أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، اليوم الخميس، عزمها الإعلان رسمياً، خلال مؤتمر صحفي ستعقده يوم الأحد القادم، عن فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية والبدء في عملية توزيع بطاقة الناخب.
وقال رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، إنه وفقا لخطة المفوضية لن يكون هناك تأخير عن يوم الاقتراع المحدد في 24 من ديسمبر.
السايح وفي لقاء صحفي، أكد أنّ الانتخابات الرئاسية ستجرى على مستوى البلاد ضمن دائرة واحدة يتنافس فيها جميع المرشحين.
وفي هذا الصدد، وجهت “عين ليبيا” سؤالاً لعدد من الشخصيات والمهتمين، حول إمكانية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة وذات مصداقية لا يُعترض على نتائجها في غياب التوافق على قاعدة دستورية وقوانين انتخابية.
وقال الكاتب الصحفي والباحث د. محمد عمران كشادة، إنه لا يمكن إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة وذات مصداقية في ليبيا وفق معطيات الواقع اليوم.
وأضاف في حديثه لـ”عين ليبيا”: “بات من الواضح بأن هناك دول كبرى وأخرى إقليمية تُريد أن تجر الليبيين إلى فصل جديد من الصراع والحرب، لأن انتخابات بدون توافق سياسي بين طرفي الصراع، وبدون الاستفتاء على الدستور الجاهز منذ يوليو عام 2017م، أو التوافق على قاعدة دستورية في الحد الأدنى، وفق اتفاق الصخيرات، سيقودنا إلى إجراء انتخابات غير نزيهة وبدون ضمانات لقبول نتائجها”.
وتابع: “هذا يعني تفجير الأوضاع في ليبيا، لأن كل الدول المتدخلة في الصراع الليبي تعلم يقينا بأن الطرف الخاسر في الانتخابات لن يقبل بنتائجها، وسنجد أنفسنا نحن الليبيين أمام سيناريوهات مظلمة.. حكومة موازية في الشرق.. وسيناريو التقسيم، وتفجر الحرب مجددا”.
وأردف د. كشادة يقول: “إن حفتر وعقيلة صالح ومعسكر الكرامة يُريدون انتخابات مفصلة على مقاسهم هم، فإما أن يربحوا الانتخابات ويحققوا بصناديق الاقتراع ما خسروه بالبندقية والحرب، أو تُنفذ الخطة البديلة وهي مزيد من الانقسامات والصراعات بين القوى السياسية في طرابلس وغرب ليبيا، وجر المنطقة إلى حرب طاحنة وهم متربصين لشن حرب جديدة بعد إنهاك القوى المتحاربة في طرابلس وغرب ليبيا”.
واستطرد قائلاً: “من المؤسف أن بعض القوى السياسية المحسوبة على الثورة والمنتصرة في ملحمة البركان التاريخية قد بلعت الطعم ظنا منها بأن الانتخابات هي الحل، لذا فإن الحل الأكثر واقعية في مشهد سياسي مضطرب، وتدخلات أجنبية وضغوط قوية تدفع باتجاه الانتخابات بدون أسس سليمة”.
وأوضح د. كشادة أن الحل هو “أن نمضي إلى انتخابات برلمانية يُجدد من خلالها الشعب الليبي الشرعية السياسية، انتخابات تُنهي من المشهد السياسي الليبي دور مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، لكن بشرط التوافق بين طرفي الصراع وفق اتفاق الصخيرات، والتوافق على قاعدة دستورية سليمة، ويبقى المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية وفق مرحلة انتقالية لا تقل عن 18 شهرا، وهذه الفترة كانت ضمن مقترحات لجنة 75 في تونس قبل أن يتم الإعلان عن موعد 24 ديسمبر عام 2021م موعدا للانتخابات”.
ونوه إلى أن تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى حين التوافق بين طرفي الصراع هو بمثابة إنقاذ لليبيا من مخطط رهيب يُطبخ على نار هادئة في كواليس مخابرات مصر والإمارات والسعودية وفرنسا وروسيا، مخطط لجر البلاد إلى حرب طاحنة”.
وزاد يقول: “ولقد تعودنا من المجتمع الدولي تنصله من التزاماته تجاه القضية الليبية، فهو يعلن دعمه للحل السياسي في حين يسمح لمن يعرقل ذلك وهو حفتر بالاستمرار في العمل العسكري والحرب، وحين يُهزم يعطيه المجتمع الدولي فرصة لالتقاط أنفاسه، ويتم إعادة إنتاج موقعه مجددا في المشهد السياسي الليبي”.
مسألة الاعتراضات على النتائج أمر وارد ومتوقع
من جهته قال عضو المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن الشاطر، إن المبدأ العام أن الكل يريد انتخابات حرة ونزيهة وذات صدقية بلا استثناء، إلا أن هناك انقساما موضوعيا بين الجماهير من حيث الأسبقية أو التزامن بين انتخابات رئاسية وتشريعية، إذ هناك من يرى أن الوقت الحالي غير مهيأ لانتخابات رئاسية لعدة أسباب من أبرزها الظروف الأمنية السيئة في أرجاء الدولة وفي مقدمتها أيضا غياب الدستور الذي يحكم العلاقة بين الرئيس ومؤسسات الدولة السيادية والذي أيضا يُحدد صلاحيات ومدة رئاسته وفوق هذا وذاك الخوف من إنتاج دكتاتور جديد بشرعية انتخابات مزورة.
وأضاف الشاطر: “ولذلك تجد من يدفع بقوة إلى إجراء انتخابات تشريعية فقط في الوقت الراهن لغرض إنهاء الأجسام المتصارعة ومن ضمنها مجلسي النواب والدولة وخاصة في مسألة إصدار القوانين وإحالة مشروع الدستور للاستفتاء ليعمل مجلس النواب الجديد على توحيد المشروع السياسي للدولة وآفاقه المستقبلية، وإرساء لمرحلة الاستقرار السياسي الدائم، ثم النظر في مشروع الدستور في مناخ أفضل من الحالي وإحالته للاستفتاء عليه ومن ثم الدعوة إلى انتخابات رئاسية بناء على نصوصه”.
وأشار الشاطر إلى أن مسألة الاعتراضات على النتائج أمر وارد ومتوقع وهو ما تُعاني منه كل دول العالم الديمقراطية ويبقى الفيصل دائما اللجوء إلى القضاء”.
وأردف يقول: “أنا من أنصار الانتخابات التشريعية أولاً و لايزال هذا مطلبي منذ أن جاهرت به في العام 2017 في مبادرة قدمتها للمجلس الأعلى للدولة وبعثة الأمم المتحدة في ليبيا”.
لا توافق حول قوانين الانتخابات ولا قاعدة دستورية
أما الكاتب الصحفي عبد الله الكبير، فقد أكد على أنه في الوضع الراهن يُستبعد أن تتوفر الشروط الموضوعية المطلوبة لإجراء الانتخابات حتى تضمن مشاركة واسعة فيها من الناخبين وكذالك بقبول نتائجها.
وقال الكبير: “لا توافق حول قوانين الانتخابات ولا قاعدة دستورية بالإضافة إلى فصل الانتخابات الرئاسية عن البرلمانية وعجز وزارة الداخلية عن تفعيل دورها في الشرق والجنوب، كلها عوامل لا تُبشر بإمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة وذات مصداقية وتُقبل نتائجها من قِبل جميع الأطراف”.
إجراء الانتخابات في ظل عدم التوافق هو انتحار
من جانبه أجاب الدكتور رمضان بن زير أستاذ القانون والأمين العام المفوض للمركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي بقوله: “ما لفت انتباهي هو أن بعض الدول الإقليمية والدولية تُطالب بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها المحدد وهو 24 ديسمبر ودون وجود توافق على القاعدة القانونية بين مجلسي النواب والدولة”.
وأضاف: “إن إجراء الانتخابات في ظل عدم التوافق هو انتحار قد يُؤدي إلى نتائج لا تُحمد عقباها.. إن إجراء الانتخابات في ظل الظروف الحالية الهدف منها تمكين شخصية بهدف الحصول على الشرعية يكون ولائها لإحدى الدول المتدخلة في المشهد السياسي الليبي من الذين يرون وجود تركيا في ليبيا يُشكل خطر على مصالحهم خاصة مصر وتركيا”.
وتساءل د. بن زير: “السؤال الواجب طرحه هل تقبل هذه الدول نتائج الانتخابات في حالة عدم نجاح مرشحهم للرئاسة؟”.
وطالب د. بن زير الليبيين أن يعتمدوا على أنفسهم في اتخاذ قرار الانتخابات من عدمه فهم أصحاب المصلحة الحقيقية، مشيراً إلى أن الضغوط الدولية أكذوبة في حالة وجود جبهة عريضة ترفض إجراء انتخابات رئاسية قبل إصدار الدستور الذي يبين شكل الحكم لليبيا هل هو نظام برلماني أم رئاسي أم نظام مختلط”.
وتابع: “علينا أن نعمل على إجراء انتخابات تشريعية وفقا للقاعدة القانونية التي تم بها انتخاب المؤتمر الوطني التي أتاحت الفرصة للأحزاب المشاركة فيها باعتبارها العمود الفقري للديمقراطية، فلا ديموقراطية بدون أحزاب”.
واختتم د. بن زير بالقول: “في الختام نُطالب مرة أخرى مجلس القضاء الأعلى بضرورة تفعيل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا حالا وقبل فوات الأوان وفي حالة عدم استجابتهم لذلك فإنهم يتحملون المسؤولية الأخلاقية في زيادة تعقد المشهد السياسي الحالي.. إن تفعيل الدائرة الدستورية سيساهم في حل العديد من الإشكاليات القائمة”.
سيتم تسوية الخلاف بشأن قانون الانتخابات
توقع الباحث والأكاديمي الليبي د. أحمد معيوف، أن يتم تسوية الخلاف بخصوص قانون الانتخابات بشكل أو آخر، مشيراً إلى أن الانتخابات بشقيها الرئاسي والتشريعي هي ليست مطلب محلي فقط، وليست إرادة محلية، فالإرادة المحلية وحتى الحق المحلي من السهل مصادرتها كما حدث في التصويت على مشروع الدستور، وإنما لأن الانتخابات مطلب وإرادة دولية لهذا ستتحقق في موعدها ربما مع بعض التعديلات التي تسمح بالضغط على اللاعبين المحليين.
وأضاف د. معيوف: “كما نعلم جميعاً فإن المجتمع الدولي يريد نظام يتعامل معه، ورئيس يحاوره، وحكومة تنفذ تفاهماتها، ولا يهمه النظام القادم أو الرئيس الذي سيحكم”.
وأردف: “لا يهمه إن كان النظام القادم سيحقق مطالب الشعب وتطلعاته، فهذا آخر ما يفكر فيه، لكن تظل هناك مشكلة وحيدة وهي أن القائمة التي تضم المرشحين للرئاسة والتي نسمع عن الأسماء التي تتضمنها سندرك أن لكل هذه الأسماء داعمين دوليين، بمعنى أن كل مرشج مدعوم بقوة دولة داعمة تستطيع أن تستعمله في رفض نتائج الانتخابات إن لم تكن نتائجها تُحقق وتخدم غرضها”.
واستطرد د. معيوف قائلا: “لذلك الشكوك ليست في إجراء الانتخابات، ولكن في قبول نتائجها، هذا إن تجاوزنا مسألة النزاهة في العملية الانتخابية، فنحن نعلم أن الدولة منقسمة في نفوذها بين قوات عسكرية ليس لها ولاء للدولة ومجموعات مسلحة يمكن تسميتها بدواعش المال العام بجدارة، وقبائل ذات نفوذ، لكن لا آفق لها، ومدن مدججة بالسلاح وأصابع أبنائها على الزناد”.
الانتخابات ستُجرى بضغوطات دولية
أكد الدكتور أحمد علي الأطرش أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة طرابلس، أن الانتخابات ستُجرى بضغوطات دولية على جميع الأطراف، ولكن السؤال الكبير والأهم هو ما سينجم عن الإنتخابات من نتائج وتداعيات، وخاصة في حالة بقاء نفس أسباب الصراع، وبما في ذلك أن الدائرة الدستورية لا زالت معطلة.
اترك تعليقاً