عندما جهر العباسيون بدعوتهم وحاول أبومسلم الخرساني دخول مرو عاصمة خرسان، وبداء إنهيار الدولة الأموية ماثلاً للعيان، أسرع والي بني أمية وهو “نصر بن سيار” يستغيث بمروان بن محمد آخر ولاة الأمويين ويطلب منه مددًا، وينبه رجال الدولة إلى الخطر المحدق فيقول:
أَرى خَلَلَ الرَّمادِ وَميِضَ نــــارٍ ويُوشكُ أن يَكُونَ لَهَا ضِـرَامُ
فإن النارَ بالعودين تُذْكــــــى وإن الحربَ مبدؤها كـــــلامُ
فقلت من التعجب ليتَ شِعرى أيقاظ أمية أم نيـــــــــام؟
لم يهتم بنو أمية بهذا الأمر بسبب انشغالهم بصراعات أنصارهم القدماء بالشام، وانشقاق زعماء الأمويين على أنفسهم في حروب ضارية بين الأشقاء، فكان سقوط الدولة الأموية لا مفر منه.
بالمثل لم يكن المؤتمر وموسساته ودروعه ومجلس النواب وجيشه وصحواته واعيا لما يحدث على الأراضي الليبية لزمن طويل، ومنهمكاً كل منهما في صراعات لاتنتهي ، لقد ثم الإستيلا على مصارف في سبها وسرت وعلى 56 مليون دينار من أموال مصرف ليبيا المركزي، وعلى أليات من الحقول النفطية والتوجه بها إلى سرت، ولقد توصلت لجنة أموال المركزي إلى معرفة الجناة، ولكن لم يتم لجم نواة داعش الخضراء في تلك الآونة بسبب تدخل أعيان تلك المدينة، الآن وقد إستفحل أوارها بدعمها بقوة بشرية متعطشة للمال من دول شمال أفريقيا والهاربين من القصف الجوي في الشام فالمهمة أصبحت أصعب على أهل سرت وعلى الحكومات الحالية والقادمة.
لا شك أن إستشعار القوى الدولية لأخطبوط داعش أكبر بكثير من الوعي المحلي، مما جعلهم يصرون على الحل العاجل بتكوين حكومة توافق وطنية، تسموا عن التصرفات العاطفية الجهوية التي أدخلت داعش إلى سرت ودرنه، وأججت الحرب في بنغازي. هذا الإتفاق الذي لم يرى النور بعد، سافر أعضائه من غدامس إلى جنيف إلى الصخيرات، وله جولات في تونس والجزائر وروما. نعم هناك تدخل لبعض الدول العربية حال دون الوصول إلى توقيع الإتفاق، ولكن بالمقابل هناك إنقسام أفقي وعمودي في المؤسسات التشريعية، والذي أصبح واضحاً أن هناك مجموعة من المتشددين في المؤتمر والبرلمان وأدرعها العسكرية، تعارض الإتفاق لأن ذلك سيزيل الكثير من مزاياها المكتسبة في زمن الفوضى الأمنية، ولذلك تفاقم تشويشها السياسي من أجل إطالة الوضع الحالي أو إيجاد بدائل مريحة لرغباتها.
كان آخر هروب الفئة المتشددة من الطرفين إلى الأمام بإعلان خارطة طريق في مدينة تونس تحت الشعار الفضفاض “الحوار الليبي الليبي” وبلآته الثلاث، تشكيل لجنة لإختيار رئيس الوزراء، إعتماد دستور 1963 المعدل، وإجراء إنتخابات تشريعية خلال سنتين، هذه الخارطة تعوزها أبسط قواعد الإتفاق وهي التفاصيل (التي إستغرقت عام كامل بمجهود أممي كبير) ناهيك عن صعوبة إقناع أعضاء الطرفين، وعدم وجود ضغوط دولية محفزة وزاجرة لتكوين الحكومة، والأهم من ذلك من سيرعى نزع السلاح وتفكيك المجموعات المسلحة؟، وعلى رأسها قوات داعش التي شُكل لها حلف غربي وشرقي بقوة ضاربة ولم تهزم في الشام بعد. ثم إن الحوار الليبي الليبي المزعوم لم يستطيع فتح الطريق الساحلي الدولي لمسافة عشرة كيلومترات بين الزاوية وطرابلس، رغم إجتماع ثلاثة عشرة بلدية متضررة من قفل الطريق، ولم يحل الحوار الليبي الحرب القبلية في الجنوب ولم يستطيع إيقاف النيران المشتعلة في بنغازي والكفرة وحتى طرابلس بين الفينة والأخرى.
إن عزم القوى الدولية على تشكيل حكومة وطنية بالتعديل الخامس، والذي حُدد له موعد في السادس عشر من ديسمبر، وعزوف المتشددين بأدرعهم العسكرية عن الإنخراط في التوقيع ومنعهم لإستقبال الحكومة الجديدة، سيؤدي إلى إنشاء حكومة ثالثة في المنفي أو في مدينة أخرى غير طرابلس، وهو ما يزيد من الأمر تعقيداً وسؤاً.
إن الضخ الإعلامي حول عمالة المندوب السابق ليون لقوى خارجية وبالتحديد الإمارات (وهو صحيح)، بالمقابل أنه لم يستطيع منع سبعة إضافات من المؤتمر تم تبنيها من الهيئة الأممية في التعديل الأخير، وأن هذه الحكومة إنتقالية قد لا يتجاوز عمرها السنتين. هذا الضخ الإعلامي أوجد شئ من النرجسية، بأن العالم مغرم ومهتم بالشعب الليبي وسعادته، وهو غير ذلك، فمثلا رغم توقف النفط الليبي إلا أن الأسعار النفط في تناقص شديد، وأن الزبائن السابقين قد وجدوا لهم مصادر أخرى، وبذلك فإن الغرب لا يهتم إلا بمصالحه، وإستقرار ليبيا جزء من ذلك، وعلى رأسها وقف الهجرة الغير شرعية.
إن فشل محادثات الصخيرات وما بعدها وفشل تكوين حكومة التوافق الوطني يعني التخلي الكامل للمجتمع الدولي عن هذه البقعة من الأرض وتركها لمصيرها كما حدث في الصومال وجنوب السودان وأفغانستان.
أخيرا، لقد رأينا الكثير من الشخصيات الليبية المناضلة قد تنحت جانبا لأجل الوطن في السنوات الخمسة الماضية، ولا يزال الشعب الليبي يذكرهم بسيرة عطرة، فهل آن الأوان أن يترك المتشددون مواقعهم جانبا من أجل إنقاذ الوطن؟؟
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً