كان من المنتظر أن يُستأنف الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة يوم 9 ديسمبر الماضي، إلا أن رغبة بعض الأطراف في إنجاح هذا الحوار عن طريق التحضير الجيد له، جعل المندوب الأممي برناردينو ليون يؤجله لعدة أيام.
هناك قناعة من العديد من الأطراف الفاعلة في ليبيا أن لا مخرج من الإنتهاكات والتقاتل بين أبناء الوطن الواحد إلا بالحوار، وما من حرب طال أمده وإتسع أواره إلا وكان نهايته تسوية سلمية بين الأطراف المتنازعة.
إلا أن إشكالية المشهد الليبي يتمثل في تحديد عناصر الحوار الهادف وهي:
- أطراف الحوار.
- الثوابت التي يجب مراعاتها عند الحوار.
- تحديد اهداف الحوار.
- الفترة الزمنية للحوار.
ويعزى صعوبة مباشرة الحوار إلى تشظي الواقع الليبي إلى فرقاء عديدون، فهناك مجلسين نيابيين؛ المؤتمر الوطني الذي لم يقوم بتسليم عمله رسمياً، وله معارضوه من داخله، ومجلس النواب الذي أصبح لاغيا بفعل قرار المحكمة الدستورية، وبذلك إعتزله الجزء الأكبر من أعضائه، ثم القوتين الفاعلتين على الأرض وهما قوة جيش الكرامة في الشرق الليبي مقابل فجر ليبيا في المنطقة الغربية. وهذا التشظي الشمالى جعل هناك حروب في الجنوب بين التبو والطوارق/الزوية، الأول بدعم الكرامة والثاني بدعم فجر ليبيا. أما عن الحكومات في الشرق والغرب فهما مسلوبتان الإرادة، ويمكن تخطي أي منهما، ولا دور لهما في الحوار القادم.
وترتبط البنود السابقة فيما بينها إرتباطاً عضويا، فالفعاعلين على الأرض، وهم مجموعة الكرامة وفجر ليبيا يستمدان شرعيتهما من السلطات التشريعية الموالين لها، وتوابث الحوار تعتمد على وجهة نظر هؤلاء الفرقاء كل من ناحيته، وأهداف الحوار تعبر عن المكاسب المتوخاه من الحوار تبعا للإصطفاف السابق.
إن إصطفاف القوى المتقاتلة وهي: المؤتمر الوطني/ فجر ليبيا الذي يتضمن الدروع، والمجالس العسكرية بالمنطقة الغربية والجنوبية، ومجلس شورى ثوار بنغازي، وهم معظمهم من الثوار الذين أزاحوا الكتائب الأمنية للحكم السابق، مقابل ذلك مجلس النواب بطبرق/الكرامة والذي يتضمن قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورجالات الأمن في العهد السابق، وكتائب القعقاع والصواعق التابعة للزنتان، وقوات جماعة ربيع المدخلي الوهابية. هذا الإصطفاف لا يستند إلى أسباب أيديولوجية أو عرقية، بل إلى مصالح فئوية أنية، وتدعمها الجهوية، والرغبة في التغيير أو العودة إلى النظام السابق، ويزيد من سؤ جذوتها تدخل القوى الخارجية (مصر والإمارات) لمساعدة طرف ضد آخر من أجل جني المكاسب بعيداً عن الخيار الوطني.
ورغم توافق وتناغم طرف المؤتمر الوطني/ فجر ليبيا في تحديد ثوابت الحوار مثل إحترام الدستور وإحترام حكم القضاء وإحترام تطلعات الشعب الليبي نحو بناء الدولة الديموقراطية الحديثة وهو ما يعبر عنه بأهداف وتطلعات ثورة السابع عشر من فبراير، وتضيف هذه المجموعة إلى ثوابتها عدم وجود حوار مع رجالات الحكم السابق ولا مع الإنقلابييين الذين يريدون إنهاء المرحلة الإنتقالية وتأسيس مجلس عسكري مناظر لما في مصر.
أما عن جبهة مجلس النواب/ قوات الكرامة، فهناك تباين واضح بين جل المنتمين إليها، فمجلس النواب، يضع شروط كثيرة لبدء الحوار منها الإعتراف بالمجلس أنه الوحيد والشرعي لمباشرة الحوار وأن فجر ليبيا منظمة إرهابية وأن المؤتمر لا شرعية له، بل أن حكومة مجلس النواب لا ترى فائدة من الحوار، وأن الحسم يكون عسكرياً إذا ما تم تقديم الدعم النوعي لقوات الكرامة. أما المنتمين للكرامة فلهم وجهة نظر أخرى مفادها أن مجلس النواب يجب أن يؤسس لمجلس عسكري يقوم بتوحيد البلاد والقضاء على الإرهاب، وهو ما يؤسس لسيناريو مشابه للتجربة الرومانية أوالمصرية، وهذا المحور يسعى إلى الحوار مع رجالات العهد السابق وإرجاعهم إلى البلاد بعد إلغاء قانون العزل السياسي، وإذا كان هناك حوار فيجب أن يكون مع النواب المقاطعين الذين أعلنوا تخليهم عن البرلمان قبل وبعد صدور قرار المحكمة الدستورية.
ومع وضوح معالم الإصطفاف الداخلي وإستمراره لدعم القوى المتصارعة، يكون ترجيح كفة أي منهما على دعم المجتمع الدولي، ففي جانب مجلس النواب/ الكرامة نري دعم مصر والإمارات جلياً بالمال والعتاد وبالقوة الجوية الهجومية، وسعيهما المحموم لفرض حضر الطيران من وإلى مطارات غرب ليبيا، وحتى السعودية سعت إلى إستدعاء وزير النفط التابع لحكومة مجلس النواب إلى إجتماع الأبيك لمنحها الشرعية، إضافة إلى الزيارات المكوكية لرئيس وزراء مجلس النواب، إلا أن مصدقية هذا المحور قد إهتزت كثيرا بعد صدور حكم المحكمة الدستورية بإلغاء مجلس النواب.
دوليا كذلك نري هناك إتفاق على إدراج أنصار الشريعة ضمن المجموعات الإرهابية، وإختلافهم بشأن قوات حفتر، فالبريطانيون يسعون إلى إدراج الكرامة ضمن القوى الإرهابية وتقييد الخناق عليها وعلى قادتها وفرنسا تعارض ذلك، ويمكن تبرير موقف فرنسا من إرتباط الكرامة بكتائب التبو بقيادة عيسى عبد المجيد في الجنوب الليبي المناوئة لقوات الطوارق الرافضين للإحتلال الفرنسي لمالي. ومما لا شك فيه أن وضع حفتر ضمن القوى الإرهابية وإيقاف دعمه بالسلاح سيكون بداية النهاية لمجلس النواب وعملية الكرامة على حد سواء، إلا أن ما يحول دون ذلك الإتفاق الضمني بين الإمارات والسعودية ومصر وبمباركة من فرنسا لتصفية إنتفاضات الربيع العربي
ورغم هذا الإختلاف الكبير في وجهات النظر وما يعتريه من سجال القذائف إلا أن معظمهم يتفقون على تكوين الدولة المدنية والتداول السلمي للسلطة وأهمية تكوين الجيش والشرطة، ولكن كل حسب ثوابته وشروطه.
وهكذا فإن أفق نجاح الحوار يتضاءل كلما زاد وتعمق تدخل دول الجوار، والذي يشجع على سلوك النهج العسكري والأمني للتخلص من الخصوم رغم الخسائر الباهضة في الأرواح. فالكرامة تأمل أن يكون لنشر الرعب والقصف الجوي لمدن غرب ليبيا ردة فعل من داخل هذه المدن من أجل دعم الكرامة والتخلص من قوات فجر ليبيا، وفجر ليبيا ترى أن إستقرار الأوضاع في العاصمة ومدن الغرب الليبي، وعدم إنصياع بنغازي للكرامة كفيل بإفشال مشروع الإنقلابيين مهما كانت قوتهم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً