بعد اجتماع فينا وإجتماع حفتر بالسراج في باريس وحزم الدول الغربية على تبني الحل السلمي في ليبيا، وبالمقابل عجز أعضاء مجلس النواب من الغرب والجنوب الليبي من تغيير رئاسة مجلس النواب وعجزهم عن عقد جلسة خارج طبرق أو داخلها كاملة النصاب، أصبحت إستقالة أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة موقف وطني مشرف يحسب لكل من يقوم به، وأضحى مجلس النواب بالهيكلية الحالية عقبة كأداء نحو تسوية وطنية تخرج البلاد والعباد من الفوضى العارمة والتشظئ الذي لا يطاق.
مجلس النواب بني على باطل من أوله بسواعد الفيدراليين والقبلييين والناقمين على برنامج التغيير، وهولاء تم تحجيم دورهم في الشرق الليبي ممن منحوا له راية السيادة على تلك الرقعة من الأرض، وأصبحوا أشتاتا أشتوت، حتى أنهم هرعوا إلى طرابلس التي لطالما وصفوها بمدينة المليشيات المنفلته، قفل المشير إذاعاتهم وأهان شخصياتهم ورموزهم وسفه أحلامهم بعد صدور مسودة الدستور الأخيرة، وهو ما يحسب له وإن كان له من الشطط الكثير في غير هذا المجال.
منذ يومين إستقال عضو مجلس النواب النائب عن الدائرة الفرعية سبها محمد معتوق، وقبل ذلك النائب عن سوق الجمعة مصطفي أبوشاقور في 28 أغسطس الماضي وهو موقف شجاع قام به بعض أعضاء المؤتمر الوطني سابقا حرصا على اللحمة الوطنية، إلا أن إستقالة أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة أكثر أهمية لعدة أسباب منها ببساطة أن هؤلاء لا دور لهم في الحياة القانونية والسياسية ولا في الإتفاقيات الدولية، فهم أفراد عاطلين يعيشون على ريع اللليبيين بمبالغ باهضة في زمن يحتاج فية المواطن إلى ملاليم لشراء دواء أو قوت عيال وينخر الغلاء كده ومدخراته إن وجدت، يبذرون هولاء على شهواتهم في الغردقة وشرم الشيخ وأغادير، ولا يرى الكثير منهم سوى على فضائيات مؤدلجة في آخر الليل. وإمعانا في الكسب لم يكتفوا بمرتباتهم بل أصبحوا يتحركون زرافات وفرادى لزيارة دول لا علاقة لهم بها، وغيابهم عن قبة البرلمان لشهور ومنهم لأكثر من سنة. نعم إن ترقيع الأحذية أمام سوق الظلام أو سوق المشير أنبل وأصدق وأقرب إلى الله من العمل في مجلس النواب ومجلس الدولة مقابل ملايين من العملات المغصوبة بحق القانون.
قد نختلف كثيرا أو قليلا ولكن لا مناص من وجود إنتخابات جديدة يفرز المجتمع من خلاله رئيس دولة ونواب خلوا من القبلية والجهوية والتشدد الديني، ومن الواضح أن الشرق الليبي ليس له هيكلية تمثله سوى المنظومة العسكرية المتواجدة حاليا والمدعومة من قوى إقليمية والرافضة للإمتثال لأي إتفاق سياسي لم تكون طرفا فاعلا فيه، وهو ما يعني أن تعديل إتفاق الصخيرات بعيد المنال، في حين أن الغرب والجنوب الليبي لا يمانع من تعديل الإتفاق الحالي والسير قدما نحو إنتخابات رئاسية وبرلمانية في الربيع القادم.
من المحزن أن يستثمر بعض أعضاء مجلس النواب ورئاسته الفوضي والتشظئ لزيادة وتكديس ثرواتهم، ويبررون زورا وبهتانا أن إنهيار مجلس النواب (كممثل وحيد للشعب) يؤول إلى الفراغ السياسي، وأي فراغ سياسي أكبر من وجود ثلاثة حكومات وعشرات الجيوش تتقاتل بدعم من ميزانية الدولة !!، وأي فراغ سياسي لمجلس لا يوجد به سوى عقيلة والثلاثين …. من الإعضاء المداومين تحث قبلة البرلمان، وتستقبل معظم الوفود الرسمية في القبة.
في سنة 2011م شاهد العالم إستقالات رجالات الدولة الليبية في مشارق الأرض ومغاربها من سفراء وملحقين ومنذوبين وهم لهم ما يفعلون، وعلينا أن نعترف بأنهم رجالات دولة، في حين أننا نرى الإستماتة على كراسي مجلس النواب الذي طردوا منه وأهينوا على أعتابه واقفلت الاضواء في وجوههم ودُفعوا للإجتماع في المقاهي المجاورة له، إنه الريع المغلف بالوطنية، وظهر لاحقا أن اللذين قاموا بذلك نمور من ورق.
آن الأوان لأن يستقيل كل وطني في مجلس النواب ومجلس الدولة، ليس من أجل البهرجة الإعلامية ولكن من أجل التعجيل في الذهاب إلى إنتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، فهذا الشعب والكثير من الشعوب الإسلامية النامية لا تعيش بلا رئيس دولة ولا تحترم المؤسسات بقدر ما تحترم وتخاف من سلطة الرئيس، فلنذهب إلى ذلك عاجلاً وليس أجلاً من أجل حقن الدماء، وإنهاء التدخل الإقليمي، وإيقاف طوابير السيولة ولجم إنتهاكات المجموعات المسلحة، فللرئيس سلطة وسطوة في قلوب الكثيرين من الشعب الليبي (اللي ماعنداش كبير أيدير كبير).
أخيرا إن التعويل على الدستور لإنهاء الأزمة لا يكون مجديا مرحليا، فالدستور عقد إجتماعي سامي له شروطه التي لا تتوفر لشعب لم يمارس في حياته تجربة ديموقراطية ناجحة، وله مشاكل إجتماعية عميقة أوجدته الحقب السابقة مثل مسألة الهوية والإنتماء والمواطنة والإمتثال للقانون وإحترام الآخر، وتبجيل الشراكة بين أطياف المجتمع، والتوفيق بين الأعراف والمبادئ الدولية والتوجهات والقوانين المحلية، وهذا يحتاج إلى جهود تثقيفية كبيرة قد تأخذ الكثيرا من الوقت، وخارج هذه المفاهيم لن يكون للدستور معني، فسنجد من يخرقه بإسم الدين وآخر بإسم شرعية القوة العسكرية وثالث بإسم الشرعية الثورية وهكذا.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
نعم نؤيد اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ونتفق معك على ان معظم اعضاء البرلمان هم من المرتزقة والصعاليك الذين لا يعيرون اهتماما للوطن وبالتالي يجب التخلص منهم لتسقط بالتبعية كل الاجسام الموازية لانقاد الوطن. لكن لا اتفق معك في توصيف استقالات معتوق وابوشاقور بالوطنية ولا اعتقد انه يحق لمن انتخبه الشعب ان يستقيل. فالذي تقدم للانتخابات وحاز على ثقة الشعب كان لزاما عليه ان يدافع عن حقوق منتخبيه وعن الوطن ككل مهما كلفه ذلك الامر الذي لم نره عند اي من اعضاء المؤتمر وخصوصا ابوشاقور. فابوشاقور قاطع البرلمان تحت حجة حكم المحكمة الغير واضح في مجمله وغير صحيح في جوهره. فهو اساسا لم يعترف بالبرلمان وظل مقاطعا له على مدى عامين وبعدها التحق بالصخيرات كمقاطع وفي نفس الوقت التحق بالبرلمان الذي لا يعترف به وقبض مرتباته مع المزايا عن المدة التي لم يداوم فيها يوما واحدا ومن ثم استقال بحجة انه لم يستطع العمل رغم انه كان مقاطعا اصلا. انا هنا لا اقصد ابوشاقور في شخصه ولكن استعمله كمثال. فيجب ان لا نعطي صفة الوطنية والبطولة لامثال هؤلاء. فجل من انتخبه الشعب بعد فبراير لم يرتق لمستوى المسؤولية ولم يقدر تضحيات الشعب ولم يحس بمعاناته وجميعهم كان همهم المناصب والاموال. وهؤلاء لم و لن يستقيلوا الا ليدخلوا من ابواب اخرى.
لا نتفق معك في مسألة اختلاف الهوية وجعلها مشكلة لان الشعب الليبي رغم تعدد اعراقه فهويته واحدة وثقافته واحدة. فاستعرب ان مسألة الهوية لم تشكل اي مشكلة بل ولم يتم تداولها في اي دولة من دول العالم الا في دولنا نحن. فلا يوجد دولة في العالم اليوم يسكنها عرق واحد اطلاقا فكل الدول هي خليط من اجناس واعراق مختلفة ومع هذا استعاضوا عن كل هذا بالمواطنة. فعملية تفضيل او تخصيص مواطن او مجموعة مواطنين هي قمة العنصرية التي لا يجب ان يتضمنها اي دستور. وفي نفس الوقت تفضيل مواطن او اعتباره مختلفا ستفصله عن باقي المجتمع تلقائيا. بمعنى ان اعتبار ان اي شريحة في المجتمع تمتلك اشياء مختلفة سيفصلها عن باقي المجتمع وهذا سيؤدي لتفكيك المجتمع الليبي ككل وسيؤدي الى تقسيم ليبيا كدولة. وهذا هو بالتحديد ما يسعى عرابو الشرق الاوسط الجديد.