وكم الكثير منهم لم يقرأ لك حرفًا، وأقر باغتيالك بشفرة القلم؟
تابعت مشدوهًا مصدومًا انفلات حملة لعان وسباب ضد الأديب الليبي العالمي الكبير إبراهيم الكوني، إثر إعادة تلقف وتلويك مقال نُشِر قبل ست سنوات ونصف، نعم قبل ست ونصف، كتبه كاتب أسمه أحمد شوقي علي، كاتب قد لا يكون مغمورًا، غير أنني لم أسمع به شخصيًا من قبل ولم تستطع محركات بحث الإنترنت تسليط نقطة ضوء حول الظلام الذي يُحيط به، سوى صورة يتيمة فريدة في موقع المدن الإلكتروني الذي ينشر فيه ونشر فيه مقاله حول إبراهيم الكوني، وتظهره الصورة كشاب، ولذا وبالتالي لا أستطيع تقييم ولا تقدير ما يكتب، ومن ذلك ما كتبه حول الكوني.
وهكذا، استغرب حملة الانجرار الجمعي التي انخرط فيها عموم وصفوة مجتمع من مثقفين وكُتاب وساسة دون الوقوف ولو للحظة لتحميص ما نقله الكاتب عن إبراهيم الكوني، وألبسه إياه، لتقوم أقلام ليبية بنحره جمعيًا على المذبح بدون قبلة.
المثير أن الكاتب يستهل مقدمة ونصف مقاله بأن لقائه وحواره “القنبلة” مع إبراهيم الكوني كان عند استلام جواز سفر الكوني لإجراءات التسجيل الفندقي، وأثناء مرافقته في السيارة خلال مهرجان القاهرة الأدبي الذي حضره وكُرم فيه الكوني، وهنا تبرز تساؤلات عن شخصية الكاتب وعن ما قال الكوني، وكيف قاله، وكيف سمعه، وكيفه الكاتب، ولماذا صاغه بهذه الطريقة؟.
كما أسلفت لم أفلح في إيجاد أي نشر للكاتب خارج موقع المدن الإلكتروني، وآخر ما نُشر فيه كان في نهاية سنة 2020.
وفيما يلي مقتطفات من بعض مقالاته:
– [مأساتك تشبه هذا العام الكئيب من عمر الإنسان؛ أن تتحول من دون أن تدرك -وأنت تتعثر في أبنائك (دلائل فحولتك) بين الشوارع المتقاطعة حول البيت، هؤلاء الذين يشبهونك وأنت لا تتذكر حتى أوصاف أمهاتهم- أن تتحول فجأة إلى قط هرم مصاب بداء السكري، وتموت –زاهدًا- من دون أن تنازع الحياة على البقاء، فتتورط معي. آخذك ملفوفاً في خرقة بيضاء –تشبه سخريةً الكفن- وأضعك في ما استطعت –بليدًا- حفرَه في الأرض بين نخلتين، كأنك بين قوسهما مقيمًا حتى فناء العالم، فإذا أنت فريسة سهلة للكلاب.] في مقال للكاتب حول قط أسمه فتحي.
– [وفي مقال/ أو عرض آخر عن راوية “بساتين البصرة] للكاتبة منصورة عز الدين: “والحال أن جوهر الرواية الأحدث للكاتبة المصرية منصور عز الدين، هو الكذب المخلص”.
وهكذا- رغم أنني لست ناقدًا أدبيا ولا مقيم نصوص، لعدم الاختصاص والقدرة، غير أنني ألحظ أن الكاتب يتجه نحو الإثارة لجلب وجذب القراء.
عودة للمقال، الكاتب هو الذي اختار هذا العنوان المفرقع “إبراهيم الكوني السويسري: أنا روح ليبيا”، وهل فعلًا قال الكوني ذلك.
نقلًا حرفيًا من المقال “إياه” يكتب الكاتب: [ما جعلني أسأله في السيارة بينما نعود إلى حيث ينزل في أحد فنادق حي الدقي: “أستاذ إبراهيم أنت ابن الصحراء، لكنك تنقلت بين العديد من المدن، فما هو الوطن في ظنك؟”، فأجاب: “لقد وجّه لي أحدهم سؤالك ذاته خلال جلستنا”، فبادرته، وقررت لحظتها أن أكون مباشرًا: “لقد أشرت إلى صورة في ويندسور وقلت هذه عاصمتنا، ولوهلة ظننتها طرابلس، فما هو تفسيرك لذلك وأيهما هو وطنك؟”، فردَّ: الوطن هو المكان الذي يحتويك، لا الذي يلفظك، أنا لا أخجل من أن أقول أن وطني هو سويسرا، أنا من صنعت لليبيا مكاناً في العالم، وكتبت رواياتي باللغة العربية ولم أكتبها بالأمازيغية أو الروسية أو الألمانية، رواياتي هي روح ليبيا.. أنا روح ليبيا، لكن ليبيا المكان غرّبني بسبب هويتي، بينما في ألمانيا –مثلا- هم يدرّسون رواياتي للطلبة في المدارس، وفي سويسرا كرموني ومنحنوني الجنسية، فقل لي بظنك أيهما الوطن بالنسبة إلي؟”.]- رابط المقال.
هذا الحوار تم في السيارة، أي أنه كان أقرب للدردشة، وإلى الآن لم استطع تفسير قيام كاتب بدور مرفق ومرشد لكاتب عالمي كبير من وزن وحجم إبراهيم الكوني، وكيف لكاتب أن ينقل حديث حرفيًا وبأمانة دون علم وموافقة محاوره؟ وكيف له تذكر الحديث الدردشي حرفيًا دون آلة تسجيل؟ وإذا كان كذلك هل أعلم وعلم الكوني بذلك؟ وهل أخرجت وحورت بعض الإجابات الكونية عن سياقاتها؟ وهل أستأذن الكاتب في نشر الحديث؟ تكهن الإجابات يجيب عن الكثير! وفي عنوان المقال “إبراهيم الكوني السويسري: أنا روح ليبيا” ما يتضح بالاستفزاز والإثارة والتناقض المغرض.
شخصيًا، يصعب عليّ تصديق أن الكوني قال ذلك بالحرف أو المعنى، فمثقف وأديب (بالمعنى الأخلاقي والإبداعي) يصعب تخيل إنه يقول ذلك، وبالأخص أنه أدبه الذي وصل للعالمية، كان ولا يزال مصدره ومآله صحراء الوطن.
أن يكون الكوني أمازيغي طارقي لا يعني أن ليبيته تظل محل ميزان من البعض، فأصله الطارقي الأمازيغي هي صنو ملتصق بأصالته الليبية العريقة في أسرة وقبيلة ليبية عمقها التاريخ الليبي وسعتها الجغرافية الليبية، وأنه محب للغة العربية ومُثري لها، فإبراهيم الكوني ليبي.
البعض، انطلق ليصفي حسابات القضاء والأقدار والقدرات لينتقم، ليجد في الكوني اليوم قربانًا سهلاً لذيذا، وبعض ذلك البعض اقترف ويقترف ويتمنى ما يتهم به الكوني أضعاف مضاعفة، مع الفرق بين الكوني وأمثاله، وغيرهم من ذلك البعض.
اختلفت سياسياً مع الأستاذ الكبير إبراهيم الكوني لدرجة أنني كتبت له رسالة مفتوحة “حادة” سنة 2008- قبل ثورة فبراير- ولكنني أبدًا لم أجعل نفسي قاضيًا ولا مفتشًا على وطنيته، بل كنت ولا زلت تلميذًا لأدبه العالمي الراقي الذي أقر له به عالم الأدب ونقاده العالميين، اتذكر في سنوات لجوئي وهجرتي الأولى- كان ذلك منذ 24 سنة- أنني كلما دخلت مكتبة عامة في أحد مكتبات مدن الدنمارك، أنني وجدت روايات الكوني فيها بعدة لغات ومنها اللغة العربية، رابط رسالتي المفتوحة للأستاذ إبراهيم الكوني بموقع ليبيا المستقبل الموقر.
زاد تقديري للأستاذ إبراهيم الكوني عندما التقيته في كوبنهاجن بدايات سنة 2011 عندما استضفته جامعة كوبنهاجن ومؤسسة بحثية أخرى (لا اتذكرها الآن) بمشاركة مع الشاعر والمثقف السوري اللبناني الكبير أدونيس (علي أحمد سعيد).
واتذكر لقائي الخاص بهما اليوم التالي، ولامست تواضعهما السامي وتعاملهما الراقي وصبرهما على مشاكستي.
واتذكر فرح وتشجيع الكوني لي، الكوني الذي رأيت ونقاشت ليس من يقول ما تم تقويله له.
ختامًا، قد يقتل الحب ولكن موته مريح ولكن قتل التشفي والحسد فأنه يقتل الحاسد والمحسود معًا، والجهل كذلك يغتال الجاهل والمتجاهل.
اليوم نقتل الكوني حيًا، وغدًا سيرحل مثل أي إنسان منا، ولكنه سيبقى منارة مشعة سامقة لا ولن يحجبها غبار الرماد.
كل الشعوب الحقيقية تفرح بمتفوقيها إلا التي لا تريد، فبدل أن نفتخر ونعتز بالكوني كما يفتخر المصريين بنجيب محفوظ والجزائريين بمحمد اركون والسعوديين بغازي القصيبي والسوادنيين بالطيب صالح والسوريين بنزار قباني والعراقيين بمظفر النواب، نجد أن بعضنا في ليبيا يدهس ويطمس كل شعلة، لم استطع تصنيف مدى ليبية السوداني محمد الفيتوري!.
ولننتبه ونتبين ونتوقف عن رجم كل ضوء لأننا نعلم أبنائنا ذلك وهم بدورهم يجمعون الحجر والحطب لرمينا في الحفرة التي حفرنا فرجمنا مع التهليل المتوحش، عجيبة قيمنا التي مسطرتها ملائكية قاسية والتي لا تسامح ولا تتسامح وفي الوقت نفسه تخنع للقساة الأجلاف وتبحث وتضخم ذرة الملائكية المفقودة فيهم، فتسود الدناءة وتطمس الكرامة.
ليس في الهامش السفلي بل في صلب المتن؛ يلاحظ تزايد الأخبار المفبركة (fake news) هذه الأيام مما يشير بمخطط ما، وهذا ليس من نظرية المؤامرة بل من صميم خداع السياسة! فهل هناك ما يُدبر ضد السيد موسى الكوني نائب رئيس المجلس الرئاسي في خضم التكابش الوطني والإقليمي على “الهبرة” الليبية، بالنظر إلى رزانته السياسية وحرصه الوطني المشهود؟.
وأخيرًا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}
وصبرًا جميلًا إبراهيم الكوني، فبعض قومنا لا يقصدون وبعضهم يغرضون.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً