تابعت مع الملايين من كل مكان من خلال الإعلام المشاهد والمقروء – ما حدث في بلدنا الحبيب (تونس) من ثورة شعبية عظيمة على الظلم والطغيان، تؤكد مصداقية سنن الحق التي تحصد الباطل مهما قوي بطشه، وامتد طغيانه.. (..كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ) [الرعد: 17]
ورحت استمع وأقرأ لمعظم التحليلات – حول الثورة العظيمة – وما أفرزته من دروس وعبر.. فقلما وجدت أحدا استصحب القرآن الكريم في نظراته وتحليلاته، مما يجعلها – في تقديري كمسلم – تفقد قيمتها وتأثيرها، وأهمية الاستفادة منها.
وسأحاول في هذه السطور قراءة هذا الحدث وما نتج عنه من دروس وعبر في ضوء القرآن الكريم..
-
الغفلة عن أن الزمام بيد الله -عز وجل- وحده:
ما أكثر ما يطغي الإنسان، إذا استغني بقوة، أو سلطان، أو مال، أو جاه.. ويظن أن الأمور قد آلت إليه، وأصبح كل شيء طوع يديه، فلا أمر إلا أمره، ولا نهي إلا نهيه، ولا رأي إلا رأيه.. كما (… قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ) [غافر: 29]
وبهذا يبدأ خط الانحراف الأول في حياة الإنسان.. كما جاء في أول سورة للوحي الكريم كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى *أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) [العلق: 6-7] بل قد يمتد الطغيان بالإنسان ويصل لتأليه ذاته، كما قال فرعون … يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي..) [القصص: 38] (فَحَشَرَ فَنَادَى *فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) [النازعات: 23-24]
وفي خضم أمواج الطغيان، وفي غمار هذا النسيان، يغفل الإنسان عمن بيده ملكوت السموات والأرض، ويذهل عن ملكه -المزعوم- الذي قد لا يأتي عليه الصباح إذا أمسي، ولا يأتي عليه المساء إذا أصبح.
ولو فكر قليلا لعلم أنه – وما يملك – مملوك لله – عز وجل – بل لايملك روحه التي بين جنبيه فكيف يملك غيره…! (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 26]
تأمل روعة التعبير: جاء بقوله -تعالى- (وتنزع) في مقابل قوله -تعالى- (تؤتي) لأن الملك لا يتخلى عنه صاحبه -غالبا- إلا قهرا ولا يخرج منه إلا كما تخرج الروح وتنزع من الجسد. ولو قال (وتأخذ) مكان (وتنزع) ما أدت المراد من المعنى.
فسبحان من بيده ملكوت كل شيء، يصرفه كيف يشاء، يرفع أقواما ويضع آخرين، يذهب بدولة ويأتي بأخرى، ويداول الأيام بين الناس. ولولا مداولة الله – عز وجل – الأيام بين الناس، وقهره للطغاة – بالموت أو بنزع الملك منهم – ما انزاح هم كان جاثما على صدور شعوب كانت في الهم مقهورة، ولا رفعت رؤوس كانت في رمال الذل مدفونة! (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس: 83]
-
الذهول عن قدر الله:
حصن الظلم مهما كان منيعا، وسلطان البغي مهما كان قويا.. ليس بعصي أو عزيز علي الله -عز وجل- أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر.
لقد أعد (الرئيس المخلوع) نفسه للحكم مدي الحياة بعدما تمكن وأحكم قبضته -ما يقرب من ربع قرن-، وركن -في زعمه وزعم أمثاله- إلي ركن شديد من أمنه، وحصن منيع من جيشه..
وظن ألا يقدر عليه أحد، وأن حصونه مانعته من الله، فأتاه الله من حيث لم يحتسب، فقهره، وأذله، وخلعه من ملكه، بما لم يخطر علي قلب بشر.
لقد بدأت الثورة في (تونس) عفوية -دون تخطيط، ولا تنظيم، فما قادها حزب، ولا دعت إليها جماعة-، على يد شاب جامعي لم يجد عملا، إلا أن يشتري عربة يبيع عليها الخضار، يكسب منه رزقه، فمنع وصودرت عربته، وذهب ليشتكي فصفعته شرطية.. وأوصدت أمامه الأبواب، فضاق ذرعا بالحياة والأحياء، وما وجد أمامه إلا أن يضرم النار في جسده على الملأ.. فكان إحراقه لنفسه هو الشرارة التي قدرها الله، فاشتعلت، واندلعت نارها، والتهمت الطغاة والظالمين…!
ولو فكر وقدر الشعب التونسي ملايين المرات، ثم فكر وقدر في إزالة ملك الطاغية، ما خطر بباله ولا ببال أحد ما صنعه القدر…!
إن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، يمهل ولا يهمل، يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقد يأتيه من حيث لا يحتسب.. تأمل هذه الآيات :(سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) [الحشر: 1-2]
-
من اعتز بغيرالله -عز وجل- ذل:
شاءت إرادة العزيز، أن يعز من اعتز به، وأن يذل من اعتز بغيره، من جنس ما اعتز به..
فرعون اعتز -من دون الله- بملكه والأنهار التي تجري من تحته، فأجراها الله من فوقه.. (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الزخرف: ٥١] (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) [الزخرف: 55-56]
قارون خرج علي قومه في زينته، يتعاظم في نفسه، ويختال – علي الأرض – في مشيته، فخسف الله به، وبداره الأرض..(فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ) [القصص: 79-81]
والرئيس المخلوع -كأمثاله- اتخذ من دون الله، ومن دون شعبه وليا وسندا، واتجه إلى الغرب بكل كيانه، مقدما لهم فروض الولاء والطاعة، على حساب دينه، وعلي حساب شعبه، وأمته..
فأجري الله عليه سنته، وأذله من جنس ما اعتز به، فأول من تخلي عنه رجال حكمه، وأكثر الدول حماية له، ولنظامه، كانت أكثر الدول تخليا عنه، فرفضت فرنسا استقباله، واستقبال عائلته، وهنأ الرئيس الأمريكي الشعب التونسي – في التو واللحظة – على شجاعته وكرامته…!
تأمل وتدبر هذه الآيات، التي لا يزيدنا الواقع بها إلا إيمانا وتسليما.. (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا *الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) [النساء: 138-139] (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا *كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم: 81-82]
إذا انتهيت من تدبر الآيات، فاعتز بالذي لا عز إلا عزه، ولا سند إلا سنده، واهتف – بقلبك – مع الشاعر:
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت.. وإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت!
-
هشاشة أنظمة الطواغيت:
لقد أكدت ثورة تونس المباركة هشاشة أنظمة الطواغيت، وكشفت عن ضعفها.. فهي قائمة علي الوهم الخادع والغرور الكاذب. فغالبا ما يحيط الطغاة حكمهم بآلة إعلامية ضخمة، تزيف الحقائق، وتلبس الحق بالباطل، وتستخف بعقول الناس، وبحياتهم.. فيخافون قوة مزعومة، وبطولة كاذبة.
إن فرار الرئيس المخلوع كخفافيش الليل، وسقوطه السريع، بعد ما أرهب الناس – بقوة مزعومة قرابة ربع قرن – لدلالة ساطعة على أن حصونهم مهما كانت حصينة فهي من ورق، إنها أوهن من بيت العنكبوت، إنها كما صورها القرآن: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 41]
إن قوة الطواغيت مهما كانت.. لا يمكن أن تصمد أمام إرادة الشعوب، وصلابة موقفها، وقوة عزيمتها، فسرعان ما تتهاوي وتسقط.. إن الأنظمة القوية المنيعة العصية، هي التي تستمد قوتها -بعد الله- من شعوبها. فشعوبها هي التي تحميها وتحرسها من بعد الله. أما الأنظمة التي تستخف بشعوبها، وتعاديها، وتحكم قبضتها عليها بالحديد والنار، وتستمد قوتها من غير شعوبها، فهي أنظمة هشة ضعيفة، لا تلبث أن تتهاوي، مالها من قرار…!
وبعد أن أسدل ستار الخزي والذل علي الرئيس المخلوع، فسيسدل على كل طاغية، وعلي كل ظالم.. ليعلم الأولون والآخرون أن المتصرف في الكون – وحده وليس غيره – أنما هو إله واحد.. (هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) [إبراهيم: 52]
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
يا أخي اتقي الله في نفسك ، لا أعلم اي دكتوراه هذه التي عندك وكيف تفكر اساساً وانت تحاول ان توظف الدين والايات القرآنية لأثبات ما لا يصح ولا يقبل !! اي ثورات مباركة هذه التي يمكن ان يقبلها الدين بهذه الصورة المقيتة وهذا الخروج النهى عنه بل المحرم بسبب المهالك التي صحبته ؟؟ واي تغيير هذا الذي تم وما هي مرجعيته وهل سبق لك ان قراءت او اطلعت على احاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموضوع ؟؟ للاسف ان نجد مثل هذه الصفحة او الصحيفة التي تفسح لأمثالك الفرصة لبث هذا التشويش والهرطقة والاكاذيب التي تعود ان يفتتح بها مقالاته التافهة مثل قصة الشاب الجامعي البوعزيزي !!! تأكد من معلوماتك قبل فهناك معلومات انكشفت فلا تجعل نفسك اضحوكة بسبب احقادك .
في إعتقادي تونس كانت القدوة المزيفة لنجاح وبالتالي إستمرار مايسمى بالربيع العربي لباقي الدول المنكوبة أي كانت الفخ المزركش حتى تقع فيه باقي الدول المستهدفة , فلو فشلت ثورة تونس لفكرت باقي الشعوب بالعقل وليس بالعاطفة وللزم الجميع بيوتهم , ومازلت أومن بأن الأرض يعمرها الأذكياء ولا مكان للشعوب الساذجة اليوم .