مع تحشيد قوات الحكومة العراقية وقوات البشمركة على جانبي كركوك، وظهور بوادر الصراع المسلح، يصبح إستفتاء الشعب الكردي على الإنفصال عن دولة العراق بنتيجة تجاوزت 92% بالإيجاب ونسبة مشاركة 72% ذو دلالات كثيرة وعميقة سوى بقي الكرد جزاً من العراق أو إنفصلوا عنه لاحقاً، وبذلك يتكرر سيناريو إنفصال جنوب السودان وربما ينفصل شرق سوريا بعد تحريرها، والحوثيون عن اليمن، والساقية الحمراء عن المغرب، مع مطالبات كثيرة بتقرير المصير في دارفور وكردفان والبصرة وغيرها.
رغم أن الجميع لا يريد الإنقسام والتشردم، والنص القرآني النبيل يحث على الإتحاد وعدم التفرق وكذلك واقع الحال للدول الغربية والشرقية تنحو نحو التكثلات الكبيرة مثل الإتحاد الأوروبي وأسيان ومجموعة أمريكا الأتينية، إلا أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتجه إلى الإنقسام والتشردم، وهو يؤكد نهاية إتفاقية سايكس-بيكون التي عقدت سريا سنة 1916 بين وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا والتى أوجدت حدود الدول الحالية، ومما يثير الإهتمام أن هذه المنطقة قد مرت بفترة طويلة من المنادات بالدولة القومية التي تجمع كل العرب من الخليج إلى المحيط كهروب إلى الأمام لما يزيد عن نصف قرن، والنتيجة تفكك الدولة الوطنية بعد أن نسي الجميع ذلك الحلم.
معاهدة سايكس-بيكون بنيت على أسس جغرافية ونفوذ الدول الإستعمارية أكثر من الأسس الإجتماعية السكانية؛ فلم تهتم كثيراً بالإختلاف العرقي أو اللغوي ولكنها إعتمدت في تقسيمها على التضاريس الطبوغرافية مثل البحار والجبال والصحاري كحدود بين الدول والأهم من ذلك تبعية هذه المستعمرات، وبذلك أوجدت هذه الإتفاقية دول متعددة اللغات والثقافات والأعراق ومتباينة المساحة وعدد السكان، وهذا ما حدث في إتفاقيات سابقة في أوروبا. إذن لماذا نجح التقسيم الجغرافي في أوروبا وفشل في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
من الواضح أن نجاح الدولة الوطنية في أوروبا كان بعد خوض حروب كثيرة أخرها الحرب العالمية الثانية والتي سئم الجميع من ويلاتها، ومعها تطور الفكر السياسي لتلك الدول ووصلت إلى تنفيذ مفهوم المواطنة في ظل الدولة المدنية، والذي ينطلق من العدل والمساواة بين أفراد المجتمع، وهو المفهوم الذي قضى على الإقطاع والطائفية والفئوية ونظريات التفوق العرقي، فلن تجد في بريطانيا مثلا من يقول أنني من الأشراف أو أنتمي إلى نسب المسيح عيسى (فأنا خياركم من خياركم) ولن تجد من يقول أنني أستحق المهايا والعطايا والتبجيل لآنني من الدوحة الموسوية، أو أن الإمارة مقصورة جيل بعد جيل على أبناء بطرس. ولقد أوجدت هذه الدول نظاما مدنيا له مبادئ حاكمة يعلمها الجميع ويحترمها ويحافظ عليها منها المساواة في الحقوق والواجبات وإطلاق الحريات العامة، والتداول السلمي للسلطة عن طريق الإنتخابات، وحرية الصحافة، والفصل بين السلطات، ونزاهة القضاء، والإلتزام ببنود الدستور، وعدم تدخل العسكر في السياسة، وتجريم إستعمال القوة لقلب نظام الحكم، وحرية إنشاء الأحزاب وحرية التظاهر السلمي وغيرها من المبادئ.
هذا لم يحدث في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث تربعت الحكومات العسكرية الشمولية بطوغاتها على معظم الدول العربية لما يزيد عن نصف قرن حتى جاءت الثورات لتزيل البعض منهم وبقي البعض الآخر يقاوم حتى الآن، والأمر لم يحسم بعد. خلال الخمسين سنة كانت شعارات القومية العربية وقومية العمل المشترك وقومية المعركة على أوجها، وأستخدمت هذه الشعارات الحماسية الإقصائية لإبعاد الأنظار عن الفشل الدريع في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، ومنها فشل قيام دولة المواطنة. وما يثير الإهتمام أن المجموعات المتناحرة على الساحة العربية من قوميين وسلفيين ووهابيين وإخوان مسلمين ومن تبعهم من طُغات شموليين وأمراء سلاطين جميعهم لم يقدموا برنامجا أو فكرا يساعد على ترتيب البيت الداخلي للدول العربية ومنع التشظي، ففي الخليج تباع الحقوق مقابل رغد العيش، وفي الحكم الشمولي يلجم الجميع بالحديد والنار.
الأكثر إلاماً أن الوريث لتلك الحكومات المستبدة، مجموعات قبلية وطائفية عرقية وأخرى دينية متشددة مستبدة لا تدع هناك أي أمل أو بصيص نور في أخر النفق، أي أن الشعوب المحشورة في كنتونات جغرافية بناء على إتفاقية سايكس بيكون آن لها أن تكون في حل منه، إذا ما إستمر الحال على ما هو عليه الآن، في حين أن هذه الدول يجب أن تتطور سياسيا لمنع إنفصال وتشظي الدولة الوطنية أينما كانت.
هذه الحالة من التردئ السياسي، ثقافة موروثه منذ العهد الأموي، ولقد عجز العقل العربي بمفكريه وسياسيه أن يجد حلا للتنوع اللغوي والعرقي والثقافي ولازم إنشداده لعصور الأمراء والسلاطين مما يجعل القوميات الأخرى تعاني الأمرين تحث هذا الإرتباط بالماضي السحيق.
إن الكرد قد إستبشروا خيرا بعد سقوط صدام حسين وساهمو في الدستور وفي الإنتخابات ومدوا ايديهم للمجموعات الأخرى من أجل تكوين دولة عصرية، ولكن الصراع السني الشيعي أغرق العراق وأغرقهم (أي الكرد) في أتون من الصراع والحرب والدمار هم لا علاقة لهم به، بل أصبحوا ملادا أمنا للكثير من العراقيين سوى للعيش أو النزوح أو السياحة، ولذلك فإن الشعب الكُردي إختار لنفسه أن يقوم بتدبير شؤونه خارج وصاية الطوائف الشيعية أو السنية، التي لا يمكن أن تحترم ثقافة الكُرد وعاداتهم وتقاليدهم العريقة، وذلك طبقا للمرجعية الدولية لحقوق الإنسان التي تتيح لأي شعب الحق في تقرير مصيره عندما يشعر بانعدام شروط العيش الكريم لأبنائه.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
الغريب أن الدكتور تجنب الحديث عن المكون الكردي تحت حكم أردغان والذين يبلغ تعدادهم 6 مليون نسمة وما يتعرضون له من إضطهاد تقافي ولغوي تحت حكم إسلام سياسي ديمقراطي مدني بعيدا عن حكم العسكر والدكتاتوريات الشريرة! هذا الطيب الأردغتني أفصح الأسبوع الماضي أمام العالم عن نيته فرض حصار تام على المناطق الكردية بهذف التجويع والتركيع والقبول بالأمر الواقع، فهل أنصاره في ليبيا وهم قاب قوسين أو أدنى من الأستيلاء على كرسي الحكم والسلطة في البلاد هل ياترى سيسيروا على النهج نفسه في معاجة قضايا تخص المكونات التقافية؟
أخي عبدالل أشكرك على التنويه لهذه الزاوية من المشكلة الكردية، كما تعلم في ظل الحكم الديموقراطي نوعا في تركيا منذ كمال أتاتورك سمح للكرد تكوين أحزاب وإدارة شئونهم في أراضيهم وليس هناك مشاكل لغوية أو إجتماعية ولك حزب بي كي كي الكردي براسة عبدالله أرجلان إستغل الحرب للمطالبة بالإنفصال وإثارة القلاقل في الجنوب عن طريق إستعمال مجموعات مسلحة مما إضطرت تركيا (قبل وصول أردوغان للحكم) أن تسجن أرجلان وتقوم بحضر الحزب، أما في العراق وسوريا فليس للكرد أن يقيموا أحزاب أو يطالبوا بحقوق، وعنما عارضوا الحكم في العراق كانت مجزرة حلبجة التي راح ضحيتها 5000 كردي.