تعتبر حرية الراي والتعبير أحد الحقوق الأساسية التي لا يكاد أي دستور مكتوب يخلو من النص عليها صراحة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذا الحق يعتبر نواة وأساس لجميع الحقوق الفكرية، ودونه لا يمكن الحديث عن قيام هذه الحقوق، ويسعى الانسان بفطرته وطبعه الإجتماعي إلى تكوين نسق قيمي يلتزم به، ويمثل له إطاراً مرجعياً يحتكم إليه في كافة مواقفه وتصرفاته، بهدف تحقيق حالة من التوافق، والتكامل الاجتماعي، ويتلقى الإنسان القيم عبر مراحل حياته الاجتماعية المتعاقبة من خلال المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والمحاضن التربوية والثقافية، ومن أبرزها تأثيرا حديثا منصات الإعلام الجديد، فقد أثبتت العديد من الدراسات العلمية التأثير المتزايد لوسائل الإعلام في توجيه منظومة الحياة داخل المجتمع، بحيث يمكن استخدامها في عملية التطور والبناء وخدمة أفراد المجتمع؛ كون الإعلام وأدواته المختلفة السلطة المؤثرة في المجتمع، وكما يعتبر الدفاع إعلاميًّا عن قضية أو مبدأ أو رأي مسؤولية وطنية، كذلك يعتبر تصحيح صورة ما أمام الرأي العام المحلي والعالمي مسؤولية أيضًا، وتناول قضايا المجتمع المختلفة يجب أن تكون أداة فاعلة لممارسة الدبلوماسية والديمقراطية الشعبية والاتصال بالمؤسسات التي تضع السياسة أو تؤثر في عملية اتخاذ القرار، وتوجيه الرأي العام، ونقل المعلومات، وتظل ممارسة ودعم حرية الرأي والتعبير الحلم المنشود إذا ما تحقق بصورة متكاملة، فإن ذلك يعكس بالضرورة طبيعة الحالة الحضارية داخل المجتمع.
تعد حرية الرأي والتعبير قضية محورية وجوهرية في حياة المجتمعات، وهذه القضية شغلت اهتمام الباحثين والمتخصصين في شتى المجالات، وبرزت وسائل الإعلام وخاصة الإعلام الجديد أحد أهم قنوات التواصل حديثا التي تسعى باستمرار إلى توسيع مساحات حرية الرأي والتعبير، وترتكز على المناقشات والمحاورات وتبادل الأفكار والقضايا المختلفة، وليس على فرض وجهة النظر الواحدة أو الرأي الواحد، لأن الهدف الأسمى للإعلام الجديد هو إحراز تقدم للإنسان وتمكينه من تحقيق حرياته وتحقيق العدالة، كما أن حرية الإعلام هي الأسلوب الأمثل لتحقيق حرية الإنسان وتوفير حياة كريمة وطيبة له، ومن الأمور التي يجب الإشارة إليها هنا هي الارتباط الوثيق بين الظاهرة الإعلامية والرأي العام، فوسائل الإعلام المختلفة، من صحف وإذاعة وتلفزيون وإعلام جديد، لها تأثير كبير في جمهور المواطنين وتوجيههم الواجهة التي تريدها. فضلًا عن ذلك، فإنها وثيقة الصلة ببناء المجتمع ككل، وتتأثر تأثيرًا مباشرًا بالأوضاع الثقافية والإجتماعية والتنظيمات السياسية والبنى الفكرية السائدة في المجتمع. وهذه العوامل تتدخل ليس في رسم السياسة الإعلامية، بل وفي تحديد الأهداف واختيار المادة الإعلامية.
تعد حرية الرأي والتعبير مسألة تتعلق بكيان الإنسان ذاته وبوجوده، فلكل إنسان رأي معين، بصرف النظر عن مدى أهمية ذلك الرأي، في قضية أو أكثر من القضايا التي تحيط به، وهذا الرأي يظل محدود القيمة أو الأثر ما لم يتاح لصاحبه الفرصة لترجمته بأية وسيلة من وسائل التعبير، وعليه فإن حرية الرأي والتعبير الجامع الأمثل للعديد من الحقوق والحريات العامة، وفي كل ما يرتبط بهذه الحريات أو ما تشتمل عليه من حقوق أساسية عامة، كالحق في المعرفة وتلقي المعلومات، كما تأتي حرية الرأي والتعبير عنه استجابة طبيعية لحق الإنسان في التنفيس عما يجول في داخله من مشاعر وآراء وقيم وقناعات يؤمن بها، ودون ضمان حرية التعبير عن تلك المشاعر يتقلص الدور الفاعل بالمشاركة الإيجابية في بناء المجتمع وتطويره على مختلف الأصعدة. ومن الصعوبة بمكان تكوين رأي عام فعال من دون الاعتراف صراحة بحرية الرأي والتعبير عنه، وضمان ممارسته الفعلية.
وختاما، تعتبر حرية الرأي والتعبير أحد أهم الحقوق الفكرية، بل تعد العمود الفقري لبقية الحقوق الأساسية، فإذا كانت حرية الرأي والتعبير كحرية من الحريات الأساسية التي تشكل حجر الزاوية لبقية الحقوق والحريات التي تهدف لتحقيق تكامل شخصية الأفراد وتطويرها، ودون ضمان هذه الحرية والتمتع بها لا يمكن الحديث عن الحريات الفردية بشكل عام، والحريات الفكرية منها بشكل خاص، وهذه الأخيرة لا بد لها من وسائلها الخاصة ومظاهرها المميزة لها، وممارسة هذه الحرية وما ينبثق عنها من حقوق مشتقة ولازمة لها يتم من خلال ضمان حرية الرأي والتعبير في وسائل الإعلام المختلفة، وأن تعمل في إطار مجتمع له مناعته الفكرية والقانونية، لتنتج لنا في نهاية المطاف مجموعة قيم ومفاهيم، تشكل جوهر الشورى والفكرة الديمقراطية ومحورها.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً