ان حجم التفائل والفرح الذي يسكن نفسي لا يضاهيه الا اتساع البحار والسماء الممتدة من الافق الى الافق، كل من يعرفني يعرف هذه الحقيقة عني، ففجر ثورة فبراير كان مولد لامال واحلام ضننا بدافع اليأس انها لن تجد لها موطئ قدم على ارض الواقع. مند ان احترق جسد البوعزيزي، والامل المفعم بالفرح يسكنني، ولم يهتز طيلة السنوات الثلاث الماضية، حتى صباح يوم امس حين ظهر في صبيحته على شاشات قناة الجزيرة خبرها العاجل الذي مفاده اختطاف السيد علي زيدان واقتياده الى جهة غير معروفة، من سوء حظي كان هذا الخبر قد وصلني قبل جل الليبين ان لم اقل جميعهم بسبب اقامتي في اقصى الشرق، حيت يتقدم التوقيت فيه عندي بست ساعات طوال عن توقيت طرابلس، ففي حين كان الليبيون يغطون في نوم عميق لا يدركون ما يحدث حولهم تناقلت العديد من وكالات الانباء الخبر. لا استطيع ان اصف مشاعري تلك اللحظة، كنت اهم بمغادرة البيت للعمل، الا ان الخبر اقعدني لزمن لا احصيه. اعترف بانها اولى اللحظات التي احسست فيها بدبيب اليأس مما يحصل.
لا يجادل احد في التاريخ السياسي والرصيد النظالي للسيد على زيدان، وزيدان كمواطن هو عرضة لكل ما يتعرض له كل مواطن ليبي، فلا تاريخه السياسي قادرا على ان يحميه ولا رصيده النظالي قادرا على تحصينه، هو لا يختلف عن اي جندي نكره في جيش الوطن، ككل جنود الوطن في كل الاوطان. لكن السيد علي زيدان بصفته رئيس مجلس الوزراء في دولة امره يختلف كليا عن علي زيدان السياسي والمناضل والمواطن. على زيدان لم يأتي لرئاسة الوزراء على ظهر دبابة تكسبه قوتها شرعية السلطة، ولم يرث منصبه كرئيس وزراء عن عائلة ينتمي اليها فنشكك في استحقاقه لهذا المنصب، وانما جاء عن طريق لا يختلف اثنان على شرعيته، لقد اتي به مؤتمر منتخب، تم انتخاب اعضائه في عرس بهيج مثل ولاول مرة في تاريخ البلاد الارادة الحقيقية للمواطنين.
لذلك فإن اختطاف على زيدان رئيس الوزراء الليبي لا يماثل اختطاف على زيدان المواطن العادي او المناضل، وانما يمثل اعتداء صريح وصارخ على ارادة شعب باكمله، انه اعتداء بمعنى الكلمة على امة بحالها ودون مبالغة، ولا يعني هذا التنقيص من عمليات الاختطاف التي تنال الناس العاديين، الا انها تختلف عنها كمشروع.
الرجل الذي يشغل منصب سياسي في دولة ما، يكفل له هذا المنصب نوع من الحصانة الدستورية والقانونية التي تجعل من امر الاعتداء عليه اعتداء على هذه الحصانة، واعتداء على كامل الامة التي قبلت باسناد هذا المنصب له. وفي اسواء الحالات التي يتبث فيها خيانة هذا الشخص للمنصب الذي أؤتمن عليه، في هذه الحالة لا يتم التعامل معه او مطالبته بالمثول امام القضاء الا بعد سلسلة من الاجراءات القانونية والدستورية المعقدة، تبداء، تبداء برفع الحصانة عنه اولا حتى يتمكن المدعي العام من مسائلته والتحقيق معه، وكل هذا ليس له علاقة بصاحب المنصب ولا امتياز له وانما قدر وامتياز للدولة ولمواطنيها جميعا.
عملية الخطف التي تعرض لها السيد علي زيدان لا شك في انها زادت من رصيده، حتى ان بعض الليبين اثاروا شكوكا حولها، فقد ذهب الدكتور النعمي – وهو مرشح سابق نافس زيدان على المنصب – في برنامج من وراء الخبر على قناة الجزيرة الى درجة التشكيك في ان العملية مفبركة، فهيئة مكافحة الجريمة التي ينسب فعل الخطف اليها مقربة من السيد علي زيدان كما يقول الدكتور النعمي، ولا افهم كيف تعمل جهة مقربة من شخص ما على اختطافه، الا اذا فهمنا افتراضا كلام الدكتور النعمي، ان عملية الخطف ما هي الا تمثيلة سعي فيها زيدان للحصول على رصيد يمكنه من تجاوز الانتقادات التي يتعرض لها وتتعرض لها حكومته من قبل المواطنين ومن قبل المؤتمر.
من المجحف تحميل السيد زيدان وحكومته كل الفشل، لذلك لا افهم البيان الصادر عن السيد الشاطر الذي ورد نصه على صفحات موقع ليبيا المستقبل، وايضا لا افهم التحليل الذي طرحه الدكتور النعمي في لقاء الجزيرة. فللاسف لا يقل فشل المؤتمر عن فشل الحكومة، بل فشل الحكومة يقع على عاتق المؤتمر رغم كل التسهيلات التي قدمها المؤتمر للحكومة كما ورد في بيان السيد الشاطر.
لقد تناسى المؤتمر المهام الاساسية التي قام من اجلها، والمحصورة في ثلاث نقاط واضحة وهي تشكيل الحكومة ومراقبة ادائها، واختيار الهيئة التأسيسة لصياغة الدستور، والاعداد للانتخابات القادمة.
اعتقد ان الخروج من الازمة يحتاج الى وقفة جادة من المؤتمر، هذه الوقفة تحتاج الى اعادة النظر في امرين:
الامر الاول ان يعيد المؤتمر النظر في دوره ووظيفته والدور المطلوب منه انجازه، كما على المؤتمر ان يتوقف عن ممارسة اي ادورا لا علاقة لها بمهامه الاساسية الثلاث المشار اليها اعلاه.
الامر الثاني: اعادة ترتيب دور الحكومة واولوياتها، ومساعدتها في تحقيق هذا الامر. واولى الاولويات هو الملف الامني. وقد اعجبني طرح الدكتور صالح السنوسي استاذ العلوم السياسية بجامعة بنغازي الذي يرى ان الحكومة تملك الشرعية والميليشيات تملك القوة، ولا يمكن للملف الامني ان يعالج دون ان تعمل هاتين المؤسستين تحت سقف واحد. ولا يتم في تقديري هذا الامر الا من خلال حوار شفاف علني، ومبادرة تقوم بها الحكومة، هذه المبادرة العلنية ان تم القيام بها ستعمل على كشف عورة كل المتسترين بالوطنية.
تعدر هذا الحل في اعتقادي يجعلنا امام خيار اخر لكنه خيار وحيد، فكما اشرت اعلاه ان فشل المؤتمر لا يقل عن فشل الحكومة، وبالتالي فإن اي حكومة ينتجها المؤتمر لن يتجاوز نصيبها من النجاح ما حققته سابقاتها، لذلك على المؤتمر بالتعاون مع الحكومة الحالية وضع خارطة طريق واضحة المعالم او دستور مؤقت، ثم يعمل على حل نفسه وحل الحكومة المنبتقة عنه والدعوة الى انتخابات جديدة.
على كل اعضاء المؤتمر ان يتحملوا مسؤلية فشل الحكومة ولا يحملوا الحكومة كل الفشل، لانها نتاج المؤتمر، وعلى المؤتمر ان يسن حزمة من القوانين تعمل على تجريم انتهاكت السيادة والتطاول عليها، كقفل انابيب الغاز والنفط، والسيطرة على المواني النفطية والدعوات الجهوية كتشكيل الفيدراليات وحكومات موازية للحكومة المركزية، ليس لاننا ضد الفيدرالية ولكن لان اوانها لم يحن بعد، وعلى الفيدراليين والمطالبين بها ان يسعوا الى توافق لجنة الدستور حولها، عوضا عن تكريسها كامر واقع يعيق ويعطل بناء الدولة.
انا لست من الحريصين على هذه الحكومة، وكنت اعتقد ان السيد زيدان سيقدم على الاستقالة في حالة احساسه بفشل حكومته الا ان اعتقادي قد خاب، فرغم كل الازمات التي تعرضت لها حكومته وضعف ادائها وفشلها كل هذا لم يدفع به للاستقالة، وهذا امر لا افهمه ربما له فيه وجهة نظر. لكن الان، وبعد هذه الحادثة، لا شك ان عملية الاختطاف عملت على تقوية شوكة السيد علي زيدان وبامكانه ان يعمل على توظيفها والاستفادة منها، واني اتمنى عليه ان يقوم بذلك، فهو الان في مركز قوي جدا بسبب التعاطف الشعبي والدولي معه، وان اضاع هذه الفرصة فلن تسنح له الايام في اغتنام غيرها، وضياع هذه الفرصة خسارة ليس لعلي زيدان وانما لمستقبل هذا الوطن. عليه ان يستتمرها لصالح البلاد، وعليه ان يدعوا الى حوار وطني علني مع المؤسسات التي تمتلك قوة السلاح، حتى يتعرف الشعب الليبي على وجهة نظرها في امر بناء الدولة، وللشعب الليبي بعد ذلك الحكم لها او عليها. لقد اشار السيد زيدان ان عملية الخطف هي نتاج الممحكات السياسية، وهي اشارة لا يجب ان نغفل عنها، ربما ارهاصاتها ضهرت مبكرا في سراديب المؤتمر، كما ظهرت في بيان عضو المؤتمر السيد عبد الرحمن الشاطر، وفي تصريحات المستقيلين والمفصولين عن المؤتمر.
على المواطن الليبي ان يعي ان ما يحدث هو ما استوجب قيام الثورة على النظام السابق، فقد فكك النظام السابق مفاصل الدولة لاجل تسهيل قيادتها، وكان كل الليبين على وعي وادراك تام بان ليبيا لم تكن تحتاج لاعادة البناء لانها لم تكن مبنية اصلا كدولة، فكانوا يتحدتون عن بناء ليبيا وليس عن اعادة بنائها. الا ان قوة الاشاعة اصبحت تنخر في امال الليبين رغم ان واقعهم غير ماضيهم، فماديا يتقاضي جل الليبين مرتبات وهم جالسون في بيوتهم، وتغدق عليهم الدولة المنح والهيبات دون حسيب ولا رقيب، وجلهم كالنار يتطلع الى “هل من مزيد”، ويتناسون ان مسؤلية بناء الوطن هو مسؤلية المواطن، وانما الحكومات هي ادوات لبناء هذا الصرح الذي نسميه وطنا. وبما ان المواطن اصبح قادرا كنتاج للثورة على صنع حكومته، ففشل حكومته هو فشل له وعليه ان يتداركه ويعمل على اصلاحه.
بناء الوطن يعني بناء امال للاجيال القادمة وصنع احلام لهم قابلة للتحقيق، فلا تجعلوا هذه الاجيال تلعنكم بسبب تفريطكم في فرصة بناء وطن يتسع لكل احلامهم وامانيهم.
والله من وراء القصد
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً