تعصف بالجنوب الليبي الكثير من الأزمات المفتعلة والتي يتم التستر عليها داخليا بدعوى المحافظة على اللحمة الوطنية والنسيج الإجتماعي أو نشرها بتخريجات مختلفة تربك المراقب للأحداث في الكثير من الأحيان.
جنوب الكثير من الدول كثير الموارد، وقليل السكان، تغلب عليه حياة الدعة والسكون لسنوات طوال يعاني من مشاكل تنموية وتهميش يتحول بعضها إلى صراعات مسلحة في ليبيا كما في الكثير من الدول الأخرى منها؛ جنوب السودان وحلائب مصر وصراع جنوب لبنان وتهميش جنوب إيطاليا والجنوب التونسي، ومشاكل الهقار في الجزائر والساقية في المغرب، وحروب جنوب اليمن، بل وحتى حروب بي كي كي في جنوب تركيا وحروب أبوسياف في جنوب الفلبيين، فهل هناك من تفسير لذلك؟.
الجنوب الليبي الذي يجب ان يكون سلة غذاء للمجتمع الليبي ومصدر الطاقة والمياه، ومصدر رزق لا ينضب لسكانه، تم إستغلاله على مر العصور من جناحي الشمال، بمقابل من المنطقة الغربية وبلا مقابل من الشرق الليبي، وذلك من خلال التدخل في فسيفساء مجتمع الجنوب المحتوي على قبائل كثيرة أصيلة مستقرة (الأهالي) وأخرى راحلة وافدة لها إمتدادات في الدول المجاورة، ويلاحظ أنه لا يوجد إندماج بين هذه القبائل مما أوجد قرى وأحياء لها خصوصياتها الثقافية واللغوية وعاداتها وتقاليدها الخاصة. ولقد عمل النظام السابق على خلق ولاءات قبلية جديدة مسيطرة ومهيمنة على المشهد في الجنوب مما أسكت الجميع ومنع حدوث إحتكاك فيما بينها لأربعة عقود خلت، بل أن منها من دفع بأبنائه للقتال في الجبهات دفاعا عن المكتسبات التي تحصل عليها، ولا يزل يحن إلى تلك الحقبة أملا في الرجوع إليها.
بعد ثورة السابع عشر من فبراير تغير الموقف كثيراً بزوال القبضة الحديدية، وأصبح الصراع على الموارد الشحيحة أمراً واقعاً من أناس لم تقوم الدولة بإدماجهم في برامج تنموية، فكان الصراع بين أفراد القبائل على تكوين المجموعات المسلحة للتحكم في المنافذ الحدودية الجنوبية والحقول النفطية ومصادر المياه، وفي ذلك تحكم في تهريب الوقود والبضائع المدعومة والسلاح وحتى الذهب المستخرج من مناجم بدائية في الجنوب، مقابل إدخال الحيوانات الحية والهجرة غير الشرعية وتهريب المجموعات المسلحة إلى المتصارعين بالداخل والسطو على المصارف وسيارات النقل بين المدن.
خلال الستة سنوات الماضية كان الجنوب على صفيح ساخن، في حروب ومناوشات وتهجير لا ينتهي بين التبو والزوية، وبين الطوارق والتبو، وبين أولا سليمان والقدادفة وبين التبو وأولاد سليمان أي الكل ضد الكل، ونعني بذلك الخارجين عن القانون من شتى القبائل. إذا إستثنينا الحركات المدعومة من الخارج مثل الزغاوة التابعين لحركة العدل والمساواة بقيادة مني أركو مناوي والممولين من إدريس دبي وخليفة حفتر، نجد أن معظم القلاقل الداخلية لا تخلوا من أن تكون جرائم جنائية على الموارد، ولا علاقة لها بالمكونات الإجتماعية للجنوب، ولكن بسبب الإنفصال الجغرافي بين المكونات فالفعل ينسب الأهل وليس للمجرم.
في فبراير 2014 أصدرت رئاسة الأركان التابعة للمؤتمر الوطني أمراً بتحرك القوة الثالثة إلى سبها من أجل تأمين الجنوب، وقد باشرت عملها ببيان يحدد أعمالها، إلا أن الفوضى الأمنية لم تتوقف، ففي وجود القوة الثالثة كانت الحرب الطاحنة بين الطوارق والتبو في مرزق وتهجير أهلها الذي إنتهى بإتفاق قطر، وفي وجود القوة الثالثة كان حرب أولا سليمان والقدافة في سبها، وكان الإستلاء على حقل الفيل وإيقاف تصدير النفط منه، ناهيك عن عمليات الحرابة وقطع الطريق إلى الشمال والإعتداء على البوابات، وقطع كوابل الكهرباء وهدم أبراجها، وأخيرا حرب بن نايل في الجفرة وتمنهنت بدعم من حفتر للإستلاء على الجنوب من أجل تحسين صورة الكرامة أمام المجتمع الدولي، وآخر محاولات وقف إطلاق النار كان إتفاق روما بين أولاد سليمان والتبو.
من الواضح أن القوة الثالثة قد مارست خلال تواجدها في الجنوب الليبي دورا سياسيا فاشيلاً بديلاً عن دورها العسكري المنوط لها، فقياديو القوة الثالثة كان تعويلهم على حسن الصداقة والتعاون والتماهي مع الجميع مما حد من دورهم في إحلال السلم والأمن ولجم الخارجين عن القانون والعابثين بمقدرات الدولة، فالتهريب لم يتوقف والتنافس عليه يخلق أزمات مستمرة، والإنفلات الأمني لم يُردع، والقوة الثالثة أصبحت قابعة في أماكن محدودة مثل قاعدة تامنهنت، ومطار سبها وحقل الشرارة وبوابة قويرة المال، أما الطريق من الشويرف إلى سبها ثم جنوبا إلى مرزق وغات فليس هناك من يؤمنه، بل حتى حقل الشرارة لم تستطيع القوة الثالثة تأمينه إلا بمساعدة مجموعات من التبو، وأن الطريق من الحقل إلى الغريفة وأباري يوجد به الكثير من الخروقات، وجميع لوزم الحقل من تموين وتجهيزات وسيارات تنقل حقل الشرارة جواً، يرجع ذلك إلى عوز القوة الثالثة لإدارة تتمع بالقيادة والسيطرة البالغة الأهمية عند الحديث عن تأمين المدن والقرى والطرق المؤدية إليها، والتوقف عن إدارة الصراع سياسيا.
الجنوب يحتاج إلى أمن وأمان، إلى تعليم وصحة إلى برامج تنموية، إلى دورات تأهيلية وليس إلى حرب ودمار وفوضى عارمة، وذلك لن يتأتى بأماني نواب الجنوب ولا بأصحاب العمائم واللحى الذين يتماهون مع رجالات وضباط النظام السابق، بن نايل مثلا كرجل عسكري (يؤمر فيطيع) تابع لقيادة حفتر لن يتوقف عن حربه في الجنوب حتى يُخرج القوة الثالثة وجميع القوة المؤيدة للثورة في الجنوب، حتى يظهر أن الكرامة مسيطرة على ثمانين في المئة من مساحة ليبيا لتسعمل كورقة ضغط سياسية، وأن لجان المصالحة من حكومة الوفاق لا فائدة ترجى منها لأنها جزء من الصراع السياسي. فإذا تم الاستلاء على الجنوب من الكرامة، يكون إعادة مسلسل سرت مثلا للعيان، حيث سيتوقف شريان الحياة من الشمال الغربي ويبداء تهجير المواطنين إلى الشمال والتسابق المحموم على تهريب الموارد في الجنوب كما يحدث في مساعد حاليا.
بعد ثلاثة سنوات من الظهور الإعلامي آن الأوان للقوة الثالثة مغادرة الجنوب وإستبدالها بقوات البنيان المرصوص المكونة من 23 مدينة، بقيادتها العسكرية التي أثبتت أمام العالم جدارتها في محاربة التطرف والإرهاب والجريمة المنظمة، وبذلك يمكن التخلص من العصابات الإجرامية، ودمج المجموعات القبلية المسلحة في البنيان المرصوص من أجل إستثباب الأمن، ومن أجل توسيع قاعدة البنيان المرصوص لتكوين سرايا وكتائب من جميع ربوع ليبيا كنواة للجيش الليبي وقطع الطريق أمام تطلعات حفتر المريبة ووقف القصف المستمر للمطارات والأحياء السكنية، وخروج القوات الموالية له إلى غير رجعة، إضافة إلى إيقاف التدخل التشادي الداعم للمجموعات المارقة والحالم بضم جنوب ليبيا إلى مملكة الزغاوة المنشودة، وبذلك تعود الحياة للجنوب.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
عنوان المقال من المفترض ان يكون زيف الصراع في الجنوب الليبي،
لم يحدث نزاع بين الطوارق والتبو في مرزق وانما حدثت في مدينة اوباري
القوة الثالثة لم يمارس دورا في حل ازمات الجنوب وانما قامت باسثثمار ازمات الجنوب لمصالح الشخصية او الجهوية، وقامت باتجيج الحروب في الجنوب.
القوة الثالثة هم اكبر تجار الذهب وهم من يقومون بتهريب من الشمال الى الجنوب ومن تم اهالي جنوب يصدرونها الى الخارج.
المصالحة لن يحدث بوسيط من الشمال،