الهجرة عبر الأراضي الليبية قديمة قدم التاريخ، فليبيا بلد العبور للرومان والعرب وحتى الأتراك، وآخر موجات الهجرة الجماعية كانت في العهد القره مانلي، حيث إنتعشت تجارة الرقيق القادمة من أواسط أفريقيا والمتجهه إلى أوروبا، ويكفي أن تعرف أن العبد الواحد في ذلك الوقت كان يباع بقيمة 80 إلى 150 دولار إسباني، وكان حاكم فزان محمد المكني أيام يوسف باشا (1811م) قد بلغ إيراده ما بين 4000 إلى خمسة ألاف عبد سنويا، وكانت تجارة العبيد والعاج وريش النعام تأتي من أفريقيا وتصدر إلى أوروبا. في سنة 1815م عقد مؤتمر فينا وتم منع تجارة الرقيق، وحيث أن هذه التجارة تمر بصحراء قاحلة وبوسائل تنقل بدائية فقد راح ضحيتها الألاف من البشر في ذلك الحين. إصدار قانون منع تجارة الرقيق رغم أنه إنساني إلى حد كبير إلا أن دوافعة لم تكون سوى إقتصادية وإجتماعية. أما الهجرة الفردية للكثير من الأعراق فلم تتوقف شرقا وجنوبا.
الهجرة البشرية بأنواعها تتكون من دول المنبع، وهي الدول الافريقية ودول العبور ومنها ليبيا ودول الإستطان أو الإستقبال وهي أوروبا وأمريكا، ولم تكن الهجرة لها مسمى غير شرعية إلى عهد قريب، فأوروبا إستقبلت الملايين بعد الحرب العالمية الثانية من مستعماراتها لأجل القيام بالأعمال الشاقة مثل حفر الأنفاق وبناء الجسور والطرق والعمل في المناجم بمهايا زهيدة، وعندما إكتفت من هؤلاء، وإرتفع عدد العاطلين بها، أصبح الضغط الداخلي من الأحزاب اليمينية يشجع على وقف الهجرة أوتقنينها.
خلال فترة الحكم السابق تدفق الملايين من الأفارقة والعرب من العمالة العارضة إلى مدن ليبيا للعمل فيها لسنوات عديدة، ولم يتخذها معظمهم موطناَ (سوي بعض قبائل الصحراء الشرقية والطوارق الرحل) بل استفادوا من توفر فرص العمل وعدم وجود تأشيرات دخول ولا تسجيل ولا ضرائب تدفع عن تحويلاتهم الرسمية وغير الرسمية بالمليارات دون وجود عمل تنموي حقيقي، إضافة إلى تهريب البضائع المدعومة إلى بلدانهم (بمساعدة الليبيين) مثل الوقود والمواد الغذائية المدعومة، بل وتهريب الكثير من الممنوعات إلى الداخل.
الجديد في حركة عبور الهجرة من أفريقيا إلى أوروبا عبر ليبيا بعد ثورة 17 فبراير، أن القذافي قد هدد الغرب بغرق أوربا بالمهاجرين، وصدق في ذلك، مما يثير شبهات بأن عملية التهجير الجماعي المنظم وراءة رجالات من العهد السابق، ويلاحظ أن دول المنبع للهجرة حاليا بما يقارب 60% هم من غانا ونيجيريا، ومعظمهم من الطبقة المتعلمة ممن لهم مستوى تعليمي، ويجيدون إحدى اللغات الأوروبية، بمعنى أن الهجرة لآسباب إقتصادية بإمتياز، وأن محطات الهجرة منظمة كما أدلى الكثير منهم، فمقابل السفر قد يدفع في بلد المنبع، فيؤمن له وسائل النقل البري، وأماكن الإختفاء بالقرب من ساحل البحر المتوسط وموعد الإبحار على القارب، أي أن هناك شبكة عابرة للحدود تقوم بالتنسيق وتحصيل أموال طائلة مقابل ذلك، بالمقابل رغم تسفير قرابة المليون من أكثر من 60 دولة لم يكن هناك ليبي واحد ضمن المهاجرين إلى أوروبا على قوارب الموت، وهو ما يؤكد أن أتعس الليبيين لم يصل إلى مرحلة الهروب بهذه الطريقة إلى أوروبا.
للأسف لم يفكر الغرب (وقد لا يفكر) في كيفية وصول مئات الألاف من الأفارقة إلى ليبيا، ولا كيف يعيشون، ولم يخطر ببالهم مساعدة الدولة الليبية لضبط حدودها، أو مساعدة إرجاع المهاجرين إلى دولهم (وهم من يملك القواعد الجوية بالقرب من الحدود الليبية الجنوبية، ولهم طائراتهم بطيارين وبلا ذلك)، ولكن جل إهتمامهم في منع سفر المهاجرين شمالاً إلى شواطئهم، وهو ما أدى إلى غرق أكثر من 3000 مهاجر قبالة الساحل الليبي خلال سنة 2015م، وسيكون العدد أكبر من ذلك هذا العام بسبب غلق الممر القادم من تركيا إلى أوروبا.
الهجرة إلى أوروبا كما لها مكاسب للمهاجرين ورجال الأعمال الأوروبيين، يجب أن يكون لها مآثر للشعب الليبي وكجزء من التعاون المشترك بين ليبيا والدول الأوروبية، والتي يمكن أن تتضمن المساعدة فيما يأتي:
- المساعدة على هيكلة المنظومة الأمنية لشؤون الأجانب والوافدين.
- المشاركة في المعلومات بين الأجهزة الأمنية الليبية والأوروبية، من أجل مكافحة الجريمة المنظمة، والجماعات الخارجة عن القانون.
- المساعدة الفنية في مراقبة حدود الدولة الليبية، ومنها توفير منظومات المراقبة.
- توفير معدات وأليات لحراسة الحدود وتدريب وتأهيل فرق ليبية على إستعمالها.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً