وباء كوفيد 19 أوجد أزمة صحية واقتصادية للكثير من دول العالم المتقدم، وهذه الأزمة في تلك الدول سببها أن الاقتصاد هو الذي يحرك سياسات الدول، مع غض النظر عن الكثير من البرامج الصحية والاجتماعية، وهو ما لم يكن في الدول الريعية مثل ليبيا حيث الجانب الاجتماعي مع سؤ إدارة يستنزف جل ميزانية الدولة، فلا خسارة اقتصادية مباشرة من استمرار الوباء إلا في نواحي معينة مثل التعليم، والقطاع الخاص المحدود ضمنا.
إسوة بالدول المتقدمة توقفت الحياة الاستهلاكية في ليبيا جزئيا، وكان الجميع ينتظر أن تسجل ليبيا حالات فيروس كوفيد-19 موجبة، حتى لا نكون خارج منظومة الدول المتطورة، ولكن هل إيقاف التعليم ثم حضر التجول الجزئي ثم الكلي قد روعي فيه الخصوصية الجغرافية والبيئية والسكانية للدولة الليبية عامة بمناطقها الجغرافية الواسعة؟ فمثلا حظر الدراسة والتجول في طرابلس ذات الثلاثة ملايين بأسواق مكتظة وتجمعات اجتماعية وطوابير المصارف، هل تقارن بخمسمائة قرية ومدينة بليبيا يتوزع سكانها على آلاف الكيلومترات المربعة في صحراء جرداء وعند درجات حرارة عالية ورطوبة منخفضة؟.
لاشك أن ليبيا تمثل قارة مقارنة بالدول الأوروبية، فالمناخ المتوسطي عالى الرطوبة ومتوسط الحرارة لا يوجد إلا في منطقة الساحل وفي المنطقتين الشرقية والغربية؛ أي طرابلس وبنغازي بالتحديد، أما مناطق الجبل والجنوب فإن الحرارة عالية والرطوبة النسبية لا تتجاوز 20% بما لا يسمح لأي فيروس بالانتشار أو الحياة لبضع دقائق خارج جسم الإنسان، وسوف لن نرى أي حالات موجبة في الجنوب، أم أن قرار الرئاسي رقم 277 لسنة 2020 مصمم لطرابلس ولا علاقة لغيرها به.
في دراسة حديثة بتاريخ 6 أبريل 2020 تحت عنوان تأثير الحرارة ودرجة الرطوبة على انتشار فيروس كوفيد 19 قام به مجموعة باحثين من جامعة ميريلاند تحث رقم (SSRN-id3550308) توصل الفريق إلى المحددات الأتية:
- أن انتشار الفيروس محدد جغرافيا بين خطي عرض 30–50 درجة شمالاً وهي منطقة متشابهة من حيث درجات الحرارة في نطاق 5 إلى 11 درجة مئوية في الأشهر من ديسمبر إلى يناير، ومن هذه الدول كوريا الجنوبية واليابان وإيران وشمال إيطاليا وشمال غرب أمريكا، ثم في يناير وفبراير إسبانيا وفرنسا وشمال شرق أمريكا، علماً بأن نصف وفيات إيطاليا (11 ألف) كان من مقاطعة لومبارديا في شمال إيطاليا، ومعظم حالات ألمانيا من بافاريا في الجنوب، أي المنطقة المحددة في النطاق الجغرافي.
- أن هذه الدول لها رطوبة نسبية عالية بين 44 -84% .
- ينتشر المرض خارج هذا النطاق عندما تكون الحرارة في مدي 5-11 دم بفعل الارتفاع عن الأرض مثل مرتفعات غرب أمريكا اللاتينية.
وبذلك فإن انتشار الوباء خارج هذا النطاق ضئيل، أي شمال أوروبا مثل روسيا وبولندا والدول الإسكندنافية وجنوبا عند خط الاستواء وفي شرق آسيا وأفريقيا.
مقارنة هذه النتائج بالوضع في ليبيا نجد أن مجمل الشروط السابقة لا تنطبق على ليبيا، وأنها جزئيا تنطبق على الشريط الساحلي الشمالي في شهر يناير وفبراير، ومن هذه المدن طرابلس ومصراته وزليتن وبنغازي، الواقعة فوق خط 30 درجة شمالاً، ومعظم مدن ليبيا لها درجات حرارة تتجاوز 25 دم بعد شهر مارس وأن الرطوبة النسبية أقل من 30%، وهو ما يؤكد أن احتمال انتشار الوباء ضئيلة.
ولقد استفادت الكثير من الدول من هكذا دراسات منها أن بعض الدول لم تضع حجر صحي مثل بيلاروسيا، وحجر قليل في شمال أوروبا: دنمارك النرويج السويد وفنلندا، وكذلك جنوب الصحراء: نيجيريا وكينيا والكاميرون وهذه جميعها لها وفيات أقل من مئة حالة.
خلاصة القول أن قرار الحظر الذي لم يتم تنفيذه كما أراد المُشرع، والذي بُني على مخاوف أننا ليس لدينا وسائل علاجية إن حدث وانتشر المرض، ولذا وُضعت قرارات مسبقة تمنع تفشي المرض لدولة تعيش سنوات الحرب وليس لها مخاوف اقتصادية تؤثر على مجريات الحياة.
القطاع الأكثر تأثراً بالحرب ثم الوباء هو قطاع التعليم، في غياب بدائل تعليمية للطرق التقليدية ضاعت سنة كاملة على أكثر من مليون ونصف طالب وطالبة بمخلف المراحل الدراسية، ولم تستفيد وزارة التعليم بما فيها من نصف مليون موظف من التقنيات المتوفرة.
الفجوة الرقمية في مجال التعليم بين الدول المتقدمة وبعضها واضح، وبينها وبين الدول السائرة في طريق النمو أكثر وضوحاً، هذه الفجوة جعلت بعض الدول تنساب إلى التعليم عن بعد بطريقة طبيعية لا غبار عليها خلال هذه الجائحة، في حين أن الكثير من الدول ومنها ليبيا تعطلت الدراسة ولا سبيل لاستمرارها.
خلال الجائحة الحالية ظهرت إستونيا وبعض الدول الإسكندنافية في المقدمة من حيث استعمال التعليم عن بُعد واستمرار الدراسة بصورة عادية عبر مجموعة من المنظومات التعليمية والقنوات الموجهة لمختلف المراحل التعليمية، بل إن إستونيا عرضت منظوماتها للاستعمال لشتى الدول بالمجان خلال أشهر الجائحة الحالية، وأبدت استعدادها لتقديم الخبرة الفنية للعديد من الدول، ومن هذه المنظومات: (eKool.eu)، (Beet root Academy)، (Dugga) وغيرها التي تضمن عرض المادة الدراسية ومتابعة تحصيل الطالب وتقديم المساعدة عن بُعد، علما بأن معظم الأساتذه الليبيين في التعليم الجامعي لهم مادة جاهزة للعرض، ويمكن بهكذا منظومات تدريس ألاف الطلبة بعدد قليل من الأساتذة.
هذا الأمر يفتح مشكلة أخرى وهي قضية اللغة، فهذه المنظومات جميعها تشتغل باللغة الإنجليزية وبعض اللغات الأوروبية، وهو ما يتطلب تعريب المنظومات أو الأفضل من ذلك التحول في تدريس العلوم والرياضيات من الصف الثالث ابتدائي إلى اللغة الإنجليزية وترك اللغة العربية لمادة اللغة العربية والدين والمواد الأدبية، وهو ما حدث في بعض الدول مثل ماليزيا التي تحولت للإنجليزية منذ عقود وأصبحت من أفضل دول شرق أسيا في التعليم، كما قامت روندا بالانتقال من الفرنسية إلى الإنجليزية وأصبحت لها أكبر معدلات نمو في إفريقيا، والموضوع يثار للنقاش في المغرب منذ اشهر، فالإنجليزية تستحوذ على أكثر من 70% من مخزون المعلومات في حين أن الفرنسية لا تزيد عن 3% والعربية 0.4% وهو فرق كبير، ولكن مثل هكذا قرارات ربما لم يحن بعد أوانها.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً