تستفزني بيانات الإدانة التي تصدر عن الجهات الرسمية وخاصة السلطة التنفيذية أي الحكومة فكلما حدث اعتداء إرهابي على النقاط الأمنية أو اعتداء خارجين على القانون على المنشآت الحيوية والاقتصادية للدولة لاستيفاء مطالبهم تنهال علينا بيانات الادانة والاستنكار والمطالبة بالتحقيق العاجل والشفاف والقبض على الفاعلين.
السلطة التنفيذية أي الحكومة موكول لها وحدها مسؤولية حماية البلاد وساكنيها من مواطنين وأجانب وتسهيل حياتهم . وعند وقوع اعتداء بأي شكل كان فان من واجب الحكومة الأول التحقيق وهو فعل من تحصيل الحاصل ولا عليها أن تبلغ الناس بأنها تطالب نفسها بالتحقيق وانما عليها أن تفعل ذلك تلقائيا. غير أن ما يتوقعه المواطنون هو مساءلة الأجهزة الأمنية أو الخدمية كلا حسب اختصاصه وتخصصه . ويتوقع الناس مراجعة انضباطية وحرفية المسؤولين فان وضح خلل في التعيينات فان الناس تتوقع مراجعة الترتيبات الأمنية وتطويرها والاستعانة بخبراء في هذا المجال ومحاسبة المسؤول المقصر وابعاده عن منصبه واحلال عنصر آخر أكثر كفاءة وخبرة.
هذا ما لم نره خلال السنوات العجاف .. بل رأينا تمسكا بأشخاص في مناصبهم رغم فشلهم وايجاد المبررات لحمايتهم من المساءلة أو الاقصاء.
عندما تمرد الجضران المكلف بحماية المنشآت النفطية وخرج على القانون واحتل موانئ النفط لأول مرة وأصبح حاميها حراميها .. أصدر المؤتمر الوطني العام حينها قرارا بتشكيل قوة مسلحة لاستعادة الموانئ من مغتصبها.. يومها.. انبرى مجموعة من الأعيان في المنطقة الشرقية وأعضاء في المؤتمر الوطني العام للحيلولة دون تنفيذ ذلك القرار بحجة التهدئة ومنع اراقة الدماء وأنهم سيسعون الى حل سلمي.. وبذلك التصرف تمت حماية المعتدي الخارج عن القانون وأصبح رقما مهما في المعادلة الليبية أوصلته لأن يعين مندوبا له في المجلس الرئاسي!!!
عندما ارتفع أعداد المغتالين في المنطقة الشرقية .. استدعى المؤتمر الوطني العام حكومة زيدان للمساءلة وتوضيح الاجراءات التي اتخذتها حكومته لوقف الاغتيالات. قال وزير الداخلية يومها بأنهم مسيطرون على الوضع وسيتم استجلاب المشتبه فيهم للعدالة .. وقال وزير العدل يومها أن قوائم المشتبه فيهم مرصودة وأن الحكومة في حاجة الى وقت اضافي لاستكمال تجميع الاستدلالات.. حجة حكومة زيدان كانت أنها لم تمض وقتا كافيا في السلطة وأن الموضوع يحتاج الى مزيد من الوقت..
كانت الحجج مقبولة فقد كانت منطقية الى حد ما خاصة وأن وعودهم بالقاء القبض على الفاعلين أصبحت مسألة وقت لا غير كما كانوا يقولون ويدعون!!!
وعندما وضحت معالم سيطرة الدواعش على مدينة سرت . كلف المؤتمر الوطني العام قوة مسلحة لاعادة سرت الى حضن الوطن. يومها كما سمعت من أعضاء في مجلس مصراته البلدي بأن أعيان من سرت تدخلوا لحقن الدماء وأنهم سوف يتكفلون باعادة الأمور الى نصابها!! وبذلك أعطيت الفرصة لتنظيم الدولة للسيطرة على سرت. وكان ثمن اخراجهم منها باهظ الثمن آلاف من شباب مصراته وغيرها من المدن الليبية استشهدوا وآلاف من مبتوري الأطراف والجرحى .. نسأل الله احتساب من قضو من الشهداء ويعجل بشفاء المتضررين.
وفي أكثر من مناسبة صادمة تعد الحكومات المتتالية بأنها فتحت التحقيقات ولم نسمع بأي نتائج لها.احتدم الخلاف السياسي بين الفرقاء الليبيين .. و دخلت ملفات التحقيقات طي النسيان وصارالاهتمام وتركز في كيف نوحد البلاد ومؤسساتها .. ومن يتولى المناصب ومن نستبعده.. وكيف نخرج من المحنة التي تعصف بالدولة.
في خضم التحول من مشكل الى آخر .. اختلط الأمر على الكثيرين فاصبحوا لا يفرقون بين مهام السلطة التشريعية ومهام السلطة التنفيذية ومسؤوليات كل منهما .. يطالبون الأجسام التشريعية بأن يفعلوا ما هو ضمن الاختصاص الحصري للسلطة التنفيذية. فما بالكم عندما تتعدد السلطات التشريعية وتتعدد السلطات التنفيذية.. ويختلط الحابل بالنابل.
الاعتداء على بوابة عين كعام الأخير لن يكون الأخير .. فهذا التنظيم الشرس سيعيد ويكرر اعتداءاته.. ولا أتصور أن بيانات الادانة وحدها سوف تردعه أو توقفه عن سفك دماء الأبرياء من المواطنين ومحاولة اقامة دولتهم المزعومة في ليبيا التي تعاني من التفكك والانقسامات ولا سبيل لحماية الدولة الا بانهاء هذا الانقسام والنظر الى المستقبل لبناء الدولة الواحدة الموحدة.
لكي يطمئن الرأي العام لابد أن يرى اجراءات قد اتخذت ضمن المتابعات الدقيقة والمتواصلة للأوضاع الأمنية في الدولة. فالمشاكل التي تعاني منها الدولة سببها الرئيس هو الأمن الغائب وفي أحسن الأحوال الضعيف جدا. هذه مسؤولية الحكومة التي يعترف بها العالم ويعترف بها البعض من أبناء شعبها.
المجلس الرئاسي كسلطة تنفيذية لم يتناول ملف الترتيبات الأمنية التي نص عليها الاتفاق السياسي بجدية ومسؤولية واستحقاق وطني عاجل ومهم وربما تصرف بحسن نية بضمه للتشكيلات المسلحة تحت امرة وزارتي الداخلية أو الدفاع .. غير أن هذا الاجراء لم يكن كافيا ولعله أوقعنا في حيرة: من يتبع من؟! بمعنى هل هم يأتمرون بأوامر الوزارة التي ضموا لها أم أن الوزارة تأتمر بأمرهم؟!!
مجلسا النواب والدولة من مهامهما الأولى الابتعاد عن المناكفات واقامة الحجج ضد بعضهما.. واختلافهما أحدث فراغا هائلا يتمثل في عدم وجود جسم تشريعي يحاسب الحكومة أو يقيلها أو يطلب تعديلا في حملة بعض حقائبها.. عليهم السعي للجلوس معا كليبيين لحل المشاكل التي يعاني منها الليبيون من أجل بلدهم ليبيا التي تهمهم جميعا بدون استثناء لأحد. فخلافاتهم فرصة سانحة لتنظيم الدولة الاجرامي لمواصلة هجماته .. وفرصة للخارجين على القانون لارتباك المزيد من أعمالهم الاجرامية .. وفرصة أكبر وأكبر للحكومة أن تتهرب من مسؤولياتها.
المتوقع من المجلسين ليس اصدار بيانات الادانة وانما مغالبة النفس والابتعاد عن تفاصيل التفاصيل للتركيزعلى موضوع واحد: كيف نحمي الدولة من الانهيار؟.. هذا هو السؤال.. وغيره قبض ريح.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
الوعى يجعل من الانتفاضة ثورة…والجهل يجعل من الانتفاضة فوضى…