ليبيا وتداعيات حرب غزة، حرب الحروب، في المدى المنظور.
الحرب الجارية الآن في غزة ليست كقبلها من الحروب العديدة الفلسطينية والعربية X الإسرائيلية، لا في منطلقها، ولا في جغرافيتهH، ولا في أطرافها (شعب X دولة)، ولا في اصطفافات دول المنطقة والعالم، ولا في تداعياتها القريبة، ولا في نتائجها الأبعد.
وهو ما يستوجب سياسيًا، قرأتها واستقرائها ليبيًا في المدى القصير المنظور.
أولًا. اقتصاديًا:
– تزايد أسعار النفط وربما انفلاتها، فلقد ارتفعت أسعاره بنسب 6٪ خلال الأسبوع الأول من الحرب ليقفز سعر البرميل إلى قرابة 91 دولار، أي أكثر من 5 دولار خلال أسبوع.
– هذا سيؤدي بالضرورة إلى تكلفة إنتاج وبيع وبالتالي أسعار السلع والخدمات بمضاعف يتجاوز زيادة سعر النفط، بجانب ارتفاع أسعار نقل السلع والتأمين عليها.
– مع تأثر سلاسل الإمداد، والتي ستنعكس في انخفاض المعروض السلعي المستورد.
– توجه وتسابق الدول لتضخيم مخزونها السلعي الاستراتيجي الاحتياطي.
– وهذا يتطلب من الدولة الليبية تكوين مخزون كافي من الاحتياطي السلعي.
– الحاجة لرصد مبالغ احتياطية لدعم السلع الأساسية لمواجهة أي ارتفاع جامح في الأسعار.
– مع التنبه، لتزايد تهريب النفط والسلع، والعملة الصعبة.
– مما قد يؤدي إلى انخفاض سعر العملة وقوتها الشرائية، وعودة أقوى للسوق الموازية.
– تزايد احتمال استخدام سلاح النفط الليبي( ابتزازات وقف الإنتاج) من قبل السلطات او القبائل التي تسيطر على جغرافية النفط الليبية.
ثانيا. سياسيًا:
بالنظر إلى واقع الانقسام الجغرافي السياسي (غرب وشرق ليبيا)
– تضاؤل فرص إجراء الانتخابات، ليس فقط بسبب قوانين البرلمان (برلمان عقيلة) المعيبة تعمدًا، والمتأثرة بالتوجه المصري المتزمت، بل لتسارع وتعقد الأحداث.
– تسارع تحول برقة إلى حكم عسكري عائلي، من أبرز أدلته تراتبية رئاسة الحكومة الموازية بعد وتحت توجيهات المشير حفتر، قائد قوات القيادة العامة؛ وتولي أبنائه وأصهاره مقاليد الأمور وانصياع الحكومة الموازية له، وكذلك زيارات المشير لروسيا وقبوله بالقوات المصرية المأهولة والجسر الجوي الإماراتي المتواصل تحت غطاء الإغاثة، (إعلان مصر لخط سرت الجفرة خط أحمر؛ وسوابق الإمارات في دعم الحركات المتمردة والانفصالية في السودان واليمن، ووجود الفاغنر الروسية…).
– بجانب الأحداث الجسام المؤخرة، وأهمها نكبة طوفان درنة المفجعة، والتي واكبتها قبضة أمنية غير مسبوقة في شرق ليبيا، وبالأخص في درنة وبنغازي، والتي من أمثلتها عسكرة جهود الإغاثة ومنع التظاهر وحملات القبض (مجموعة د. فتحي البعجة – وهو شخصية سياسية مرموقة وازنة)، والتفاعل الشرس المفرط مع عودة العميد المهدي البرغثي وزير الدفاع الأسبق).
– تزايد التفاف أطراف عدة مع حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها، ومنهم المعارضين القدماء والجدد لسلطات شرق ليبيا بعد اتضاح الميول السلطوية في شرق ليبيا، بجانب المؤيدين التقليديين.
– مؤشرات لعمليات المخابرات، ومن ذلك الاعتداء على قناة التناصح، ومحاولة مجموعة العميد المهدي البرغثي في بنغازي. وكذلك توجيه سلطة القيادة العامة الاتهام لحكومة الوحدة الوطنية بمحاولة الزعزعة.
– تطور تكوين جبهة معارضة منظمة لسلطات شرق ليبيا سياسية واجتماعية (قبلية ومدنية)، للدواعي السابق ذكرها، بموازاة تصاعد المخاوف من تسلط قبلي أو توطين قبلي داخلي أو خارجي، مع فرص ظهور قيادات سياسية شعبية وازنة.
– عودة أشد لتضييق التنقل بين أجزاء ليبيا، وتزايد المراقبة الأمنية.
– تزايد ثقل التدخلات والأطماع الخارجية من جيران ليبيا والدول الإقليمية والأجنبية، بالنظر إلى أن بعض يعاني من أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية خانقة، قد تدفعها للتفكير في ليبيا كحل لأزماتها أو لتشتيت الأزمة.
– مؤشرات لانتقال بعض الصراع الجزائري – المغربي إلى ليبيا.
– المحيط الجنوبي، يشاهد اضطرابات خطيرة منها الانقلابات في النيجر ومالي وبوركينا فاسو والحروب الأهلية في السودان (حركة الدعم السريع) ومالي (حركة أزواد الطوارقية العربية).
– تزايد موجات الهجرات والاستيطان الجماعي من جنوب وشرق ليبيا (توطين السكان/Population transfer) وبعضها بدوافع حقوق قبلية مزعومة بأن جزء من ليبيا هي أرضهم التاريخية (التبو، الطوارق، عرب الصحراء الغربية)
– مع التذكير بالحديث عن مشروع تهجير وتوطين الغزاويين في سيناء.
– تزايد تحول كل الجنوب الليبي إلى الأرض السائبة (No man’s land)، التي تطمع فيها دول وقبائل.
– وفي المقابل، تواصل مشكلة الأسر النازحة والمهجرة جماعيًا إلى غرب ليبيا، يضاف إليهم قرابة 50 ألف نازح من نكبة طوفان درنة؛ وسعي بعضهم للاستقرار في مناطق أخرى، مما يخل بالتوازن الديمغرافي والإرث الثقافي الليبي.
هذا في ضوء الاحتمالات المفتوحة والغامضة لتطورات حرب غزة المصيرية، وفي ظل الموقف الشعبي منحاز لفلسطين كما هو ظاهر في المظاهرات والإعلام والتفاعل في التواصل الاجتماعي رغم التكميم والتعتيم الممارس في شرق ليبيا من قبل أجهزة “القيادة العامة” في شرق ليبيا، ومن ذلك توجه الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية التابعة لها.
ست أشهر أو سنة سياسية حرجة وشرسة بامتياز، ليس فيها للسذاجة والتهاون والتذاكي مكان، ومن يفعل ذلك سيدفع ثمن شخصي وسياسي ووطني فادح.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً