تمر الثورات الشعبية العربية بذكرياتها المتتالية الحزينة إلى حد كبير ففي أواخر سنة 2010 يشعل الشعب التونسي إحتجاجاته “بعد حرق الشاب محمد بوعزيزي رحمه الله نفسه” غضبا على ما يعانيه من الفقر والبطالة والأوضاع الإقتصادية المزرية التي يعيشها الشعب التونسي لتتوالى وتنتقل الثورة في سنة 2011 إلى مصر لينتفض شعبها على نفس العوامل التي انتفض عليها الشعب التونسي ثم إلى ليبيا في نفس السنة ولنفس العوامل وكذلك في سوريا فجوع وبطالة وفقد كرامة !!!؟؟ هذا هو حال الشعوب العربية. قدمت الشعوب العربية وتقدم الكثير من أبنائها ضحايا لنيل الكرامة والحرية فقدّمت كل ما في وسعها، لقد ضحّى أغلب الناس بأنفسهم وأموالهم بعفوية من أجل نيل حقوقهم المنقوصة في جميع المجالات والعيش بحياة كريمة، خرج الناس بعفوية كاملة من أجل رفع الظلم ورؤية الإستقرار والإزدهار والرخاء والتقدم، فما الذي حدث بعد هذه السنوات ؟؟؟ هل تحقق للشعوب ما خرجت من أجله ؟ هل تمتعت الشعوب بالكرامة أم هل فقدت ما كان لها من كرامة حتى ولو كانت قليلة ؟ هل رُفع الظلم وهل نالت الشعوب كرامة واستقرارا وازدهارا وتقدما ؟ فما الذي حدث ؟؟؟
كنا متفائلين بحكم رشيد عادل يعيش فيه الجميع دون استثناء لأحد للذي وقف ضد الثورة أو للذي كان خصما لها لأنه ببساطة مواطن يحق له ما يحق لكل مواطن مؤيدا كان أو معارضا تحت راية العدل فالبعدل ينال الجميع حقوقهم وبالبعدل يستوي الجميع الرائس والمرؤوس المؤيد والمعارض هكذا كان الأمل وهكذا كان الطموح في كل البلاد العربية ولكن … ؟؟؟ كنا نطمح بدول ينال فيها المواطن حقوقه أينما كان من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب من النهر إلى البحر ولما لا ؟؟؟ ولكن. كنا نطمح بازهار ورخاء يعوضنا عما فاتنا ويعوض ما عانيناه خلال السنين الطوال ولكننا وجدنا أنفسنا في سنين مظلمات شداد غلاظ علينا ؟ كنا نطمح بتعليم نافع ناصح يحاكي ماضينا العربي والإسلامي الزاهر ليعبر بنا إلى حاضر معرفيّ طموح يحاكي التقدم الذي يشهده عصرنا مع الحفاظ على ما نملك من قيم دينية واجتماعية، تعليم يبني جيلا خلوقا واعٍ لمسئولياته تجاه أمته يأخذ بيد الأمة نحو التقدم ويعيد إليها مجدها، ولكن ؟؟!!!
كنا نطمح ونطمح ولكن وجدنا أنفسنا في معاناة لا حدود لها لقد وجد المواطن الذي قدّم كل شيءٍ ليس عنده شيئاً، فالمواطن الذي ينشد الكرامة وجد نفسه بدون كرامة، والذي ينشد العفاف والتقى فقدهما أو يكاد، والمواطن الذي كان يخاف الأمن الداخلي وجد نفسه يعيش خوفا دائما فإذا خرج لا يدري أيعود إلى بيته أم يغادر دون رجعة فخروجه أصبح مرتبطا بالخوف والهلع والفزع أما بقائه في بيته كخروجه فإن كان قديما يخاف أن تقتحم عليه جماعات الأمن السيء السمعة بيته وجد نفسه اليوم يخاف كل طارق لبيته فأصبح ضحية استفزاز الدولة وعصابات الفساد المالي والإداري والعصابات المسلحة التي لها السطوة لفعل ما تريد في دول مثل سوريا وليبيا والعراق فقد تقتحم أي بيت ولا تحتاج لحجة أو مبرر لذلك فتختطف وتقتاد من تشاء إلى المكان الذي تشاء فلمن المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله ؟؟؟
حدّث في ظل هذه السنين بما تشاء ستجده عندنا: السرقة وقد تشمل فئات كثيرة من الناس من العصابات المسلحة إلى السياسيين إلى المسؤولين فقائمة اللصوص في بلادنا طويلة، الخطف، الإبتزاز، مداهمة البيوت في الليل والنهار، هل رأيت أو سمعت ببلد الشرطة فيه والجيش هما شبيهين بعصابات مسلحة تدّعي أنها شرطة وجيشا تبتزان المواطن عوضا عن حمايته وحفظ أمنه، فعندنا الحكومات والبرلمانات صورتان مما نعانيه في قول الشاعر للرئيس: فاحكم فأنت الواحد القهّار !!! ألا لعنة الله على الظالمين.
فإن كان للثورات حسنة فهي كشف المستور وهي حسنة كبيرة حتى نعلم من نحن ؟؟!!! فلولا الثورات لما عرفنا أنفسنا فعادةً الإختبار والمحك العملي والتجربة هي التي تكشف الإنسان فتتعرف على طريقة تصرفه في الحوادث وعلى خلقه وكيفية تعامله مع الآخرين خاصة في المواقف الحرجة، فالانسان لكي تعرفه عليك أن تجرّبه وتمتحنه فالله سبحانه وتعالى جعل الدنيا امتحان ليختبر المؤمن من المنافق والصادق من الكاذب والمخلص من المرائي وهكذا، والثورات كانت امتحان للجميع، لقد كشفت الثورات عن الحقيقة التي كنا نختبي ورائها وعن الوجه الحقيقي لسوء أخلاقنا ولجهلنا ولانحذارنا ولثقافتنا الضحلة، لقد كشفت الثورات عن الحقد الدفين الذي يملأ قلوبنا والجهل الذي نغرق في ظلامه. لقد كشفت الثورات عن الإضطرابات والأمراض النفسية والإجتماعية التي نعاني منها وشخصت الداء فما علينا إلا الدواء إن أردنا الخروج مما نحن فيه فالمرض أضحى واضحا جليا والعاقل من يغرس الأشجار ليجني الثمار، فهل من مستفيق ؟
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً