نتناول في هذا المقال الأزمة الليبية والتأثيرات الداخلية والخارجية التي فاقمتها ثم خارطة الحل في ضوء فكر المشروع الحضاري النهضوي الليبي.
لقد وقعت ليبيا حقيقة في فخ مرحلتين انتقاليتين خطيرتين بعد فبراير 2011 الأولى كانت داخلية وهي مرحلة الانتقال من الثورة إلى الدولة والتي سادت وما زالت فيها الفوضى والاضطرابات والاقتتال والجريمة وعدم الاستقرار نتيجة الصراع المدمر والعنيف على السلطة والمال والنفوذ في غياب أي إطار مؤسساتي وقانوني وعدلي ينظم هذا الصراع وكانت نتيجته واقعا متردي تعيشه بلادنا قوامه معيشة صعبة ومعاناة يواجه فيها المواطن ويلات الحروب والدمار وانحصار الأمل في حياة كريمة وشريفة وصاحب كل ذلك انتشار الجريمة والتدخل الأجنبي السافر الذي فاقم الأمور ووسع من جبهات الصراع والاقتتال وأمدها بأحدث وافتك ما وصلت إليه تقنيات الحروب والدمار وسببت مشاكل لا حدود لها لعل أهمها إراقة دماء الليبيين والمساهمة في تفكك الليبيين وتدمير اللحمة والوحدة الوطنية، والمرحلة الانتقالية الأخرى خارجية وهي مرحلة الانتقال من القطبية الفردية والسيطرة الغربية على العالم إلى مرحلة تعدد الأقطاب ودخول دول جديدة وخاصة من قارة آسيا كدول عظمى تنافس على القمة مثل الصين هذه المرحلة قوامها التغييرات الكبرى التي تحدث الآن في العالم ابتداء من الحروب التجارية والأزمات المالية والاقتصادية والزيادة المليونية والنمو الاقتصادي المنخفض والسلبي إلى تغيير موازين القوة والتحول القادم في الاستقبال العالمي حيث يتوقع سنة 2030 أن يصل الاقتصاد الصيني إلى ضعف الاقتصاد الأمريكي وتنمو الهند لتصبح ثاني اقتصاد عالمي وتأتي الولايات المتحدة في الترتيب الثالث وقد يترتب على زيادة المديونية وانخفاض النمو والفروق الكبيرة بين المواطنين في الدخول إلى انهيار كثير من الاقتصاديات الغربية ودخول بعض الدول في مرحلة الإفلاس ونتيجة لهذه المرحلة تعمل كثير من الدول على التوسع وزيادة استثماراتها والبحث عن مواطن قدم في الدول النامية الغنية بمواردها وموقعها الاستراتيجية مثل ليبيا وقد تكون الهيمنة والاحتواء والتدخل أحد الوسائل السريعة لفعل ذلك هذا ما فسر التنافس الواضح على التدخل في ليبيا من قبل كثير من الدول والأزمة في واقعها المعاش هي أزمة انهيار الدولة وفشلها في تحقيق دورها المناط والذي أفضى إلى احتدام الصراع والاحتراب والمغالبة على امتلاك أسباب القوة والسلطة والنفوذ في وطن استبيحت أرضه وتم العبث بمصادر ثروته وأصبح مأوى للمتطرفين وللطامعين ومكانا للصراع المسلح وتصفية الحسبات والتدخل الخارجي السلبي.
هناك مجموعة من الأسباب التاريخية التي أدت إلى تشكل الأزمة واستدامتها وتفاقمها على سبيل المثال تردي منظومة القيم الأخلاقية والأخطاء الجسيمة التي ارتكبها المجلس الانتقالي وعدم تقيده بوظيفته الأساسية وعدم التمكن من نزع السلاح وتنظيم استخدامه في وقت مبكر وكذلك الانتماءات الأيدولوجية ومحاولات القفز على السلطة قبل البناء الدستوري الجديد للبلاد بتكوين أحزاب على أسس خاطئة وغير قانونية، وقيام انتخابات سريعة قبل استتباب الأمن وإنفاذ حكم القانون وتنظيم النظام القضائي، وأيضا استخدام العزل السياسي كأداء للتمكين والسيطرة الصراع بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية المؤقتة وسيطرة القوات غير الشرعية على الجانب الأمني وتدخلها في السياسة والاقتصاد والتأخير المتعمد في بناء الجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية والصراعات بين الميليشيات على أسس جهوية ومصلحية وعقائدية واستقطاب بعض الليبيين بين أطراف الصراع المختلفة وتمويل الصراع من الداخل من خزينة المجتمع ومن الخارج من الإعانات الخارجية والتدخل الخارجي الفج والانحياز لأطراف الصراع والإعلام السلبي والفتن المستمرة من قبل المستفيدين من الصراع وفشل التسوية السياسية التي أشرفت عليها الأمم المتحدة من خلال اتفاق الصخيرات وغيره، الفشل الذريع لكل المراحل الانتقالية التي مرت بها البلاد، فشل القيادات السياسية والحكومات في أي حل من شأنه حل الأزمة وبناء الدولة بسبب عدم الخبرة والدراية والدوران في أفلاك أخرى غير الوطن.
انتشار الفساد وعدم الشفافية وقلة المصداقية وانعدام الروح الوطنية واعتقاد البعض أن حل عسكري مما زاد من تفاقم الصراع والأزمة وفشل المصالحة الوطنية وعدم وجود مصالحة سياسية.
الحقيقة أن جزء كبير من أسباب تفاقم الأزمة كان بسبب التدخل الخارجي السلبي والذي حولها من أزمة محلية إلى أزمة إقليمية ودولية ولم يعد باستطاعة الليبيين حلها فالدول الكبرى على سبيل المثال كانت تعمل على تحريك خيوط الأزمة وتحاول توجيهها لمصالحها في التحكم والسيطرة وانحازت بعضها لأطراف الصراع وأمدتها بآخر ما توصلت إليه التقنية من معدات الحروب وسببت في تفاقم الأزمة أما بعض الدول العربية فقد انقسمت إلى قسمين قسم لم يتدخل في الأزمة الليبية وللأسف الذين تدخلوا فيها انحازوا أيضا لأطراف الصراع وعملوا على تمويلها مما زاد من حدة الأزمة أما الأمم المتحدة فإن حقيقة مهمتها في ليبيا غير كافية لحل الأزمة فهي مهمتها مهمة دعم وليس مهمة لحل الأزمة الليبية وهي تعمل فقط مثل الحكم على إدارة الأزمة بدل من عمل على حلها وحقيقة ظروف ليبيا تحتاج إلى تدخل أكبر وكان الأولى بالأمم المتحدة من بداية الأزمة أن تعمل ما عملته في بعض الدول ما بعد النزاع وهي خطة تتكون من ثلاث مراحل الأولى نزع السلاح وتنظيم استخدامه من القوات غير الشرعية والثانية تسريح جميع القوات غير الشرعية والثالثة دمجها في المجتمع وبذلك تعمل على احتكار الدولة للقوة والسلاح ولكنها للأسف لم تفعل ذلك ولذلك استمرت الأزمة وبقت كما هي.
أما اتفاق الصخيرات وهو الأساس الذي وضعته الأمم المتحدة لحل الإشكالية في ليبيا فإنه للأسف لم يصمم لحل الأزمة الليبية أيضا فقد صمم للتهدئة وتجميد الأزمة الليبية حتى تتفق الدول الكبرى على خارطة الحل التي تحقق مصالحها ولذلك تم اختيار المناسبين لهذا التصميم والهيكل المناسب الذي يجمد العمل فكان الرئاسي والبرلمان ومجلس الدولة تقوده جهات متنازعة بعضها مع بعض ولم تتفق حتى هذه اللحظة على قرار واحد بل أن أحد نتائجها السيئة كانت هي حرب طرابلس.
نظرة المشروع النهضوي للأزمة الليبية وسبل حلها يعتمد فكر المشروع النهضوي على فكر الأنظمة وهنا نسميه بـ”السيستم ثينكينغ” والذي يعني أن النظام لا يساوي فقط مجموع عناصره ولكن أيضا والأهم هو التفاعل بين هذه العناصر وتأثير بعضها على بعض فالمشكلة الليبية على سبيل المثال موجودة على شكل منظومة من المشاكل الأساسية والمتفاعلة بعضها مع بعض لتزيد من تعقيد وحدة الأزمة فالمشكلة الليبية مثل العقدة الطارشة في المثال الليبي المكونة من مجموعة عقد علينا تحديدها تحديد دقيق وحلها جميعا حتى تنتهي المشكلة.
في تحليلاتنا السابقة وجدنا مجموعة كبيرة من المشاكل اللي شكلت الأزمة وكونتها ثم فاقمتها ولكن جزء كبير منها هي مشاكل غير أساسية لكننا لو أردنا أن نجمع هذه المشاكل كلها في مجموعة من المشاكل الأساسية فقد تمكننا من تجميعها في ست مشاكل أساسية وهي أغلب المشاكل والأزمات التي مرت بها ليبيا ولازالت عالقة بها حتى الآن ويمكن تجميعها في ست مشاكل أساسية وبمعالجتها وحلحلتها جميعا يمكن الخروج من الأزمة ثم البناء عليها بتنفيذ المشروع النهضوي وتحقيق النهضة.
أهم هذه الأزمات أو المشاكل الأساسية الستة هي:
أولاً: الانقسام والتجزئة والجهوية
ثانياً: فشل الدولة والهيمنة الأجنبية
ثالثاً: التخلف الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والعلمي والبيئي والصحي
رابعاً: غياب العدالة الاجتماعية
خامساً: الاستبداد والتحكم
سادساً: الانغلاق عن الحضارة الإنسانية من ناحية ومحاولات التغريب والاحتواء وطمس الهوية من ناحية أخرى.
هذه أهم المشاكل التي وقعت فيها ليبيا والتي بحلها جميعا مع بعض يمكن الخروج من الأزمة لكن للأسف الشديد من الناحية العملية هناك قوة تكونت الآن في هذه المدة الطويلة من صالحها استمرار الأزمة وعدم حلها ولذلك ما دامت هذه القوة موجودة وإنها ستخسر في الحل فإنها ستقاوم الحل.
ولذلك فإن حل الأزمة تعيقه مجمعوعة من العقبات تتوقف على أربع عوامل حاسمة:
أولاً: الخاسرون والرابحون من حل الأزمة
ثانياً: الثقل السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي للخاسرين والرابحين من حل الأزمة
ثالثاً: الوضعية الحالية لمؤسسات الدولة والجيش والميليشيات والفاعلون فيها هل هم مع حل الأزمة أو مع استمرارها أين تقع مصالحهم أو مع استمرارها أين تقع مصالحهم
النقطة الأخيرة: وهي من أهم النقاط هو التدخل الخارجي هل مصالحه الآن حل الأزمة أو عدم حله.
ولذلك فإن حل الأزمة هي معادلة حقيقة من متغيرين رئيسيين الرابحون من حل الأزمة والخاسرون من حله الرابحون معروف هم أغلبية الشعب الذين يعانون الآن من الأزمة أما الخاسرون من الحل فهم أقلية مستفيدة من الأزمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، العالم الخارجي هذا الآن يصب في الرابحين والخاسرين حسب ظروف كل دولة وتأييدها للحل أو إعاقتها له.
ولذلك يمكن القول بمنطق القوة إن إذا زادت قوة الرابحين من حل الأزمة على قوة الخاسرين فإن الأزمة في طريقها للحل، أما العكس إذا كانت قوة الخاسرين من حل الأزمة هي الأكبر من قوة الرابحين فإن الأزمة ستستمر.
المرحلة الأولى وهي مرحلة مؤقتة هي مرحلة حكومة ثالثة تشرف إشرافا كاملا على إقامة الانتخابات في ليبيا بكل عملياتها ويتم اختيارها من قبل مؤتمر يتكون من طيف واسع من أطياف المجتمع السياسي والمجتمعية والسياسية والتشريعات الانتخابية وعرضها على المؤتمر لإقرارها وتنظيم العملية الانتخابية برمتها.
أيضا نزع السلاح وتنظيم استخدامه وتسريح القوات غير الشرعية ودمجها في المجتمع تحت اشراف الأمم المتحدة والبدء أيضا في إيجاد الحلول للمشاكل الأساسية التي تكلمنا عليها سابقا والمسببة للأزمة، ثم من الأهم أن توجه هذه القوانين والتشريعات التي تصمم لضمان وصول حكومة شرعية تمتلك مشروع حتى تصف بمعايير الجدارة والقدرة على العمل.
المرحلة الثانية وهي انتهاء الانتخابات ووصول حكومة قادرة حكومة شرعية قادرة لها مشروع تستطيع أن تقوم به في ليبيا واعتقد أن من أهم أعمالها هذه الحكومة الديمقراطية هي أن تحل كل المشاكل الأساسية التي سبق أن تكلمنا عليها، ثم تبني على هذه المشاكل لتحقيق النهضة والتقدم في البلاد، وسنتعرض لهذه المرحلة في محاضرة لوحدها بشكل مركز حتى نعطيها حقها في التوضيح وفي الشرح.
والجدير بالتوضيح والذكر هو هنا يجب أن نوظف استراتيجية للاتجاه للحل حيث تجعل كل أو أغلب أطراف الصراع والليبيين والدول الخارجية أن تكون جميعا مستفيدة من حل الأزمة لأن في استفادتها من حل الأزمة فإنها ستؤيده ولذلك الحل يحتاج إلى تأييد كبير حقيقة وتغيير في مواقف الدول خاصة الدول الكبرى من أجل الاستعجال بحل المشكلة الليبية والأزمة الليبية وكذلك تغيير في عمل الأمم المتحدة بالدفع في اتجاه الحل، وليس مجرد إدارة الأزمة بالشكل التي هي تعمل فيه الآن فيحتاج إلى تركيز من هذه الدول ولعل الآن الوقت مناسب لأن الليبيين أخذوا عدد سنوات كبير في رعاية الأمم المتحدة والدول الغربية وإذا الليبيين حقيقة استنفذوا كل ما لديهم من صبر فإنهم سيتجهون إلى الشرق لمحاولة حل الإشكالية الليبية بدل من الغرب.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً