أصدر مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع بدار الإفتاء بياناً بشأن مستجدات الحوار السياسي وذلك يوم الجمعة الماضية بتاريخ الرابع من ذي الحجة 1436هـ الموافق 18 سبتمبر 2015م ذكر فيه جملة من النقاط أود أن أبدي بعض الملاحظات عليها من باب التوضيح والتعقيب، لاعتقادي أن منطوق البيان يشير إلى أنه صدر بناءً على معطيات، غير مستكملة لمقتضيات الدقة والشمول.
ومن باب النصح للمجلس فقد كان من المناسب أن يطالب المجلسُ المؤتمرَ الوطني العام بإضافة مستشار متخصص في علوم الشريعة الإسلامية إلى فريق الحوار ليتمكن المجلس من بناء صورة واضحة عما يجري نقاشه في الحوار.
وربما يمكن التذكير أيضا بأنه كان علىى المجلس الاستجابة للدعوة التي وجهت لدار الإفتاء، من قبل بعثة الأمم المتحدة للدعم، لحضور جولات الحوار حتى يتسنى الاستفادة من خبرة مجلس البحوث في القضايا المتعلقة بصحة الاتفاق من الناحية الشرعية، ويتمكن ممثلو المجلس من إبداء ملاحظاتهم، التي لا شك ستكون مفيدة، بشكل آني، وأثناء صياغة الاتفاق.
وربما يكون من المناسب للمجلس التواصل مع أصحاب الكفاءة من الخبراء السياسيين والقانونيين حتى تكون ملاحظاته المفيدة لا شك أكثر التصاقاً بواقع المواضيع التي يعلق عليها من وجهة نظر شرعية، تأصيلية، وقد تبينت لي بعض الملاحظات من خلال قراءة بيان المجلس الأخير المتعلق بمسودة الاتفاق السياسي:
1) في الفقرتين؛ الأولى والثانية، من النقطة الأولى ذكر المجلس أن هذه المسودة تُعد وثيقة دستورية حاكمة، مع أن الاتفاق حال توقيعه وإقراره واعتماده سيكون جزءً من الوثيقة الدستورية الحاكمة بالإضافة إلى الإعلان الدستوري وتعديلاته.
مما يعني بالضرورة أن أثر هذا التعديل الجديد للإعلان الدستوري لا ينصرف إلى نصوص الإعلان الدستوري وتعديلاته السابقة، إلا ما يتعارض منها مع التعديل الجديد، وبالتالي كل التعديلات الدستورية التي صدرت بطريقة دستورية سليمة، ولا تتعارض مع التعديل الدستوري الجديد تبقى نافذة ولا تمس.
كما أن كل النصوص التي لم يُعد تنظيمها (المسكوت عنها) تبقى نافذة ولا تمس. وأما التي أعيد تنظيمها صراحة أو ضمناً فإن العبرة فيها بالنص الجديد.
وهنا وجبت الإشارة إلى أن النص القديم المتعلق بمصدر التشريع والذي تضمنه الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الانتقالي أو التعديل الثامن الذي أصدره المؤتمر الوطني العام مؤخراّ، طالما أنه صدر بطريقة دستورية صحيحة فإنه قائم ويُعد نصاً له السمو في إصدار القوانين ويقع باطلاً كل قرار أو قانون يخالفها.
وبناء على ذلك فإن تعديل المادة الأولى في الإعلان الدستوري الثامن والذي أصدره المؤتمر الوطني العام، والذي ينص على أن ليبيا دولة مسلمة، وأن الشريعة الإسلامية هي مصدر كل تشريع، ويعد باطلاً كل تشريع أو عمل أو تصرف يصدر بالمخالفة لأحكامها ومقاصدها، ما زال قائماً، طالما أنه أصدره المؤتمر الوطني العام بطريقة دستورية صحيحة.
ورد في بيان المجلس الموقر: “إلغاء جميع القرارات الصادرة من المؤتمر الوطني العام من 4 أغسطس 2014 إلى وقت التوقيع عليها، ينسف كل ما تحصل عليه الشعب الليبي في التعديل التاسع للإعلان الدستوري بشأن تحكيم الشريعة الإسلامية وإبطال كل ما يخالفها”، وهو تعبير ينقصه بعض الدقة. إذ إن المادة (72) من المسودة تنص على إلغاء كافة القرارات والقوانين التي تتعارض مع بنود هذا الاتفاق بملاحقه” مما يعني أن القرارات التي صدرت بطريقة دستورية صحيحة لا تلغى.
2) ذكر المجلس “أن يكون التحاكم في أي نزاع” إلى “قضاة وغيرهم لا إلى أطراف خارجية” فإن المادة (70) نصت على أن ((يحال أي نزاع قانوني حول تفسير أو تطبيق الاتفاق السياسي الليبي وملاحقه إلى لجنة برئاسة مستشار من المحكمة العليا ترشحه الجمعية للمحكمة ويوافق عليه الطرفان. وبعضوية اثنين من كل من مجلس النواب ومجلس الدولة تختارهم جهاتهم وتشارك بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في أعمال تلك اللجنة كمستشار. وتتخذ اللجنة قرارتها بأغلبية أعضائها، خلال مدة لا تتجاوز أربعة عشر يوماً (14) من تاريخ عرض الطلب عليها، وتكون قرارات تلك اللجنة نهائية ومُلزمة ومعلنة)).
وهنا وجب التوضيح بأن بعثة الأمم المتحدة تشارك بوصفها مستشاراً وليست عضوا باللجنة، مما يعني أنها لا تشارك في القرار ولا في التصويت عليه. وهذا مطابق لما أصدره مجلس البحوث التابع لدار الإفتاء في 30/6/2015م حيث أقر المجلس “مساعدة غير المسلم للمسلمين في فض نزاعاتهم التي لم يستطيعوا للأسف حلها وحدهم”. وبالتالي فإن مشاركة بعثة الأمم المتحدة بتقديم المساعدة للمسلمين في فض نزاعاتهم كمستشار، لا تُعد من باب التحاكم إلى أطراف خارجية.
3) ذهب المجلس، في الفقرة الخامسة من بيانه، إلى حث “ولاة الأمر”، وتنصرف هذه الصفة إلى فخامة رئيس المؤتمر الوطني العام الذي يمتلك جل صلاحيات المؤتمر الوطني العام إن لم يكن كلها، بـ “ألا يسلموا الأمانة التي في أعناقهم إلا لمن يخاف الله تعالى في عباده، ولا يمكنوا منها من يعلن عداءه للشريعة صراحة، لأن التصريح بالعداء لشريعة الله يخرج عن الملة والعياذ بالله، يجب على كل مسلم أن يتبرأ منه ويتنزه عنه ولا يُعين عليه”.
هنا وجبت الإشارة إلى أن ولاة الأمور يلزمهم الإعلان الدستوري وتعديلاته وأحكام القضاء ويلزمهم أيضاً أي اتفاق سياسي يوقعون عليه وعليهم الالتزام بتطبيقه.
لذا وتفادياً لاستغلال الساسة لهذا الكلام استغلالاً معيباً؛ فإن خطاب المجلس كان ينبغي أن يوجه إلى الشعب الليبي وبالذات الناخب الليبي بأن لا يمكن هؤلاء المنابذين للشريعة إلى منصب ولي الأمر وأن يسعوا لتقديم القوي الأمين من الأخيار إلى هذه المسؤولية وهذه أمانة ثقيلة أوجبها الله على أهل العلم باستثمار المنابر ووسائل الإعلام للوعظ والإرشاد وتعليم الناس وإرشادهم إلى عظم المسؤولية وثقل الأمانة وأن تكون اختياراتهم وفق المعايير التي على ضوئها يحسنوا الاختيار لمن يمثلهم.
هذا والله أعلم وهو حسبي وإليه المصير
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً