في مايو الماضي نظمت فرنسا اجتماعا مهما للفرقاء الليبين بباريس، تمكن فيه الرئيس الفرنسي الشاب إمانويل مكرون من جمع كل من رئيس البرلمان عقيلة صالح ورئيس مجلس الدولة خالد مشري ورئيس المجلس الرئاسي فائز السراج وقائد الجيش الوطني خليفة حفتر على طاولة واحدة، وفي وجود امين الجامعة العربية والاتحاد الافريقي والاتحاد الأوربي والمبعوث الاممي غسان سلامة ورؤساء ودبلوماسيين يمثلون عشرين دولة. وخرج الاجتماع بالتوصيات المعروفة التي تمحورت حول قيام المؤسسات الليية بالتهيئة لاجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بنهاية العام الحالي.
تعهد الرؤساء الاربع، اركان الازمة والحل للمشكل الليبي، بتنفيد مخرجات باريس دون ان يقوموا بتوقيع بيان المؤتمر، الذي عده الكثير بانه تعهد شفوي قد لا يصل الى الالزام، وقد استندو في تقييم نية اخلال بعظهم بالالتزام بمخرجات باريس الى الرسائل التي اطلقها بعض هذه القيادات. فخالد مشري اعلن عقب الاتفاق انه لا يعترف بحفتر ولم يسلم احداهما على الاخر، وقبل دالك اعلت القيادة العسكرية التي يرأسها حفتر بعدم اعترافها بخالد مشري.
وقد برزت بعض الاصوات التي علقت على الإتفاق سلبا أواجابا من منظور مواقفها الايدلويجة، فذهب البعض إلى إعتبار المبادرة خدمة للمصالح الفرنسية وتصب في مصلحتها المبيّتة في ليبيا، وقلل البعض من فرص نجاحها ورأو أن المبادرة عرضة للفشل بسبب وجود معارضين لها في الدوائر الأوروبية، وانتقادات حادة في الداخل الليبي.
ورغم شبه الإجماع، من قبل المحللين والباحثين، على أن المبادرة تشكّل خطوة جريئة إلا انها محفوفة بعراقيل لا تيسر تفعيل مخرجاتها. ومن اهم الأمور التي ممكن ان تضع المبادرة الفرنسية في دائرة الفشل هو حكم المحكمة الصادر في بداية العام والذي رفض الطعن على إحالة مشروع الدستور من الهيئة التأسيسية إلى مجلس النواب. الامر الذي يعني وجود حكم قانوني يحدد سبق الدستور للانتخابات، بمعنى ان القاعدة الدستورية التي يجب ان تبنى عليها الانتخابات هي مشروع الدستور المقدم للبرلمان لعرضه للاستفثاء. طبعا هذا الامر سيكون محل اعتراض من قبل الجيش الوطني وبعض الكتل البرلمانية. وقد رأينا هذا الامر عندما قام بعض أعضاء اللحنة التأسيسية المعروف بولائهم للموسسة العسكرية التي يقودها المشير حفتر بالاعتراض على بعض المواد المتعلقة بنظام الحكم وشروط المرشح للمنصب الرئاسي. وأخيرا رأينا الامر يتكرر في جلسة التصويت على قانون الاستفثاء هذا الأسبوع، وتاجيل جلسة الاستفثاء الى منتصف الشهر دون تقديم مبررات لهذا التاجيل.
هناك أيضا من يرى في فرنسا طرف غير محايد بالملف الليبي باعتبارها حليفا لحفتر، والذي ترجم في تقديرها إرادة فرنسية في فرض حفتر رئيسا للبلاد، الامر الذي سيجعل من الانتخابات سلم لارجاع استبداد العسكر في شخص حفتر كما يععقدون.
موقف الولايات المتحدة الأمريكية من المبادرة الفرنسية جاء على لسان ممثلة امريكا في مجلس الأمن الدولي السيدة نيكي هيلي حيث اشارت إلى ضرورة عدم اتخاذ أي خطوات أحادية قد تعمل على تقوض الحوار الذي ترعاه بعثة الأمم المتحدة. وطالبت خلال كلمتها في جلسة مجلس الأمن بشأن ليبيا بضرورة تكاثف الجهود لتنظيم الانتخابات، وفقا لقاعدة دستورية؛ حتى لا تفشل الجهود المبدولة.
موقف روما جاء واضحا من تجاهل السفير الإيطالي لدى ليبيا جوزيبي بيروني اتفاق باريس حول الأزمة الليبية، وأكد تمسك بلاده بخطة عمل المبعوث الأممي غسان سلامة، وأشار في لقاء تلفزيون في نهاية شهر مايو الماضي الى ان ليبيا لا تحتاج إلى التزامات جديدة بقدر ما تحتاج إلى تنفيذ الالتزامات السابقة. وقال إن إيطاليا ساهمت مع الأمم المتحدة في تنفيذ خطة المبعوث الأممي غسان سلامة، وإيطاليا ملتزمة مع الشركاء الدوليين في تنفيذ هذه الالتزامات، حتى يصل الليبيين إلى اتفاق شامل. وبخصوص العملية السياسية وتاريخ الانتخابات، فقد قال أن الليبيون هم من يقرر ذلك.
فحوى هذه التصريحات صدرت أيضا عن وزير الخارجية الإيطالي، إنزو موافيرو ميلانيزي، حيث قال: إن قرار الانتخابات في ليبيا يعود لشعبها ومؤسساتها، وليس لقوى أجنبية، يقصد بذلك فرنسا. وأعرب كما ورد في خطابه عن حرص روما في الحفاظ على التوازن السياسي في ليبيا في إطار القانون الدولي. ولا ننسى كذلك اجتماع 3+3 الذي تم في روما عقب ازمة الهلال النفطي، والذي تصب مخرجاته في دعم النظرة الإيطالية للعملية السياسية في ليبيا.
لم تحدث ردود فعل شعبية تندد بـ”التدخل” الفرنسي في الشأن الليبي، فالشعب الليبي في غالبيته يرى ضرورة مغادرة جميع المتصدرين للمشهد السياسي، ويرى فيهم سببا في تفاقم أزمات البلاد، لذلك جل الليبين رحبوا بالمبادرة الفرنسية ولم يرو فيها تدحل في الشأن الليبي، بل رأو في الانتخابات الوسيلة الوحيدة للتحرر من عبثية الاجسام السياسية القائمة.
هذا الأسبوع استضاف الإعلامي الليبي السيد نبيل الحاج في برنامجه اكثر على قناة ليبيا روحها الوطن، سفير إيطاليا لدى ليبيا السيد جوزيبي بيروني، وقد تحدث السيد بيروني الى الليبين باللغة العربية في هذا البرنامج، ولم يخرج ما تحدث فيه عن ما اعلنه سابقا في نهاية مايو الماضي، فقد كرر ان الانتخابات شأنا ليبيا وعلى الليبين ان يقررو موعدها، وأشار الى اعتقاده في أهمية وجود قاعدة دستورية تبنى عليها الانتخابات المزمع اجرآها، وضرورة المصالحة والتهيئة لهذه الانتخابات. وفي تقديري انه تحدث بصفته سفيرا لبلده يهتم بمصالحها ونقل وجهة نظرها في ما يهمها من شؤون تتقاطع وتتصادم مع مصالحها. ولا شك ان المشكل الليبي يستحق من إيطاليا اهتماما خاص، ليس بسبب ارثها الاستعماري كما يسوق البعض، او على الأقل ليس هذا بالسبب الرئيسى لهذا الاهتمام، بل يأتي اهتمامها لاسباب أخرى تفوق هذا الامر من حيث الاهمية، يأتي في مقدمتها موضوع الهجرة الذي يقلقها، وملف المصالح الاقتصادية.
ملف الهجرة تحديدا هو ملف قديم وليس وليد اللحظة، ونحن لا زلنا ندكر الحفاوة التي استقبل بها الراحل معمر القذافي في روما بسبب هذا الموضوع ليس حصرا بالطبع، ونعلم حجم المساعدات التي تعهدت إيطاليا بتقديمها من اجل ضمان سيطرة نظام القذافي على حدوده الجنوبية ومنع هجرة الافارقة عبر ليبيا الى إيطاليا. وقد ارتكبت إيطاليا حماقات كثيرة بخصوص هذا الملف، فقد تعاونات مع الميليشيات ومهربي البشر لمنع تهريب الافارقة الى إيطاليا، ودفعت مبالغ طائلة لزعيم احدى عصابات التهريب ليتوقف عن تهريب البشر. والملف الثاني هو ملف الغاز، فإيطاليا يهمها تدفق الغاز الليبي عبر انابيب تغوص في البحر لتصل الى الجزر الإيطالية، وهي شريك أساسي في صناعة الغاز. وإيطاليا تعلم انها لا تستطيع ان تفرض على الليبين ما تريد دون عون من الليبين انفسهم. لسان حال إيطاليا الذي عبر عنه سفيرهم يقول نحن نرى ان الانتخابات تحتاج الى تمهيد لا يتوفر في الراهن، لكنها لا تستطيع ان تقول انها ستفرض على الليبين تهيئة المناخ المناسب لهذه الانتخابات.
لقد اعدت المقابلة مرتين لارى فيها ما رأه غيرى إهانة وتدخل في الشأن الليبي، لكن للأسف لم اجد مبرر صارم يثير مشاعري من أقوله، والتي كما اشرت سبق له ان صرح بها ولم يلقي لها أحدا بال، أي انها ليست وليدة اللحظة بل كانت رد صريح على المبادرة الفرنسية في حينها.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً