في تلك الليلة الشتوية في فبراير عام 2015 انهال جلاوزة الإجرام وسدنة التعذيب في جهاز الأمن الداخلي سيئ الصيت في سجن الكويفية كموسى فرعون وإدريس السعيطي على حسام ضربا وتعذيبا حتى فقد الوعي ودخل في غيبوبة نقل بعدها إلى المستشفى ليودع بسرعة في غرفة العناية ولم يفق من غيبوبته إلا بعد يومين.
لم يكن حسام سوى فنان، نعم فنان يجيد الرسم و يؤدي أغاني الراب، لا علاقة له بالسلاح أو المجموعات المسلحة، ولم يمارس العنف في حياته لأنه – ببساطة – لا يجيد سوى الرسم والغناء، اعتقله جلاوزة القهر من جلادي الأمن الداخلي إبان الفوضى في بنغازي في أواخر عام 2014، واتهموه ظلما وزورا وبهتانا بأنه داعشي انضم إلى أنصار الشريعة ليغني أناشيدهم، وحتى يشرعن الجلادون اتهاماتهم في تلك الفترة لفقوا تهما أخرى لحسام بأنه نفذ أكثر من عشر عمليات اغتيال في بنغازي عام 2013، وزرع عبوات ناسفة أسفل سيارات انفجرت لاحقا ومات أصحابها على طرقات بنغازي، كانت تهما لا مكان لها إلا في خيالات وأوهام أولئك الجلادين.
خلال وجوده في الزنزانة مع رفاقه السجناء كان حسام يقضي شيئا من وقته في الرسم على الجدران، كان يرسم ما يجمح إليه خياله، ذات يوم دخل الجلاد موسى فرعون إلى زنزانة حسام الذي قال للجلاد: شنو إفراج؟ وجهك بشوش اليوم، فرد موسى فرعون بقذارته المعهودة: اسكت يا فاسد، أنت وجهك وجه إفراج؟ تعال عندك زيارة.
خرج حسام فوجد الزائر والدته، فعانقها وغرقا في حالة من البكاء، وفي هذه اللحظة وجه الجلاد موسى فرعون إهانة للأم، فلم يحتمل حسام الإهانة فقال للجلاد: احترم نفسك، فهدده موسى فرعون قائلا: كان ما اتسكر فمك يا داعشي انحولك لقرنادة.
كان قرب حسام ثلاثة من الحرس من مجرمي جهاز الأمن الداخلي فأشار إليهم موسى فرعون أن يأخذوا حسام ويعيدوه إلى زنزاته، كان حسام موجوعا من الإهانة التي لحقت والدته،وكان يؤنب نفسه بأنه السبب.
وبعد ساعات وعند قرابة منتصف الليل فتح الجلادون ومن بينهم موسى فرعون وإدريس السعيطي باب الزنزانة واتجهوا إلى حسام مباشرة وأخرجوه إلى الممر وانهالوا عليه ضربا وركلا وتعذيبا،لأنه تجاوز حده – كما قالوا له – كانوا يضربونه بِغِلٍّ لا يمكن وصفه، وكأنه قتل قريبا أو حبيبا لهم، وهكذا يفعلون مع كل سجين يعذبونه، كان الضرب والتعذيب يتجاوز حدود العقل و يخرق كافة المعايير والقوانين الدولية، كانوا يعذبون ببشاعة منقطعة النظير، يضربون كل مكان في جسد المعتقل حتى يفقد وعيه.
داخل الزنزانة أصيب رفاق حسام بالرعب خوفا من عقاب جماعي قد يطالهم، خصوصا وأن البرد قارص ولا يحتمل صقيعه، لكنهم أشفقوا على رفيقهم من كثرة الضرب، فحاولوا أن يشتتوا انتباه الحرس فبادر أحدهم – بشجاعة – إلى الضرب بكلتا يديه بشدة على باب الزنزانة من الداخل في حالة أشبه ما تكون بالمواجهة مع الموت، وهنا صرخ الجلاد أحميدة الدرسي: من اللي خبّط عل الباب؟ ، فقال أحد السجناء بكل نخوة وهو سند: أنا، كانت محاولة منه لإلهاء الجلادين لتخفيف الضرب على رفيقه حسام، فصرخ الجلاد موسى فرعون: طلعوه لي هل الداعشي الفاسد حنقتله هو الآخر، وبعد إخراج سند من الزنزانة نقل إلى غرفة التعذيب وهناك انهال عليه الجلادون ضربا وتعذيبا بالعصي و”جعب البي بي آر”و”أخامص” مسدساتهم، كانوا يصرخون خلال التعذيب متهمين إياه بأنه يحاول التمرد وتأليب الأوضاع داخل السجن.
في صباح اليوم التالي دخل آمر التحقيق إدريس السعيطي إلى الزنزانة، كان سند ملقى على أرض الزنزانة منهكا من الضرب والتعذيب، أما حسام فنقل في الصباح إلى غرفة العناية في إحدى مستشفيات بنغازي، فالجلادون كانوا طوال الليلة يضربونه على رأسه حتى دخل في غيبوبة لم يفق منها إلا بعد يومين في المستشفى.
جاء إدريس السعيطي إلى الزنزانة محاولا تبرير حفلة التعذيب التي عاشها سند وحسام، فاستجمع سند قوته وقال له: نبي طبيب شرعي يشوفني ويديرلي تقرير، أنا مش متمرد ،جماعتك كذابين، فكشر السعيطي عن أنيابه وصرخ قائلا: من عطاك الحق تطلب تقرير شرعي، نحن ما عندناش الكلام الفارغ هظا.
لاحقا خرج حسام من المستشفى وأعيد إلى السجن وفُصِل مع سند عن رفاقهما، ووضعا في زنزانة لوحدهما، وبعد أشهر أفرج عنهما وخرجا من سجن الكويفية سيئ الصيت وآثار التعذيب والضرب والقهر مازالت بادية حتى الآن على جسديهما، لكن عشرات المعتقلين و”المظاليم” والمغيبين قسريا مازالوا قابعين في زنازين ذاك السجن يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب، وسط غياب تام لأي رقابة حكومية أو من منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً