في تطور دراماتيكي يلقي بظلاله على المشهد السياسي التونسي، أصدرت محكمة مساء الجمعة أحكاماً قاسية بالسجن، تراوحت بين 13 و66 عاماً، بحق نخبة من قادة المعارضة ووجوه بارزة في عالم المال والقانون، وذلك في القضية التي أثارت جدلاً واسعاً والمعروفة بـ”التآمر على أمن الدولة”.
وكالة الأنباء التونسية الرسمية، والتي نقل عنها موقع “عين ليبيا”، كشفت عن لسان مسؤول قضائي رفيع أن الدائرة الجنائية المختصة بقضايا الإرهاب نطقت بالحكم في ساعة متأخرة من الليل، ليشمل القرار متهمين قيد التوقيف وآخرين لا يزالون فارين من العدالة، مؤكداً أن أحكام الغائبين ستنفذ فوراً.
التهم الموجهة للمدانين ترسم صورة قاتمة، حيث شملت “التآمر على أمن البلاد الداخلي والخارجي”، و”تأسيس والانضمام إلى وفاق إرهابي مرتبط بجرائم إرهابية”، فضلاً عن “محاولة تغيير نظام الحكم بالقوة، أو تحريض السكان على الاقتتال الداخلي وإثارة الفوضى والنهب المرتبط بالإرهاب، وتهديد الأمن الغذائي والبيئة”.
في أول رد فعل غاضب، دوّنت المحامية دليلة مصدق، أحد أعضاء فريق الدفاع عن المعتقلين السياسيين، كلماتها بمرارة قائلة: “احكموا بما شئتم، فضيحتكم ستلاحقكم، ودعواتنا ستؤرقكم، وأصوات المظلومين ستصمّ آذانكم مدى الحياة، بل وبعد الممات ستلعنكم أجيال، ويوم الحساب قادم لا محالة، والتاريخ خير شاهد”.
المحامي سمير ديلو، وهو أيضاً من فريق الدفاع، دق ناقوس الخطر مساء الجمعة، واصفاً ما جرى في القضية بأنه “سابقة خطيرة”، مؤكداً أن مسار القضية منذ بدايته وحتى نهايته شهد “عبثاً قانونياً” وصل ذروته في الجلسة الختامية بـ “جنون قانوني”. وأوضح أن القضية انطلقت بشكوى من وزارة العدل ولفها التعتيم الإعلامي بقرار “منع التداول”، لتختتم بجلسة عن بعد للمتهمين وتضييق غير مسبوق على المحامين ومنع للإعلاميين من حضور جلسة يفترض أنها علنية.
شهادات حصرية تكشف الكواليس، حيث أوضح ديلو أنه في غضون 30 ثانية فقط، تليت بضعة أسطر من قرار دائرة الاتهام، ليُعلن بعدها عن حجز الملف للمداولة وإصدار الحكم فوراً، وسط احتجاجات صاخبة من المحامين الحاضرين، وذلك دون استجوابات أو مرافعة أو إمهال أو حتى تلاوة لقرار الاتهام.
من جهتها، رفعت تنسيقية عائلات المعتقلين السياسيين الصوت عالياً، مؤكدة في بيان شديد اللهجة أن “التجاوزات” التي شهدتها جلسة الجمعة تؤكد أن الأحكام “الجائرة” ما هي إلا “قرارات جاهزة صدرت من جهات سياسية لا صلة لها بالقضاء”.
وشددت التنسيقية على أن ما يجري هو الفصل الأخير من “مسرحية” ما يسمى بـ”التآمر على أمن الدولة”، والذي هو في حقيقته “تآمر السلطة على قيادات المعارضة”، مؤكدة أن هذه “المسرحية” قامت أساساً على “الاستهانة بكل القوانين والإجراءات”.
وفي سياق متصل، استعرضت متحدثة باسم العائلات تفاصيل “المحاكمة الصورية”، قائلة: “لقد اغتُصب حق الدفاع، واعتُدي على حق الشعب التونسي في معرفة الحقيقة، حيث كانت التضييقات والإخلالات تتفاقم يوماً بعد يوم، بدءاً من الاعتقال التعسفي والاحتجاز القسري دون أدلة أو تحقيق، مروراً بمنع التداول الإعلامي، وحرمان المعتقلين من حقهم في الدفاع والحضور، وصولاً إلى التضييق على العائلات والمنظمات الحقوقية والصحافيين ومنعهم من دخول قاعة المحكمة العلنية، وانتهاءً برفض جميع الطلبات الشكلية للمحامين والإخلالات الإجرائية الصارخة وإصدار الحكم دون استنطاق أو مرافعة”.
هذه الأحكام التاريخية تأتي في ظل مناخ سياسي واجتماعي مشحون في تونس، لتفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات جوهرية حول استقلالية القضاء وحماية الحقوق وضمانات المحاكمة العادلة، ومن المرجح أن تزيد هذه القضية من عمق الانقسام والاستقطاب الذي تشهده البلاد.
ما هي تداعيات هذه الأحكام على مستقبل المشهد السياسي في تونس؟ وهل ستشعل هذه القضية فتيل احتجاجات جديدة؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.
اترك تعليقاً