تعد مرحلة المراهقة من أخطر مراحل العمر التي يمر بها الأبناء، ومع حدوث الانفتاح الإعلامي وتطور وسائل الاتصال الحديثة، أصبحت مسؤولية الأسرة في تقويم سلوك المراهق صعبة للغاية، لأن مصادر معلوماته قد خرجت عن السيطرة، وأصبحت تجاربه أكثر اتساعًا مما يسهل عملية الانحراف السلوكي لديهم.
بثينة عبدالحميد، موظفة في أحد البنوك، تتحدث عن معاناتها مع أبنائها الذين يمرون الآن بمرحلة المراهقة قائلة “للأسف الشديد إن وسائل الإعلام والاتصالات قد أصبحت تلعب دورًا سلبيًا يتنافى مع ما يجب عليها القيام به، فنجدها تصرف أنظار الشباب عن التفكير والتخطيط لمستقبلهم، بل إنها تضع أسسًا غريبة للتفوق وفي أشياء لا تفيد المراهق ولا المجتمع من حوله، فنجدها تمجد لاعب كرة غير ملتزم، أو فنانة مبتذلة، أو مطربة لا تقدم إلا العري والانحطاط، وتكثر معهم الحديث واللقاءات وتجعلهم نجومًا فوق العادة، ومن ثم يسعى أبناؤنا إلى تقليدهم، مؤكدين أن هذا هو ما يتطلبه العصر الآن”.
وتضيف “القيم والأخلاق والالتزام أصبحت بفعل وسائل الإعلام شعارات قديمة لا تصلح، ولا أعرف ماذا أفعل كي أحمي ابني من هذا الكم الرهيب من المخاطر المحيطة به التي تأتي اليه”.
أما ميرفت صالح، أمينة مكتبة بإحدى المدارس فتقول “أبنائي لا حديث لهم الآن إلا عن شباب ونجوم “ستار أكاديمي”، و”سوبر ستار”، إنهم يعيشون ليل نهار يحلمون بالمشاركة في تلك المسابقات وهم يقومون بإعداد أنفسهم لذلك”.
وتؤكد أن أولادها “أهملوا دروسهم وأصبحوا يرتدون كل ما هو غريب، وأصبحت قصات شعورهم أكثر غرابة”، وتضيف ميرفت، “هناك حملات غزو ثقافي تسعى إلى اختراق عقول أبنائنا بهدف مسح شخصيتهم وطمس هويتهم”.
ويدافع أحمد سعيد أبوالمجد، الطالب في الصف الثاني الثانوي عن جيله، مشيرًا إلى أن “المشكلة تكمن في أولياء الأمور الذين يعتقدون أن الشباب عاجز عن فهم وإدراك ما يحدث من حولهم، ويطالبوننا باعتناق أفكارهم ومعتقداتهم والسير في نفس طريقهم من دون أن يكون لنا حق الاختيار أو التعبير عن أنفسنا ومعايشة عصرنا بكل ما فيه من متغيرات متلاحقة وسريعة”.
ويضيف “مشاهدة الفضائيات والتجول على صفحات “النت” أمر ضروري لمعرفة كل جديد يحدث في أيِّ مكان في العالم كي لا نعيش منعزلين عن الثقافات والحضارات الأخرى”.
ويقول عبدالمنعم الأشنيهي، المستشار الإعلامي للمجلس العربي للطفولة والتنمية “إن الفضائيات ومواقع الانترنت فرضت علينا أن نتعايش مع العالم الواسع بكل تناقضاته الاجتماعية والثقافية، الإيجابية والسلبية، وحملت لأطفالنا ومراهقينا كل ما هو مثير ومشوق، في محاولة للسيطرة على فكرهم وعقلهم بعادات وسلوكيات لا تتماشى مع القيم العربية، وتتنافى مع الأخلاق العربية، وتزرع في وجدان المراهق عادات وأفكارًا غريبة تحمل كل مظاهر الانحلال والعنف والتمرد، بهدف القضاء على هويتنا وأصالتنا العربية”.
ويضيف “أصبحت مواكبة المرء التطورات المتلاحقة عبر وسائل الاتصالات الحديثة أمرًا حتميًا، لدفع مدارك المراهق والارتقاء بمعارفه وثقافته العلمية والفنية، إلا أن هذا لا ينفي أن بعض ما تقدمه تلك الوسائل يحمل الجنس والعنف ويشوه القيم ويعبث بالأديان، وهذا هو مكمن الخطر”.
ويقول د. سيد صبحي أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس “تعتبر فترة المراهقة مرحلة التطبيع الاجتماعي، حيث يتم فيها التعلم وغرس القيم والمعايير الاجتماعية من الأشخاص الذين لهم شأن وتأثير في المراهق أو المراهقة، مثل الوالدين والمعلمين والقادة وجماعة الأصدقاء، وكذلك من الإطار الثقافي الذي يعيش فيه المراهق”.
ويتساءل د. صبحي عن سر الخوف والقلق اللذين ينتابان الأب والأم من تلك المرحلة قائلًا “يجب أن نغير المفهوم السائد عن تلك المرحلة وأنها تمثل أزمة، حيث يجب اعتبارها مرحلة فرحة للأسرة لبلوغ ونمو أبنائها، وحين يحدث ذلك وتقوم الأسرة بمتابعة أبنائها وتكون هناك علاقة صداقة حميمة معهم وسيادة للكلمة الطيبة في كل حوار معهم، فذلك من شأنه أن يغذي نفوسهم ويجعل المرحلة تمر بسلام وهدوء.
وهناك أهمية لأن تتعامل الأسرة مع كل مستحدثات العصر الذي يعيش فيه الأبناء، فالأب والأم عليهما إجادة التعامل مع “الإنترنت” وعدم ترك الأبناء يعبثون ويتجولون داخل صفحاته معتمدين على عدم فهم الوالدين ما يقومون به”.
ويضيف “على الأسرة أن تكون جاذبة للأبناء وليست طاردة، وذلك يمكن حدوثه من خلال الاستماع الواعي لشكواهم ومطالبهم ومحاولة التعرف إلى وجهة نظرهم وتوظيف أفكارهم وطموحاتهم بطريقة صحيحة”.
أما د. سعدية بهادر، أستاذة علم النفس فتقول “تعد المراهقة من أهم فترات حياة الإنسان على الإطلاق، حيث يمر خلالها بتغيرات جسدية ونفسية وعقلية وعاطفية بعيدة الأثر، وتتوقف الصحة الجسدية والنفسية على نجاح الفرد في اجتياز تلك الفترة بأمان، ومن هنا يأتي دور الأهل في إرشاده وانتشاله من دائرة الصراع الداخلي الذي يصاحب مرحلة المراهقة. وهنا يجب أن نشير إلى أن هناك بعض الآباء والأمهات الذين لا يتفهمون طبيعة تلك المرحلة لأبنائهم ويتخبطون في التعامل معهم”.
وتطالب الوالدين باكتساب مهارات جديدة تتوافق مع المتغيرات الجديدة للأبناء، ومنحهم دورًا إيجابيًا وفاعلاً داخل الأسرة، وعدم تسفيه آرائهم، والتعامل معهم باهتمام، وبث الثقة في نفوسهم، وتربية الوازع الديني لديهم، والعمل الدائم على تنمية الضمير الأخلاقي، ليساعدهم ذلك على الاختيار السليم والتفريق بين الخطأ والصواب، ويجب عدم إغفال أهمية تربيتهم على الاعتماد على النفس.
ويقول د. سيد محمد عبد الرحيم، الأستاذ في كلية الدراسات العربية والإسلامية في جامعة أسيوط “التطور الهائل في وسائل الإعلام وقنوات الاتصال يمثل أكبر تحدٍ أمام الأسرة المسلمة عند تربية النشء، وعلى الرغم من أن تطور الوسائل في حد ذاته محمدة اجتماعية وشرعية، إلا أن امتلاك غير المسلمين زمامها، هو ما يزيد التحدي ضراوة وشراسة، لأن المسلمين حينئذ سيكون دورهم استهلاكًيا فقط ينحصر في استعمال هذه الوسائل، وتلقي ما يبث من مواد ومعلومات من دون قدرة على التحكم وفي توجيه مسارها الوجهة التي تنفق ودينهم، وللأسف الشديد هذه الوسائل تحل كل ما يدعو إلى البعد عن الدين والتحلل من المعاني والقيم الأخلاقية، والاتجاه إلى تمجيد الذات والاستغراق في إمتاعها بشتى المتع وإغراقها في فنون اللهو بغض النظر عن حل ذلك أو حرمته، وأصبح العبء الأكبر يقع على عاتق الأسرة المسلمة التي يجب عليها أن تحول بين أبنائها والآثار السلبية لتلك الأجهزة، فتربي فيهم ملكة تقبل الجيد النافع والنفور من السيئ الضار”.
ويضيف “وهذا لا يتأتى بالطبع إلا إذا تربى النشء في إطار أخلاقي متين يستمد قيمه ومعانيه من ديننا الحنيف”.
وتقول د. مريم الداغستاني، رئيسة قسم الفقة في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر “دور الأسرة في التربية تضاعف في ظل الظروف الدينية والثقافية المحيطة، وغزو الفضائيات وغرف الدردشة ووسائل المحمول، ولابد من الحرص على التربية الإسلامية لأبنائنا، كي نواجه الواقع المعاصر بكل ما فيه من متغيرات، فكل بيت الآن يكون فيه جهاز تلفزيون، إن لم يكن أكثر البيوت يستقبل القنوات الفضائية، والكمبيوتر المتصل الآن مع كل شبكة الإنترنت العالمية، ودور الأبوين تجاه هذا الجيل أن يتفاعلا بإيجابية مع أبنائهما، وذلك بانتقاء المواد التربوية والثقافية بما يليق وسن الأبناء.
وتضيف “وإذا حدث وفرضت بعض المواد الإعلامية السيئة فعلى الأبوين أن يوجها الأبناء التوجيه السليم، وأن يبيِّنا لهم مدى خروجها على تعاليم الدين وعلى الإطار الأخلاقي والاجتماعي، ولابد من أن ينشأ الأبناء على الأخلاق السامية الكريمة والفطرة النقية المتصلة بالمولى عز وجل، كي نبتعد بهم عن كل ما من شأنه أن يعلمهم الفساد والاختلال والانحراف عن القيم، وإذا كانت هناك مواقع على شبكة الإنترنت، وكذلك مواد إعلامية وعلمية هادفة فيجب أن نتركهم يبحثون عنها ويتعلمون منها”.
اترك تعليقاً