نشر الدكتور رمضان بن زير أستاذ القانون الدولي والأمين العام المفوض للمركز العربي الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي مقال له تحت عنوان (فقدان الوعي لدى أنصاف المثقفين)، تطرق خلاله إلى تطورات الأوضاع في قطاع غزة.
وقال د. بن زير في مقاله: “لقد صدمت اليوم أثناء مشاركتي في الحديث مع بعض الإخوة حول ما يتعرض له الشعب الفلسطيني بغزة.. للأسف أصابني الذهول بما سمعت من بعضهم يرددون بعض الاتهامات لحركة حماس يرددها الصهاينة واتباعهم من العرب الجهلة الذين يعتبرونها حركة إرهابية ولا يعلمون بأن العالم لم يتفق حتى الآن على وضع تعريف موحد للإرهاب، يصفها الرئيس الأمريكي بايدن بأنها حركة إرهابية، ويصفها الرئيس الروسي بوتين بأنها حركة مقاومة شرعية”.
وأضاف: “أقول لأنصاف وأشباه المثقفين أن حركة المقاومة الإسلامية هي حركة سياسية فلسطينية مقاومة للاحتلال الصهيوني، وتؤمن أن النهضة الإسلامية هي الأساس لبلوغ هدفها وهو تحرير فلسطين من النهر إلى البحر”.
وتابع د. بن زير: “لم أكن اتصور أن شخص عربي مسلم يمكن أن يصف حركة المقاومة الإسلامية بأنها حركة إرهابية من صنع إسرائيل، متناسين أن هذه الحركة ولدت من رحم الألم والظلم والقهر الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني كل يوم على مسمع ومرأى العالم منذ أكثر من 75 عاما”.
وأشار أستاذ القانون الدولي إلى أن أحداث غزة الأخيرة كشفت عورات العالم الحر، وافتضحت أكذوبة القيم والمبادئ الإنسانية حيث تجلت بوضوح إزدواجية المعايير والكيل بمكيالين في تطبيق هذه المبادئ، إذ يُعطى للصهاينة الحق في الدفاع عن النفس ويُنكر ذلك على أهل فلسطين الشرفاء، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تبعه تحريك البوارج العملاقة وحاملات الطائرات لبعض الدول الكبرى، التي تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية بدعمها اللامحدود لعمليات القتل والتدمير الممنهجة التي يتعرض لها أهالي غزة ومبانيها وخيامها، وانتهاج سياسة الأرض المحروقة التي يقوم بها الصهاينة وبدعم مباشر من بعض الدول الكبرى، ولا شك تعد هذه جريمة إبادة جماعية بشرية مكتملة الأركان وفقا لأول اتفاقية دولية لحماية حقوق الإنسان صادرة عن الأمم في 9 ديسمبر 1948م التي اعتمدت قبل صدور الإعلان العالمي لحقوق الانسان بيوم واحد.
ماذا جاء في اتفاقية منع الإبادة الجماعية؟
أوضح الدكتور رمضان بن زير أن المادة الثانية من الاتفاقية تنص على أن عمليات القتل الجماعي والإيذاء الجسدي والروحي وإخضاع الناس لظروف معيشية يراد بها قتلهم أو تدميرهم تعد جريمة إبادة جماعية، وهذه الشروط قد تحققت في عمليات القتل والتدمير وقطع الماء والغذاء والكهرباء عن أهالي غزة الأبرياء منذ عدة أيام، وأنها بحق عمليات إبادة جماعية مكتملة الأركان، ولا يقتصر الأمر على منفذي جريمة الإبادة، بل من يقوم بالتحريض عليها أو الاشتراك فيها.
وطالب د. بن زير من كل المحامين الشرفاء في كل دول العالم لفت الانتباه إلى أن ما يقوم به الصهاينة يرقى إلى إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، ويمكن التحقق من اكتمال أركان الجريمة عن طريق السلطة السياسية أو السلطة القضائية كمحكمة الجنايات الدولية أو يتم إنشاء محكمة خاصة لهذه العمليات التي يقوم بها الصهاينة.
ولفت إلى أن جريمة الإبادة الجماعية جريمة جنائية لا تسقط بالتقادم وهذا ما أكدته اتفاقية منع الإبادة الجماعية الصادرة عن الأمم المتحدة.
كما طالب أستاذ القانون الدولي من كل الشرفاء في العالم بمناشدة الأمم المتحدة بضرورة إنشاء محكمة جنائية دولية للنظر فيما حدث لأهل غزة على يد الصهاينة على غرار المحكمة الجنائية الدولية في رواندا ويوغسلافيا.
وأردف: “علينا أن نُشيد بكلمة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أمام الجمعية العامة الذي عبر فيها عن قلقه حول الانتهاكات الواضحة للقانون الدولي الإنساني في غزة وأن أي طرف في الصراع المسلح الدائر ليس فوق القانون الأمر الذي أغضب الصهاينة وثارت ثائرتهم على الأمين العام الذي أنحاز للحقيقة بقوله (إن هجوم حماس على إسرائيل لم يأت من فراغ بل نتيجة لاحتلال خانق على مدى 56 عاما)”.
واختتم د. بن زير مقاله بالقول: “نحن نقول لأولئك الذين يصفوننا بأننا لا نقرأ قد أصبحنا نقرأ ونفهم ونعمل بما نفهمه وسنعود كما كنا من قبل لأن حركة التاريخ متغيرة وغير ثابتة، وسيعود الشعب الفلسطيني إلى أرضه التي سُلِبت منه بالقوة.. إن الظاهرة الفلسطينية أنبل ظاهرة في القرن العشرين، ويسير هذا الشعب العظيم على طريق أسد الصحراء الشهيد عمر المختار الذي خلد التاريخ مقولته الشهيرة (نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت، وهذه ليست النهاية، بل سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما انا فإن عمري سيكون أطول من عمر شانقي).
اترك تعليقاً