بعد الأزمة التي تسببت بها حرب روسيا على أوكرانيا، تتجه دول الاتحاد الأوروبي، رسميا، إلى الاعتماد على ليبيا بشكل كبير في تنويع مصادرها من الطاقة، بعيدا عن النفط والغاز الروسيين.
وصرَّح المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لويس ميغيل بوينو، في وقت سابق، بأن أوروبا ستعتمد الفترة القادمة على ليبيا بشكل كبير، لتنويع مصادر الغاز والطاقة، وذلك وسط الخلاف بين الاتحاد وروسيا حول أوكرانيا.
ويرجح خبراء اقتصاد وسياسة ليبيون، أن تزايد أهمية النفط والغاز الليبي قد يساهم في دفع الدول الأوروبية الأمور في ليبيا باتجاه إيجاد حل سياسي سريع لضمان تأمين تصدير النفط والغاز.
وتوقع تقرير للبنك الدولي، أن الاقتصاد الليبي قد يشهد تحسنا في مستوى النمو والمداخيل حال تم زيادة صادرات الغاز إلى أوروبا.
عمالقة النفط والغاز يكثفون استثماراتهم في شمال إفريقيا
ووفقاً لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، فإن شركات النفط والغاز العملاقة تعمل على تعزيز تواجدها بشمال أفريقيا عقب سنوات من ضعف الاستثمارات بالبنية التحتية الخاصة بالطاقة في المنطقة.
ومع نمو الطلب على منتجات الطاقة في أوروبا بعد التخلي عن روسيا التي كانت موردا رئيسيا للطاقة لدول القارة بسبب غزو أوكرانيا، يراهن المسؤولون التنفيذيون في صناعة النفط والغاز على العمليات التجارية أصعب الأماكن لممارسة الأعمال التجارية في العالم.
وفي الأشهر الأخيرة، زار مسؤولون أوروبيون المنطقة للمساعدة في دفع المحادثات بشأن صفقات التوريد المحتملة.
وقال جيف بورتر، رئيس شركة “نورث أفريكا ريسك كونسولتينغ”، المتخصصة في تقديم استشارات للمخاطر السياسية والأمنية والمعلومات التجارية في شمال أفريقيا: “كانت شمال أفريقيا بطيئة في تطوير إمكاناتها بسبب المخاطر السياسية، سواء المتعلقة بانعدام الأمن أو البيروقراطية”.
من جهتها تُخطط شركة “إيني” الإيطالية لاستثمارات تهدف إلى استبدال ما يقرب من نصف الغاز الذي كانت تستورده من روسيا بإمدادات من الجزائر، طبقا للصحيفة الأميركية.
وأبرمت شركة “هاليبرتون وهانيويل إنترناشونال” صفقات بقيمة 1.4 مليار دولار لتطوير حقل نفط ومصفاة مع المؤسسة الوطنية للنفط، التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية معروفة بأفريقيا، وفقا لرئيس المؤسسة فرحات بن قدارة.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” ذكرت الشهر الماضي، أن شركة “شيفرون” تتطلع أيضا لإبرام صفقة للتنقيب عن الطاقة في الجزائر، وفي يناير، أعلنت شركة النفط الأميركية الكبرى عن اكتشاف كبير للغاز الطبيعي في مصر.
ويقول المسؤولون التنفيذيون في قطاع النفط الغربي إنهم يرون مناخا سياسيا أكثر استقرارا في شمال أفريقيا، لا سيما في دول مثل ليبيا حيث هدأ القتال خلال العامين الماضيين بعد ما يقرب من عقد من الحروب.
وانسحبت عدد من الشركات الأميركية من المنطقة نظرا للمخاطر السياسية الكبيرة هناك، حيث حولت تلك الشركات تركيزها إلى إنتاج النفط الصخري بالولايات المتحدة.
وتقول شركات الطاقة إن قرب المنطقة من أوروبا واحتياطياتها الهائلة، تجعل ممارسة الأعمال التجارية هناك تستحق المخاطرة.
في الوقت نفسه، كانت الشركات المملوكة للدول بمنطقة شمال إفريقيا حريصة على إبرام الصفقات؛ لأنها ترى فرصة لسد الفجوة التي خلفتها روسيا والاستفادة من ارتفاع أسعار منتجات الطاقة العالمية.
وقال رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا فرحات بن قدارة: “أعتقد أننا يمكن أن نكون بديلا جيدا للغاز الروسي لأوروبا”.
وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، أصبحت أوروبا تكافح لإيجاد إمدادات بديلة من منتجات الطاقة لدول القارة التي كانت تعتمد بشكل كبير على موسكو، خاصة فيما يتعلق بالغاز الطبيعي.
ومن المزمع أن توقع المؤسسة الوطنية للنفط قريبا اتفاقية بقيمة مليار دولار مع “هاليبرتون” تسمح للشركة الأمريكية بإعادة بناء حقل الظهرة النفطي.
وقال بن قدارة إن حقل النفط في وسط ليبيا دمره مسلحو تنظيم داعش في عام 2015 وتديره الآن “كونوكو فيليبس” و”توتال إينرجي”، ستكون واحدة من أكبر الصفقات لشركة خدمات النفط الأميركية العملاقة التي أبرمت بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال السنوات الأخيرة.
وفي سياقٍ ذي صلة، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أمام لجنة بمجلس الشيوخ، إن الولايات المتحدة تعمل بنشاط لإعادة فتح سفارتها في ليبيا، وذلك جزئيا حتى تتمكن من دعم احتمالات إجراء الانتخابات الليبية بشكل أفضل.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن رئيس شركة إدارة المخاطر، جيف بورتر، الذي يقدم الاستشارات لشركات النفط الأميركية في المنطقة قوله: “هناك اعتراف في الولايات المتحدة الأميركية بأن ليبيا بيئة صالحة للعمل”.
وأضاف أن الشركات تنظر إليها الآن على أنها “بيئة يمكنك من خلالها العمل بأمان معقول، حيث يمكنك الاستثمار بشكل أفضل بطرق لم تكن متوفرة قبل بضع سنوات”.
يُشار إلى أن رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط فرحات بن قدارة، أكد في وقت سابق من الشهر الجاري، خلال مشاركته في مؤتمر “كير وويك العالمي للطاقة” بمدينة هيوستن الأمريكية.
كما أجرى بن قدارة على هامش مشاركته في المؤتمر، محادثات مع المسؤولين الأمريكيين، حول تعزيز التعاون الثنائي وعودة الشركات الأمريكية للعمل في قطاع النفط والغاز الليبي.
اترك تعليقاً