ثمة عدة أسباب تحتم على السلطات الليبية إعادة تقييم الجدوى من الاستثمارات الخارجية، فمع استمرار قرارات التجميد الدولية للأصول الليبية في الخارج، ومحاولة بعض الدول الاستيلاء على بعض هذه الأصول بدعاوى مختلفة، مستغلة حالة الانقسام وعدم الاستقرار السياسي، كما في حالة بلجيكا، عندما برزت قضية اختفاء ما يقرب من ملياري يورو من الأموال المجمدة في الحسابات الليبية بالبنوك البلجيكية قبل عدة سنوات، وما يثار بين الحين والآخر في تقارير رقابية وصحفية عن حالات فساد في بعض المؤسسات والصناديق الاستثمارية، يتعين إجراء دراسات علمية حول جدوى هذا الاستثمار.
لا يختلف مصير الاستثمارات والأصول الليبية في بعض الدول الأفريقية عما تتعرض له في أوروبا، فالحالة الليبية السائدة، وعدم كفاءة بعض مديري الشركات والمحافظ الاستثمارية، وحالة النهب المنظم السائدة قبل ثورة فبراير، دفعت بعض الأطراف في هذه الدول إلى محاولة الاستيلاء على هذه الاستثمارات، التي ربما لا توجد مؤسسة ليبية قضائية أو رقابية قادرة على حصرها بالكامل، ولديها كافة البيانات والمعلومات حول نشاطها، وقيمتها السوقية، والرأسمال المستثمر فيها، وأرباحها أو خسائرها.
تراجع فرص الاستثمار وتحقيق عائدات تتناسب وحجم الأصول، وضعف المتابعة والمحاسبة، متوقع في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به ليبيا، فضلا عن توتر الأوضاع الدولية، والحرب في أوروبا، والاضطرابات والنزاعات في أفريقيا، وهي تطورات ينبغي أن تدفع السلطات الليبية، والمؤسسات الاقتصادية إلى التوجه للاستثمار في الداخل.
فإذا كانت الدول تسعى لجلب المستثمرين، وتخلق لهم البيئة المناسبة، وتقدم لهم الإغراءات والمزايا، بسبب المنافسة الشديدة بين دول عديدة، تملك كل الأساسات المطلوبة للاستثمار، ولكنها لاتملك فوائض مالية كافية.
ثمة فرص ذهبية للاستثمار الداخلي في ليبيا، في قطاعات ومجلات متعددة، وهذه الاستثمارات إذا تأسست بشكل سليم، وقدمت لها التسهيلات المطلوبة قانونيا، سيكون مردودها مضمونا وبنسبة عالية، ليس على المستوى الاقتصادي فحسب، بل على المستوىين السياسي والاجتماعي، وسيكون تأثيرها ملحوظا في زمن وجيز إذا تولاها مختصون لا تنقصهم الخبرة في مجال الاستثمار. فمع هوامش الربح فوق رأس المال، ستفتح أمام الشباب فرصا واعدة لبناء حياتهم وتحقيق تطلعاتهم. ليس أمامهم الآن غير البحث عن وظيفة سهلة في الدولة، لأن الفرص محدودة في القطاع الخاص، أو الانضمام للفصائل المسلحة للحصول على دخل، من دون أي فرصة لتطوير الذات، مع المخاطر المتوقعة في فترة الاشتباكات المسلحة بين هذه الفصائل.
أشار رئيس مجلس إدارة محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار السيد مصطفى أبوفناس، في حوار نشر على صحيفة القدس العربي اللندنية، إلى توجه المحفظة إلى التركيز على توظيف واستثمار مواردها المالية في الاقتصاد الليبي، باستعادة بعض المشاريع نقلت سابقا من المحفظة، واستعادة ما يقرب من 250 هكتارا في تاجوراء، لإقامة مشروع مدينة خدمية وتجارية إدارية، وهو توجه صائب ولا ريب رغم حالة عدم الاستقرار السياسي، لأن المخاطرة هنا مختلفة عن المخاطر في بيئة الاستثمار الخارجي، ولن يترتب عليها ضياع الأصول، ولن تفرض غرامات باهظة بسبب أي تعطل، والرقابة ستكون قريبة، والمصلحة المباشرة للمواطن المستفيد من هذا الاستثمار، ستشكل عاملا مهما لحمايته من أي تلاعب أو اعتداء.
مجالات كثيرة تعاني شح الاستثمار رغم فرص نجاحها على المدى القريب والبعيد، نأمل أن تجد الاهتمام والدراسة من المؤسسات الاستثمارية، وخبراء الاقتصاد، وتنفيذ ما تثبت الدراسات جدواه، فانتظار انفراج الأزمة السياسية، وإعادة هيكلة الاقتصاد الليبي، ليس حجة لعدم أخذ زمام المبادرة والنهوض بالاستثمار داخل ليبيا، فتوطين استثمار محلي وفقا للإمكانيات المتاحة والظروف السائدة ممكن، وحتى إذا لم يحقق المأمول منه، فلن يوقع أي خسائر باقتصادنا، ولن تتعرض الأصول للنهب كما يحدث للاستثمارات في الخارج.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً