
أما إذا نظرنا إلى تصرفات رجال الدين في العصور الوسطى ، بمعنى أنهم يشهدون لأشخاص بالجنة وأشخاص بالنار ، فبهذا المعنى نعم لدينا العديد من المشايخ من يتصرف كرجال دين ، حيث لدينا مشايخ يشهدون لهذا بالإيمان وهذا بالكفر ، والكفر يؤدي منطقياً إلى النار.
4- قال الشيخ بأنه تحاور مع الشباب في بنغازي!!! وما قاله من تحليل لتصرفاتهم أو أفكارهم صحيح في مجمله، ولكنه ختم كلامه في هذه النقطة بما يشبه تهديد الليبيين والدولة عموماً ، هذا ما فهمته من تحذيرك بأن لبوا مطالبهم وإلا سوف يقتلونكم بالسيارات المفخخة في الأسواق!!!
5- بالنسبة للاستقطاب السياسي الحاد ، فنحن لا نرى أن سببه ديني أو سياسي ، بل هو في معظمه راجع إلى انعدام الثقة تقريباً وانعدام الحوار ، فكل من الأطراف السياسية يبدوا كما لو أنه يناقش نفسه بطرحه الأسئلة والإجابة عليها من زاوية نظره فقط.
ونؤكد هنا لأي شخص أو حزب أو تيار دينيا كان أو سياسياً أو فكرياً أنه حتى ولو ظن منهجه وأفكاره هي الحق أو الحقيقة فهذا وحده لا يكفي ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مكلفاً بحمل رسالة ربانية بكل معانيها السامية ، وهي حق وحقيقة إلهية ، ولكن الله عز وجل ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك ليس هو السبب الرئيسي في تقبل الناس لها ، بل في الأسلوب ، فقال تعالى: ”
نحن الآن نعاني نتائج ثقافتنا ، فنحن نتاج ثقافة اقصائية لا تقبل الآخر وإن ادعت عكس ذلك ، ولو قبلته فلا تقبله إلا وفق شروطها ، فمن يدخل حزب أو نادي أو تيار ديني أو ثقافي يعكس هذه الثقافة. وهذا علاجه صعب ويحتاج إلى وقت وإن كان أهم جوانب هذا الإصلاح تتمثل في التعليم والاقتصاد والقانون . التعليم بتضمين المناهج التعليمية منذ الصغر ثقافة الاختلاف وتقبل الآخر وتعويد التلاميذ على النقاش والاختلاف على الأفكار ، أما الجانب الاقتصادي فلأن الفقر والبطالة وانعدام العدالة الاجتماعية هو المصدر الرئيسي لكثير من أنواع الخلل والانحرافات الاجتماعية كالحقد والحسد وانكماش الحس الوطني والقبلية وتضخم المصلحة الشخصية والعنف والجرائم والتطرف والكراهية . ولنا عودة لهاذ الموضوع في مقال قادم إن أنسأ الله في العمر.
أما الجانب القانوني بتجريم كل قول أو عمل ينطوي صراحة على التخوين أوالتكفير أو التحريض الديني أو السياسي أو القبلي أو الجهوي ، أي كل ما من شأنه أن يحدث شرخاً اجتماعياً ويؤثر على استقرار وتماسك المجتمع الليبي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً