ليس خافيا على أحد التقارب المصري – السعودي، خاصة عندما تحرك الجيش في مصر وأطاح بالرئيس محمد مرسي في 13 يوليو عام 2013م ، وذلك الدعم الكبير الذي قدمته السعودية ودول الخليج للحكم العسكري في مصر، حيث بلغت المساعدات التي قدمت لنظام الحكم الجديد أكثر من 92 مليار دولار أنقذت الاقتصاد المصري من الانهيار نتيجة الأوضاع السياسية المضطربة في مصر ما بعد ثورة يناير، من المؤكد بأن السعودية لا تستطيع أن تستغني عن قوة مصر في ظل التحديات التي يفرضها الواقع العربي بعد سقوط العراق في عام 2003م، وغرق سوريا في مستنقع الحرب الاهلية منذ عام 2011م، فهي تدرك بأنها مستهدفة أكثر من أي وقت مضى ،ايران مدت نفوذها الى العراق وسوريا بموافقة الأمريكيين، وفي اليمن تتدخل إيران وتدعم الحوثيين وعينها ليست على جبال صعدة وعدن فقط، بل على السعودية نفسها، وإن كانت مصر بحاجة ماسة للدعم الاقتصادي السعودي، فإن السعودية أيضا بحاجة لدعم مصر صاحبة أقوى جيش عربي في مواجهة التحديات التي تفرضها طموحات إيران التوسعية.
إن التقارب المصري – السعودي مقلق بالنسبة لنا في ليبيا، لأننا لم نلمس مؤشرات إيجابية في هذا التقارب، وفي 7 إبريل عام 2016م زار الملك سلمان مصر، وهي زيارة أعطت دفعة كبيرة للتقارب السعودي المصري، في أثناء تلك الزيارة تم الإعلان عن مشروعات ضخمة واستثمارات تُقدر بحوالي 16 مليار دولار، تم الإعلان عن مشروع جسر الملك سلمان الذي من المفترض أن يربط ما بين السعودية ومصر عبر البحر الأحمر، ومشروع إنشاء جامعة في سيناء ومشروعات سكنية وزراعية، ومشروع إنشاء مدينة البعوث التابعة للأزهر في القاهرة، وغيرها من المشروعات التي تنوي السعودية تمويلها في مصر.
في 21 يونيو عام 2022م زار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مصر، والتقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وهي زيارة تعد مؤشرا قويا على تقارب مصري – سعودي، وتوافق وتطابق في المواقف ووجهات النظر في كثير من ملفات قضايا المنطقة، ومن أهمها القضية الليبية.
وفي زيارة ولي العهد السعودي لمصر وحسب البيان المشترك المصري – السعودي، تم الاتفاق على تعزيز الشراكة الاقتصادية استثمارياً وتجارياً بين البلدين، وزيادة وتيرة التعاون الاستثماري والتبادل التجاري وتحفيز الشراكات بين القطاع الخاص فى البلدين، وتضافر الجهود لخلق بيئة استثمارية خصبة ومحفزة تدعم عدداً من القطاعات المستهدفة، بما في ذلك السياحة، والطاقة، والرعاية الصحية، والنقل، والخدمات اللوجستية، والاتصالات وتقنية المعلومات، والتطوير العقاري، والزراعة.
كما أُعلن عن صفقات واتفاقيات استثمارية وتجارية ضخمة بين القطاعين الخاصين في البلدين بلغت 8 مليار دولار أمريكي، وتم الإعلان عن عزم المملكة العربية السعودية قيادة استثمارات في مصر تبلغ قيمتها 30 مليار دولار، وأكد الجانبان المصري والسعودي حرصهما على زيادة الاستثمارات بين البلدين وتكثيف التواصل بين القطاع الخاص في البلدين لبحث الفرص الاستثمارية والتجارية وتسهيل أي صعوبات قد تواجهها، كما أعلن عن التعاون في مجال توليد الطاقة المتجددة، وتنفيذ مشروع للطاقة الكهربائية من خلال شركة أكواباور.
في أثناء زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مصر، كان ملف الأزمة الليبية على طاولة الحوار حيث صدر بيان مشترك بشأن الأزمة الليبية، وجاء في البيان المشترك المصري – السعودي: “التأكيد على أهمية البدء الفوري في تنفيذ خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا بدون استثناء أو مماطلة وفي مدى زمني محدد، ودعم دور المؤسسات الليبية واضطلاعها بمسؤلياتها، ومن بينها القرارات الصادرة عن مجلس النواب الليبي كونه الجهة التشريعية المنتخبة والمعبرة عن تطلعات الشعب الليبي، والتشديد على أهمية جهود اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 ولدورها في حفظ اتفاق وقف إطلاق النار، وحماية استقرار ومقدرات ليبيا”.
ونحن في ليبيا نُبارك أي تقارب عربي – عربي، ونؤيد كل جهود ومساعي العمل العربي المشترك، وليس لدينا أي تحفظ تجاه الدعم الاقتصادي السعودي لمصر، ويهمنا أن ينعكس هذا التقارب إيجابيا على مشهد الصراع في ليبيا، ويدفع باتجاه دعم التوافق السياسي لإنهاء الصراع وإنقاذ ليبيا من مصير مجهول، إلا أننا نخشى من الانعكاسات السلبية لذلك التقارب، وهو ما نراه فعلا من مواقف لا تصب في مصلحة الشعب الليبي، بل هي مواقف داعمة لحفتر ومشروع العسكر في ليبيا، وبالتالي تأجيج الصراع واستمرار الحرب في ليبيا، والتي تكلف الشعب الليبي ثمن باهظ إنسانياً واقتصادياً.
عندما يقول الملك سلمان أمام البرلمان المصري في عام 2016م: “بأنه يدعم إنشاء قوة عربية مشتركة لمكافحة الإرهاب”. فإن هذا الأمر يقلقنا لأننا ندرك جيداً بأن فكرة القوة العربية المشتركة قد طرحتها مصر في قمة شرم الشيخ في مارس عام 2015م، وهي تريد أن تجعل منها غطاءاً لتدخلها في ليبيا وبدعم وتمويل عربي لمساندة خليفة حفتر وإقامة نظام حكم عسكري موالي لها في ليبيا.
لم يتغير الموقف السعودي تجاه الأزمة الليبية وأطراف الصراع على الرغم من التقارب السعودي – الإماراتي – التركي مؤخرا، والذي من المفترض أن يكون له انعكاس إيجابي على الأزمة الليبية. مواقف محمد بن سلمان في مصر اليوم في عام 2022م لا تختلف عن مواقف الملك سلمان في عام 2016م، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عندما يتوافق مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وكما جاء في البيان المشترك: “على أهمية البدء الفوري في تنفيذ خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا بدون استثناء أو مماطلة وفي مدى زمني محدد”. فهذا يعني رغبة كل من مصر والسعودية في خروج القوات التركية تحديداً من ليبيا، رغم أن تواجدها جاء باتفاقية شرعية ومعلنة وقعت في 27 نوفمبر عام 2019م، السؤال هنا.. هل يتعامل المصريين والسعوديين في ملف القوات الأجنبية والمرتزقة بنفس السياسة تجاه تواجد مرتزقة الفاغنر الروس في ليبيا؟. لماذا الحديث دائما عن تركيا وغض الطرف عن الروس، والمرتزقة الأفارقة الذين يتم جلبهم من السودان وتشاد بتمويل إماراتي؟. جاء في البيان المشترك المصري – السعودي أيضا: “دعم دور المؤسسات الليبية واضطلاعها بمسؤلياتها، ومن بينها القرارات الصادرة عن مجلس النواب الليبي كونه الجهة التشريعية المنتخبة والمعبرة عن تطلعات الشعب الليبي”. إذا كان الموقف المشترك لكل من مصر والسعودية مازال يعتبر في أن مجلس النواب هو الجهة الشرعية المنتخبة والمعبرة عن تطلعات الشعب الليبي بعد كل الكوارث التي تسبب بها في ليبيا من حروب ودماء ودمار، وشرعنته للتدخلات الأجنبية، وعرقلة إجراء الانتخابات، فإن هذا التوافق المصري – السعودي يعد مؤشرا قوياً على استمرار كل من مصر والسعودية في انتهاج نفس السياسة المعادية للثورة الليبية، وأن مسألة استقرار ليبيا أمر صعب وبعيد المنال في ظل هذه المواقف العربية المعادية للدولة الليبية.
بالتزامن مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لمصر، وتوافق وجهات النظر المصرية – السعودية تجاه الأزمة الليبية صدر بيان عن وزارة الخارجية المصرية في 22 يونيو عام 2022م، وهو يمثل موقف مصري متطرف تجاه ليبيا وتدخل سافر في الشأن الليبي، جاء في البيان المصري: “الخارجية المصرية تنفي التصريحات المنسوبة للقائم بأعمال سفارة مصر بطرابلس التي نقلتها خارجية حكومة الوحدة الوطنية بشأن إدانته لما يتعرض له الليبيون في المنافذ المصرية، ليس من المستغرب أن تحاول بعض الأطراف تناول بيانات غير دقيقة خاصة مع انتهاء خارطة طريق ملتقى الحوار وولاية حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عنه”.
يبدو بأن مصر التي بدأت في تصعيد لهجة العداء لحكومة الوحدة الوطنية قد ضمنت دعم السعودية لسياساتها في ليبيا، والبيان المشترك المصري – السعودي وما جاء به بشأن ليبيا دليل على ذلك.
لم يتأخر رد حكومة الوحدة الوطنية، في اليوم التالي 23 يونيو عام 2022م جاء الرد من وزارة الخارجية الليبية، وجاء فيه: “بيان الخارجية المصرية بشأن خارطة طريق ملتقى جنيف تدخلا في الشأن الليبي وتعديا على السيادة الوطنية، ليس لأي دولة أن تحدد تاريخ بدء أو انتهاء المواعيد السياسية واتفاق جنيف أكد على انتهاء المرحلة الانتقالية بإجراء الانتخابات وجعل المواعيد تنظيمية وليست ملزمة”. كما جاء في بيان وزارة الخارجية الليبية: “رد الخارجية المصرية فيما يتعلق بشكوى المواطنين الليبيين على الحدود المصرية مجاف للواقع والحقيقة وفي غير محله”.
إن التغيرات المستجدة في المنطقة العربية، والتقارب مؤخرا بين تركيا والسعودية والإمارات، والتقارب المصري – السعودي والمؤشرات السلبية لهذا التقارب، وزيارة أمير قطر إلى مصر في 24 يونيو عام 2022م بعد سنوات من القطيعة، كل ذلك يحتم على القوى الوطنية في ليبيا أن تعيد حساباتها، وتحشد قواها الذاتية، وأن تستعد لمعارك تاريخية كبرى لاستعادة السيادة الوطنية، وإنقاذ ليبيا من أجندات الدول المتصارعة على النفوذ والمصالح على الأرض الليبية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً