مع صدور الأفكار العامة حول الحل الشامل للأزمة الليبية بعد إجتماع الصخيرات بالمغرب أصبحت ملامح الحل واضحة، والذي يتلخص في تجاوز الإشكال القانوني حول شرعية مجلس النواب والمؤتمر الوطني، والبناء على أسس واقعية جديدة تمتد لفترة إنتقالية حتى الإستفتاء على الدستور الدائم.
هذا الحل لم يشير إلى المؤتمر الوطني (الذي لا ينتظر أعضاءه ذلك) وغض الطرف عن مجلس النواب (بوضعه الحالي) وسلب جميع مهامه ليتم تحويلها إلى الحكومة التوافقية، بداية من تعيين السلك الدبلوماسي إلى تحديد القوى الوطنية والإرهابية من بين المجموعات المسلحة، من أجل التعامل معها من المجتمع الدولي وفقا لتصنيفها، ولم ينسى المقترح المساواة بين جميع القوي العسكرية في ليبيا ومن ضمنها قوات حفتر وجيش القبائل وقوات فجر ليبيا، وبذلك لن يكون للحكومة القادمة علاقة بالمؤتمر ولا بمجلس النواب، وستستمد شرعيتها من الأمم المتحدة بتفويض من الشعب الليبي وموافقة الأطراف المتنازعة حتى صدور الدستور.
هذه الأفكار العامة التي يتوافق عليها قطاع كبير من الشعب الليبي لها عوائق كثيرة ستواجه طرفي الحوار قبل التوقيع عليها، وكما يقول المثل الإنجليزي “يكمن الشر في التفاصيل”، فالإتفاق المبدئي يتمحور حول توافق في إختيار رئيس الحكومة، وإختيار نائب من الجانبين، عدا ذلك لم يتطرق المقترح إلى عدد الحقائب الوزارية، وكيف يتم تشكيلها وما دور الأجهزة المصاحبة لها مثل المجلس الرئاسي، ومجلس البلديات، ومجلس الأمن القومي، وغيرها من الأسئلة، أي أن المقترح عائم يحتاج إلى إرساء دعائمه بتحديد إختصاصات الهياكل المقترحة.
حيث أن النزاع الليبي سياسي إلى حد كبير، بين قوى التغيير والرافضة له، مبطناً بالمصالح الفئوية والشخصية والجهوية، فإن المندوب الأممي لم يغفل الحفاظ على مصالح هذه المجموعات بإقتراح عدد كبير من المؤسسات القيادية، فمن لم يجد نفسه في الحكومة هناك مجلس رئاسي أعلى وهناك مجلس للبلديات، وهناك مجلس أمن قومي، ولن يتم الإلغاء الشكلي للبرلمان حفاضاً على المصالح الخاصة لتلك الفئة، وزيادة عدد المؤسسات كانت بسبب إشراك العديد من قطاعات الشعب الليبي ممن لهم دور ومن ليس لهم دور في الحوار، من أجل إيجاد نوع من الرضى، ثم التوافق، وهو ما حدث عند إستيعاب الثوار في سنة 2011م من المجلس الإنتقالي. وهذا مشابه لما حدث في العراق، فعندما خسرت الكثلة السنية في الإنتخابات العراقية تم إقتراح مجلس أعلى للإستراتيجيات بهيكلية موازية لعمل الحكومة وداعم لها، وبعد فترة من الزمن وجد هذا الهيكل أنه يعج بالموظفين ولا عمل لهم.
الحلول المقترحة من الأمم المتحدة، من الواضح أنها بنيت على حقائق واقعية على الأرض مع تقوية الحس الوطني، بديلا عن الخوض في مسألة الشرعية الشائكة والتي لن تفضي إلا إلى مزيد من الخراب والتشردم، مما يضطر الدول الغربية إلى قفل حدود الدولة الليبية وتجميد أرصدتها والتعامل مع المجموعات المسلحة بالقوة إن فشل الحوار. من البوادر الجيدة لنجاح الحوار إنسحاب قوات الشروق طواعية عن الهلال النفطي وتقليص قوات جضران في تلك المنطقة، وهو ما يساعد على عودة المواني للعمل مجدداً، ومن البوادر كذلك إقالة المؤتمر لحكومة عمر الحاسي، وهي تعطي رسالتين للمجتمع الدولي، أولاهما نحن بدئنا في تطبيق القرار الأممي حتى قبل تطبيقه، وأننا كثلة واحدة لها صوت واحد يعبر عن الحكومة والثوار في الجبهات وليس هناك خلاف كما نراه جليا بين مجلس النواب وحفتر وحكومة الثني.
من العوائق التي تواجه الإتفاق كثلتان لهما قوى عسكرية على الأرض، الأولى كثلة الفيدراليون التى ذهبت بمجلس النواب إلى طبرق، وكانت رأس الحربة لمعظم قراراته المشينة، مثل إرتماء مجلس النواب في أحضان حفتر، ودعوة القوات الأجنبية للتدخل في ليبيا، وتأييد جضران في قفل الحقول النفطية، وهدم بنغازي على رؤوس ساكنيها، والتعاون مع رجالات النظام السابق لزعزعة الأمن في البلاد، هذه المجموعة حاولت إذابة ليبيا في برقة من مقابل عدم الحديث عن النظام الفيدرالي، وما أن يتم تشكيل حكومة الوفاق الوطني في طرابلس حتى يرتفع صوتها بالمطالبة بالفيدرالية حينا وبالتقسيم أحيانا. المجموعة الأخرى الأقل أهمية تلك التي تمثل رجالات العهد البائد ودراعيها العسكري جيش القبائل والنسخة الليبية من داعش، وهؤلاء تأثيرهم الإعلامي أكثر من التأثير على الأرض، وسيختفي دور كتائبهم الإجرامية في تخريب الحقول النفطية وزعزعة الأمن بمجرد تكوين حكومة وطنية.
أخيرا قوات حفتر التى كانت تابعة لرأسة الأركان المنبثق عن البرلمان، وأخيراً أصبح رئيس الأركان مرؤسا عند حفتر بعد تقلده مهام المجلس الأعلى للجيش الليبي، وهي قوات عبر عنها أحد رجالاتها بأنها “فتاة جيش” وقال عنها وزير الداخلية أنه ليس بجيش، ولكن بدعم الدول العربية وخاصة مصر والإمارات بالسلاح والتدريب، مع تجنيد الصحوات من الشباب، أصبح له قوة، قد لا تستطيع تحرير بنغازي ولكن قادرة على إدامة الفوضى الأمنية في المنطقة الشرقية. هذا الوضع يذكرنا بجيش لبنان الجنوبي بقيادة إنطوان لحد الذي حافظ على تواجده بجنوب لبنان لعقد من الزمان بمساعدة إسرائيل، وبعد إتفاق الطائف ودخول سوريا إلى لبنان فرً الجيش الجنوبي إلى إسرائيل، ولم يجد إنطوان لحد ما يقوم به سوى فتح مطعم صغير في تل أبيب لبيع الأكلات العربية واللبنانية وعلى راسها “التبولي” فهل سنرى بعد إتفاق الصخيرات اللواء خليفة بالقاسم حفتر صاحب مطعم بالفيوم لبيع الطعمية والكشري؟ من يدري، فالليالي حبالى يلدن كل غريب.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً