يعد ملف الأمن المائي الليبي من الملفات الخطيرة والحساسة بمصفوفة عوامل ومتغيرات الأمن القومي الليبي، كون الموارد المائية الجوفية عامل استمرار الحياة والتعايش السلمي بالقارة الأفريقية، وما الصراع القائم بين عديد الدول حول نسب استغلال مياه نهر النيل والسد والمشاريع المنشأة على مصدر تغذية النهر إلا دليل على خطورة وحساسية الموارد المائية بالساحل الأفريقي وعمق القارة الأفريقية، وقد يكون ملف الموارد المائية عامل قيام الحروب والصراعات بين الدول والجماعات حول حقوق وضوابط استغلالها والاستفادة منها، كما أن أهمية الموارد المائية الجوفية تستمد حساسيتها من الصناعات القائمة على الموارد المائية وعلى أثرها المباشر في مستوى معيشة ورفاهية الإنسان، وقد تنبأ كثير من المحللين الاستراتيجيين لاحتمالات نشوء صراعات وحروب بين الدول وحدوث أزمات اقتصادية صناعية بسبب شح الموارد المائية وبالتالي الغداء والدواء، مما ينذر بكوارث وازمات بيئية وصحية لها تدعياتها على الأمن والسلم الدولي.
لسنا هنا بصدد ذكر أو حصر الحروب والنزاعات الدولية والمجتمعية التي حدث في الماضي، ولكن وجب التنويه أن حركات وتنقلات الجماعات البشرية وتوطين الصناعات بمختلف صنوفها والزراعة كانت عبر التاريخ ولازالت تتمحور حول وفرة أو ندرة مصادر المياه، ولكننا ننوه لخطورة وحساسية ملف الأمن المائي وتأثيراته على الأمن الاقتصادي والاجتماعي للدول والشعوب وحتى الأمن والسلم الدولي، حيث أن الموارد المائية الجوفية كانت ولازالت مجال للنزاعات والصراعات المجتمعية وبين الدول، بل أن أحد ابعاد استراتيجية الأمن الدولي وتشكيل التحالفات وخلق الصراعات يتمحور حول مصادر الطاقة والمياه، فحتى الصناعات النووية ما كانت لتقوم لولا وفرة المياه، والصناعات الغذائية والدوائية والعسكرية وغيرها من الصناعات تقوم بالأساس أينما توفرت مصادر الطاقة والمياه، وقد شاركت الدولة الليبية عام 2013م في مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعاصمة النمساوية “فيينا” بتوقيع اتفاقية برنامج العمل الاستراتيجي “SAP” لخزان الحجر الرملي النوبي المشترك “ليبيا – مصر – السودان – تشاد” من أجل وضع إطار خطة طويلة الأجل للاستفادة من المياه الجوفية بالحوض، توقيع الاتفاقية جاء بعد تأسيس الهيئة المشتركة لدراسة وتنمية خزان الحجر النوبي الرملي عام 1990م ومقرها العاصمة الليبية طرابلس، ويهدف برنامج الاتفاقية الموقعة “بفيينا” إلى تحقيق الاستخدام الأمثل والعادل للمخزون الضخم والهائل للمياه الجوفية بخران الحجر الرملي النوبي وتعزيز آلية التنسيق الاقليمية بين الدول المستفيدة من الحوض المائي النوبي، سعياً لتحقيق إدارة فاعلة وعادلة للموارد المائية ومنع التوتر السياسي والأمني بسبب احتمالات وقوع نزاعات بينية بين الدول المستفيدة من خزان مياه الحجر الرملي النوبي، وضمان التزام دول الحوض “ليبيا – مصر – السودان – تشاد) بتنفيذ الاجراءات اللازمة لحماية الموارد المائية المشتركة واستدامة النظام والتوازن البيئي وتحقيق الأمن والسلم الدولي والاقليمي، وتحسين مستوى معيشة السكان بدول الحوض، ومنع تدفقات المهاجرين غير الشرعيين الباحثين عن مصادر المياه والغذاء والكساء والدواء، وبينت الدراسات أن مساحة الحوض الاجمالية تبلغ 2.2 مليون كيلومتر مربع، موزعة بنسب متفاوته بين الدول الأربعة وفقا لدراسات والمعلومات المتاحة والتي من يديرها ويشرف عليها الهيئة المشتركة لدراسة وتنمية خزان الحجر الرملي النوبي، وتبين مؤخراً للمركز القومي للبحوث والدراسات العلمية ضعف المتابعة الفاعلة للجانب الليبي لاستغلال مياه الحوض في حين دول الجوار الموقعين على الاتفاقية جادين وفاعلين في استغلال المياه الجوفية للحوض، ومع سوء ترشيد استهلاك المياه بليبيا واستنزاف مياه النهر الصناعي ومصادره والتخريب المتعمد والمستمر لخطوط امداداته ما ينبئ بحدوث عجز في امدادات المياه لمختلف شرائح وقطاعات الدولة الليبية وبالتالي ضعف قدرة قطاعات الطاقة والصناعة والزراعة على تلبية احتياجات المواطنين وبخاصة مع شح الامطار بالسنوات الأخيرة، هذه المؤشرات الخطيرة تنبئ بتهديدات محتملة لأمننا القومي الليبي والسيادة الليبية على اراضيها وتداعيات خطيرة محتملة على الأمن المائي والغذائي والصحي والاقتصادي والاجتماعي الليبي، وخاصة مع ضعف متابعة الأجهزة المعنية بتوفير وتأمين امدادات المياه وصون مصادرها وتأمين احتياطات ومخزون استراتيجي من المياه الجوفية.
عليه نوصي بما يلي:
1. ندعوا الجانب الليبي بالهيئة المشتركة لدراسة وتنمية خزان الحجر النوبي ووزارات الصناعة والزراعة والموارد المائية للعمل بجدية وتحمل مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية في متابعة استغلال مياه المخزون المائي لخزان الحجر الرملي النوبي المشترك وحسن إدارته وتقديم تقارير دورية دقيقة حول حجم استغلال دول الجوار للخزان، والمشاريع المائية الليبية ومخططاتها لاستغلال المخزون المائي للحوض لصالح امدادات المياه لاستعمالها في الشرب والزراعة والصناعات المختلفة.
2. اقتراح استراتيجية وطنية وآلية فاعلة وعادلة لإدارة الحوض بالتنسيق مع خبراء وباحثين بالمركز القومي للبحوث والدراسات العلمية والمراكز المتخصصة بالتصحر وتوطين المشاريع الزراعية والصناعية ومراكز تنمية الموارد المائية والزراعية والصناعية والاستدامة البيئية، ومراكز تنمية بدائل الطاقات المتجددة، وكذلك تعميق أواصر التعاون والتنسيق المعلوماتي مع دول الجوار في مجال الصناعات المائية وتنمية واستثمار المياه الجوفية وتبادل المعارف والتقنيات والخبرات في هذه المجالات، تحقيقاً ووصولاً للاستثمار الأمثل لموارد الدولة الطبيعية والبشرية وتحقيق التنمية المتوازنة والمستدامة وأمن الدولة الليبية الاقتصادي والبيئي والاجتماعي، ومنع الصراعات والنزاعات البينية وصولاً لصون السيادة الليبية وتحسين ودعم ركائز ومناخ الأمن القومي الليبي والاقليمي والدولي.
3. ضرورة وأهمية تدخل ودعم الحكومة للهيئة المشتركة لدراسة وتنمية خزان الحجر النوبي، وتوفير مقر لائق لتسيير مهام الهيئة على أكمل وجه، ودعم اعضائها عن الجانب الليبي مادياً ومعنوياً وتحفيزهم على متابعة شؤون حوض خزان الحجر النوبي والتأكد من التزام كل الاطراف الاجنبية الشركاء في الحوض بحصصهم في استغلال مياهه ضماناً وصوناً لحقوق الدولة الليبية والاجيال القادمة.
4. ضرورة تحمل وزارة الخارجية الليبية والجهات المعنية بإدارة الموارد المائية مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية في متابعة الهيئة المشتركة لدراسة وتنمية خزان الحجر النوبي وتذليل الصعاب امامهم، والتواصل مع دول الجوار الشركاء في حوض النوبي لترشيد مستويات استنزاف مياه الحوض الجوفية والتأكيد على استغلال مياهها وفق المتفق عليه وعدم تجاوز نصيب كل دولة.
5. تشكيل هيئة ليبيا عليا لمتابعة وتقييم احتياطيات الموارد المائية الجوفية والسطحية وفرص تنميتها واستثمارها وتقييم مخاطر استنزافها وسوء ادارتها على الأمن القومي الليبي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً