كان فتح مصر من أعظم منجزات نور الدين ، رحمه الله ، فقد تمكَّن من إسقاط الدولة الفاطمية العبيدية ، التي استمرَّت أكثر من قرنين تنشر الفساد السياسي ، والخلل العقدي في أنحاء العالم الإسلامي ، فهي التي أعانت الصليبيين في احتلال بلاد الشام بتحالفها ، وتامرها ، وهي التي تبنَّت المذهب الباطني ، ونشرته في ديار المسلمين ، وعندما سادت الفوضى إدارة الحكم فيها ، وتحكم الوزراء بالأمر دون الخلفاء؛ طمع الصليبيون بغزو مصر ، فهاجموها المرَّة تلو المرَّة ، وعندها جرد نور الدين محمود حملاته العسكرية لتخليص مصر من مطامعهم، ولإعادة أرض الكنانة إلى منهج أهل السنَّة والجماعة ، وجمع كلمة المسلمين. [الجهاد والتجديد ص195].
ويمكن تلخيص أبرز الدوافع التي أدت إلى غزو مصر بما يأتي:
الدافع الأول:
حالة الفوضة التي سادت مصر اخر أيامها ، فقد أصبحت الدولة تعاني كثيراً من مظاهر الإنحلال ، والفساد ، حتى صار من الأمور الشائعة أن يصبح الخليفة ، أو الوزير مقتولاً خلال الصراع الدائر بين الوزراء أنفسهم ، أو بين الوزراء ، والخلفاء ، فقد قتل الظافر على يد وزيره ، وتحكم الوزراء فيمن جاء بعده في اختيار من يشاؤون ، وقتل الوزراء بعضهم بعضاً ، فقد تولى الوزارة في عام واحدٍ ثلاثة وزراء: العادل بن رُزيك ، وشاور ، وضرغام ، فضعفت الدولة ، وسادت الفوضى في البلاد. ومن أواخر هذا الصراع خروج شاور من مصر ، بعد أن طرده «ضرغام» ومن ثمَّ استنجاده بنور الدين محمود ، الذي وجد الفرصة مواتيةً لتوحيد الوحدة الإسلامية في بلاد الشام، ومصر.
الدافع الثاني:
إنَّ مطامع الصليبيين شجَّعت القائد المجاهد نور الدين على التفكير جدياً بضم مصر إلى الجبهة الإسلامية ، كما أن تلقيه العهد من الخليفة العباسي بإطلاق يده في بلاد الشام ، ومصر عام 549هـ شدَّ من عزيمته لإنجاز هذا الأمر.
الدافع الثالث:
من أقوى الأسباب التي أدَّت إلى القضاء على الخلافة الفاطمية العبيدية العامل العقدي ، فقد كانت دولة باطنية المعتقد ، إسماعيلية المذهب ، فرَّقت وحدة المسلمين ، وتامرت مراراً مع أعدائهم. فكان لا بدَّ من إقامة وحدة قوية في عقيدتها ، شرعية في توجهها ، تضمُّ إلى الخلافة العباسية أرض الكنانة مع بلاد الشام. [مصر والشام في عهد الأيوبييين والمماليك ص13].
وفي هذه الظروف التي كان نور الدين الشهيد يتطلَّع فيها إلى غزو مصر؛ وصل إلى دمشق عام 559هـ الوزير الفاطمي شاور بن مجير السَّعدي طالباً النجدة منه ضدَّ من سلب منه منصبه قهراً ، كما وعد شاور مقابل مساعدة نور الدين له بثلث دخل البلاد المصرية سنوياً ، بعد دفع رواتب الجند ، وأن يكون نائباً عن نور الدين بمصر؛ إذا ساعده في التغلب على ضرغام عدوه ، ويكون أسد الدين شيركوه مقيماً بعسكره بمصر ، ويتصرَّف مع شاور في شؤون البلاد بأمر نور الدين. لكن نور الدين كان متردِّداً متريِّثاً ، يقدِّم إلى هذا الغرض رجلاً ، ويؤخِّر أخرى؛ حتى استخار الله في الأمر على ما هنالك من أخطار جسيمه ممثلة في الصليبيين بالسَّاحل وبيت المقدس ، إضافة إلى شكِّه في إخلاص شاور السَّعدي. [الكامل في التاريخ نقلاً عن الجهاد والتجديد، ص198].
ثم جهز نور الدين الحملات المتوالية ، ووجَّهها نحو مصر منذ عام 559هـ حتَّى 564هـ بقيادة أسد الدِّين شيركوه. [الجهاد والتجديد ص198].
المراجع:
- الجهاد والتجديد، محمد حامد الناصر، مكتبة الكوثر ، الرياض ، الطبعة الأولى 1419 هـ/1998م.
- مصر والشام في عهد الأيوبيين والمماليك د. سعيد عبد الفتاح عاشور، دار النهضة العربية، بيروت.
- صلاح الدين الأيوبي، د. علي محمد الصلابي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً