في ظل التأجيج الأعلامي وتهاون المجتمع الدولي في الدفع بالحل السياسي وإفساح المجال أمام الصراع الحربي، الممول من الخارج، للعبث بأمن وسلام ليبيا وما تشهده منطقة الجنوب من اقتتال إلا دليلٌ صارخ وفاضح على ذلك. وفي ظل هذه الظروف تكابد طرابلس عروس البحر وتدوس على آلام وجراح الوطن وتعقد مؤتمرا علميا وطنيا خلال الفترة من 26 إلى 27 فبراير يرفع شعار الأمان والسلام والمصالحة.
بالرغم من تجربة الكاتب المتواضعة فيما يخص المصالحة وتجربته الأنضج بما يتعلق بالعدالة الانتقالية حيث امتدت بالعمل، ولمدة سنتين، مع منظمة لا سلام بدون عدالة ( No Peace Without Justice) والتي تركز على نشر ثقافة العدالة الانتقالية والتي تنطلق من مجموعة مرتكزات أساسية تهدف إلى الوصول لمصالحة والمتمثلة في: كشف، أو تقصي، الحقيقية وحفظ الذاكرة، جبر الضرر ماديا ومعنوبا، فحص المؤسسات العدلية، الجمع بين القضاء التقليدي والمبتكر، حيث كانت لنا زيارات داخلية بالخصوص بسرت ، ويفرن ولقاءات متعددة بطرابلس.
كذلك اتيحت للكاتب فرصة مدارسة مسودة قانون العدالة الانتقالية الصادر عن المؤتمر الوطني العام مع نقابة المحامين.
ومع أن الانطباع الغالب في ليبيا بشأن المصالحة هو الأسلوب التقليدي لفض النزاعات المحدودة والذي أستمر بشكل موسع في محاولات رأب الصدع لمناطق دخلت في حرب أهلية خلال انتفاضة 17 فبراير أو بعدها. إلا أن المؤتمر العملي الأول أضاف نقلة نوعية بمشاركة الأكاديميين رجال ونساء، لذلك تجمعت عدة خصائص ميزت المؤتمر العلمي للمصالحة بالأتي:
- بالرغم من أن الناظر إلى غياب الأمم المتحدة أو أي ممثل عن المجتمع الدولي عن حضور المؤتمر من زاوية النقصان إلا أنه قد يحسب ذلك من ناحية أخرى بأنه يزرع الثقة في قدرة الشعب الليبي الاعتماد على نفسه في تقرير مصيره.
- تميز المؤتمر بتنوع الحضور وتشكله من مستويات مختلفة فتمثيل ليبيا المناطقي والتنوع العرقي واضح من الشرق والغرب والشمال والجنوب، بشاطريه الشرقي والغربي، والوسط. فليبيا حاضرة بالكامل في طرابلس العاصمة.
- قد يكون من أبرز ما ميز المؤتمر الربط بين المشاركة والحضور الكمي والنوعي، فسجل حضور الحكماء، والأعيان، والأكادميين والمرأة وكذلك الشباب.
- تم الصرف بالكامل على المؤتمر برعاية وتمويل ليبي فكان الراعي الرسمي للمؤتمر شركة اتصالات ليبية.
- استأثر الشيوخ والحكماء بتصدر برامج المصالحة، فكان لهم السبق في التجربة والتي غلب عليها إطفاء الحريق في العموم والنجاح في مناسبات محدودة.
- أتاح المؤتمر للشيوخ والحكماء التعرف على العدالة الانتقالية من خلال الأوراق العلمية التي تقدم بها الأكاديميين والاستماع لتجارب بعض الدول التي كانت لها ظروف مشابهة للحرب الأهلية الليبي.
- حضور المرأة وعرضها لأوراق علمية عمل على سد ثغرة ومآخذ عن تجارب المصالحة السابقة في ليبيا.
- عقد المؤتمر بهذا الحجم والتنوع داخل الإطار الأكاديمي وعلى أرض ليبيا ميزه بعدة خصائص تتمثل فيما يلي:
o اعطاء مثل عملي للمشككين ودعاة الفتنة بأن طرابلس عاصمة ليبيا آمنة وقادرة على عقد ملتقيات تضم مشاركين من جميع المدن الليبية.
o التمسك بعقد المؤتمر داخل أرض الوطن ليبيا ورفض أن يكون بالخارج وفر على الدولة مصاريف بالعملة الصعبة.
o زرع المؤتمر الثقة في الشعب الليبي والجدية في ايجاد حلول للأزمة ووضع اللبنات المتماسكة للوصول إلى المصالحة الشاملة.
o خلق تنمية اقتصادية وذلك بتحريك وتنشيط الفنادق، وحركة الطيران الداخلية، ومختلف والمقاهي والمحلات التجارية.
وربما مما استوقفني من توصيات هو في الأساس تشكيل لجنة لمتابعة توصيات المشاركين ومقترحاتهم، ومن أبرز التوصيات التي تم تلاوتها:
- الاتفاق على وجود تنسيقية لجهود المصالحة التي بذلت وما زالت مستمرة لتقريب المصالحة الشاملة بين أبناء وبنات الوطن الواحد.
- الحاجة لميثاق شرف مجتمعي يرفع الغطاء الاجتماعي عن المجرمين ويشكل كل ما من شأنه خدمة التوافق ومصلحة ليبيا وقد قطعت في هذا الشأن لجنة التواصل لمدن وقبائل ومكونات ليبيا شوطا لا بأس به كما وأن لمركز ليبيا للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية محاولة علمية متواضعة بالخصوص.
- ضرورة وجود قانون للعدالة الانتقالية يفرش الأرضية الصلبة ليناء المصالحة الوطنية الشاملة.
- وتظل جميع المحاولات الهادفة للأمن والسلام والمصالحة في ليبيا محل إجماع وإعجاب ومفخرة لجميع الشرفاء والشريفات بليبيا. تدر ليبيا تادرفت.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً