(نندد ونستنكر!): هل هي جملة يتداولها بعض مسؤولي الدول كمواقف حيال أحداث تمس حق شعوبهم ودولهم؟!؛ (نسب المشاهدة المليونية !): هل هي المعيار السليم لتقييم نجاح شاشات الإعلام ومواقفهم حيال ما يدور من أحداث؟!
نستطيع القول أن صناع الحروب على وجه العموم يستمتعون بتجربة المشاهدة الواقعية لمعاناة الشعوب وأزماتهم، لاسيما وهي في ظل تحقيق أهدافهم وغاياتهم أيضا، وإلا فلم صناعة الحروب يا ترى؟!، أم علهم أرادوا أيضا أن يوسعوا من نطاقها لتتسع متعة مشاهدتهم والتي هي في ظل اتساع أهدافهم وغاياتهم أيضا؟!، تتسع المشاهدة وتتعدد أحداث المآسي والمعاناة الواقعية، ليحظوا بمشاهدة وقائع دراما اللاإنسانية. نسب مشاهدة عالية فاقت دور سينما هوليود والأفلام التقليدية. علهم سإموا مشاهدة الأفلام التقليدية فانتقلوا إلى أفلام واقعية تدار بصناعة الحروب!، فهو واقع لا يحتاج إلى إعادة مشهد، وفي ظل تحقيق كل أهدافهم وغاياتهم أيضا.
أجل إنها صناعة المشهد والحدث، كواقعية مأساة أب يفقد طفله الدرة في حرب فرضت على وطنه، مأساته في فقدان طفله وهو يحميه ويحتضنه وسط وابل من الرصاص والنيران الكثيفة، دموع وحرقة واقعية لفقدان ذاك الأب لطفله وهو بداخل وطنه في ذاك المشهد الذي لا يحتاج إلى قراءة نص أو إعادة تمثيل فهو واقع مصور قد بث حصريا ولا يمكن أن تنساه الإنسانية، وفي المقابل نرى الاحتفال بنجاحات في نسب المشاهدة المليونية للبث الحصري!، فيديوهات حصرية لمآسي ومعاناة الشعوب تباع بأغلى الأثمان لكي تذاع حصريا على شاشات نسب المشاهدة المليونية .. أهي مواقف أيضا لوسائل الإعلام؟!.
أكل هذا ليحظى الممولون – صناع الحروب على وجه العموم – بالاستمتاع بمشاهدة من يطلب المساعدة ومن يستغيث من هول ما لقى ؟!، أكل هذا ليشاهدوا واقعية مقتل أطفال وترميل نساء وقتلى وأشلاء ؟!، آخرها أطفال يلقون حتفهم مع أهاليهم وعديد الأرواح على شواطئ الهجرة من الواقع الذي فرض على بعض شعوب العالم من حروب فرضت عليهم مما اضطرهم للهجرة بمراكب الكمبرس الذي يؤدي دوره هو الآخر بطبيعة الحال !، وفي ظل كل ما يحيكون أيضا من أهداف وغايات بصناعة كل الحروب على وجه العموم، اللهم اهزم الشر في كل مكان وابسط الخير على الأرض كلها يا كريم.
الكل شاهد الحادثة ومأساة الآونة الأخيرة، حادثة الأطفال والعائلات، حادثة جثث انتشرت على شواطئ الهجرة التي تتاجر بها بعض عناصر الشر عبر مراكب هشة للهجرة، تتاجر بهم باستغلال معاناتهم وواقعهم واضطرارهم لاتخاذ مثل هذه الخيارات السيئة وخيمة العواقب، وقبل أن أنتقد المسؤولين من كافة الدول على مواقفهم حيال هذه الحادثة وغيرها، أود أن أوضح أولا لكل من يرغب بالهجرة عبر هذه المراكب الهشة أن هذه الطريقة ليست هي الحل السليم فستصبح حينها كمن يعالج مرضه بأن يقتل نفسه بيده، ولعل الصبر في الأوطان يا أخي أفضل وأبر فلا تدري لعل الله يحدث بعد الصبر أمرا، قال تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، وقال تعالى: (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا).
ومن هنا أنتقل إلى نقد المسؤولين أصحاب القرار، من حملوا مسؤولية رعاية الشعوب، ففي ظل مثل هذه الأحداث وغيرها غالبا ما نراكم تخرجون على الشاشات بحلول تتمثل ببساطة في كلمتين هما: ( نندد ونستنكر ! )، فلماذا غالبا ما نرى الحل منكم يتمثل في تلك الجملة يا مسؤولي الدول وساستها ؟!، إلا ما رحم ربي منكم.
حدث تلو الحدث نرى هذه الجملة هي الأكثر انتشارا بين المسؤولين على شاشات العرض، ولا ننسى شاشات العرض أيضا فهي ببساطة تستطيع الدخول لتصوير الحدث في قلب الحدث بتمويل غير عادي !، بينما لا يستطيعون محاولة التقنين من هذه الأحداث بالسعي في حلها !، والضغط على المعنيين في جميع الدول بأخذ التدابير حيالها بالتحاور والتشاور وعدم الانفكاك عن الحدث حتى يتم استدراكه ومعالجته والحرص على عدم حدوثه ثانية وتكراره، قال تعالى: (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، فكثير من شاشات العرض اليوم لا تأبه إلا لتحصيل نسب المشاهدة العالية، وترى في نجاحها بأن تنافس على هذا الرتم وهو حصد أكثر نسب مشاهدة !!، بيوت تهدم ومدن تهوي بها الحروب واحدة تلو الأخرى، ولاجئون أرواحهم على شواطئ المتوسط، وهذه الجملة تتردد على مسامعنا دائما في كل حدث وكأنها هي الحل : نندد ونستنكر !، إن نجاح شاشات الإعلام أيضا من المفترض أن يكون بناءا على عدد الحلول التي سعت في جلبها وتمت ترجمتها على الواقع، فبناءا على هذا التقييم للنجاح كم يا ترى من شاشات الإعلام على مستوى العالم تستحق أن يطلق عليها ناجحة وبجدارة ؟!، فهي التي يطلق عليها السلطة الرابعة باعتبارها الأقرب من الشعوب وحلقة الوصل بينهم وبين مسؤوليهم على وجه العموم !.
نحن الشعوب عندما نندد ونستنكر مثل هذه الأحداث قد يكون ذلك منطقيا، أما أن تكون جملة نندد ونستنكر هي الحل عند المسؤولين فيكتفون غالبا بالتلفظ بها لإراحة ضميرهم تجاه شعوبهم في أزماتهم والمآسي التي تحدث لهم ! ولإثبات وجودهم في ظل مثل هذه الأحداث والمآسي بهذه الجملة فقط ! فهذا شيء غير منطقي البتة، فعلى الأرجح عندما لا يصبح باليد حيلة الأفضل لها أن ترتفع لتدعو الله وحده بأن يلهمنا الصبر والحلول بالتفكير السليم والسعى والعمل لإنهائها لا أن يكتفي لسان المسؤول فقط بجملة لا تقدم ولا تؤخر كجملة نندد ونستنكر !، أيوظف القول ويستقيل الفعل من المسؤولين في مثل هذه الأمور ؟!، وإذا كان دور المسؤول في كل حدث هو أن يندد ويستنكر فقط، فما دور المواطن إذن ؟!، من وجهة نظري أن المواطن عندما يندد ويستنكر مثل هذه الأمور فهذا شيء منطقي يقبله العقل بحجم المسؤولية التي تقع على المواطن مقارنة بحجم المسؤولية التي تقع على المسؤول فالعمل أبلغ من القول للمسؤول في مثل هذه الأمور.
سأنهي مقالتي هذه بإحدى قناعاتي والتي لربما يوافقني عليها الآملون دائما : ( لا يوجد شر مطلق على وجه العموم بل حيثما وجد الشر هناك خير في المقابل ومهما كثر الشر هذا لا ينفي وجود الخير بتاتا والغلبة للخير في نهاية المطاف بإذن الله ولا محالة من ذلك أبدا )، لذلك لا أنفي وجود المحسنين العاملين بالخير على إيجاد الحلول وترجمتها على الواقع في ظل نقدنا على وجه العموم، بل كان النقد تسليط الضوء على قلة العمل بين البعض منهم، وللتذكير والتشجيع على العمل أكثر فأكثر، ولكي لا أكون من الجاحدين أقول شكرا لكل العاملين على الخير بالعطاء، فإن عطاء الخير لا ينفذ، الخير لا ينعدم من الوجود بفضل الله، فقط نذكر ليزداد التفكر والتدبر في صناعة الحلول بالخير وترجمتها على الواقع من أفضل لأفضل هذا هو الهدف، فهناك أمور على المسؤولين أن يوظفوا فيها العمل لا أن يكتفوا بالقول والتأسف في الأزمات والمآسي التي تعاني منها الشعوب، فالرسالة بصريح العبارة لكم يا مسؤولي الدول ويا أصحاب القرار : أحسنوا العمل فإن الجزاء من جنس العمل، آمل أن تستبدل جملة : ( نحن نندد ونستنكر ما حدث ) بجملة: ( نحن نعمل ونحسن التدابير لإجراء ما يلزم حيال ما حدث )، وإلى كل شاشات الإعلام: ( آمل أن تقيموا نجاحاتكم بناءا على توصلكم للحلول في محاورة المسؤولين حيال كل حدث، ومتابعة الحلول بترجمتها على الواقع، فليست النجاحات بإثراء النقاش وازدياد نسب المشاهدة فقط).
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً