حذر خبراء في الاقتصاد من خطورة إشراك بعض الأطراف الخارجية من الرقابة على مداخيل النفط و النفقات، وكذلك تجميد عائدات النفط في المصرف الليبي الخارجي، وعدم تحويلها إلى المصرف المركزي، ومكمن الخطر هنا هو سهولة الاستيلاء على الأموال الليبية عن طريق المحاكم الدولية، من أي دولة لديها مزاعم بحقوق أو ديون أو تعويضات على الدولة الليبية. كما أنه في وقائع مماثلة جرى تنفيذها في العراق وأفغانستان نهبت على إثرها المليارات كما أشار الأستاذ عبدالمجيد بريش الرئيس السابق للمؤسسة الليبية للاستثمار، في مقال منشور على هذه الصحيفة، وقد أكد تقرير نشر في صحيفة “ميدل إيست مونيتور” تحت عنوان لافت (هل تطبق أمريكا خطة النفط مقابل الغذاء في ليبيا؟) أشار فيه كاتبه إلى برنامج (مستفيد) الذي يروج له السفير والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، بوضع آلية لإنفاق العائدات تشرف عليها لجنة دولية ليبية مشتركة.
خلال السنوات الماضية، تناقلت وسائل الإعلام المختلفة أخبارا عن محاولات الاستيلاء على الأموال الليبية المجمدة لدى بعض الدول، مثل ادعاء بعض نواب مجلس العموم البريطاني أنه يجب تعويض ضحايا قرية لوكربي، بعد تحميل ليبيا مسؤولية إسقاط طائرة البانام الأمريكية فوق قرية لوكربي، رغم أن كل ملفات القضية أغلقت منذ سنوات، ودفع النظام السابق كافة التعويضات التي طالب بها الضحايا، وصرت بها أحكام قضائية من المحاكم، إلا انه بين الحين والحين تتواتر في الأنباء تصريحات ودعوات تطالب بفتح ملفات القضية من جديد، ولعل الهدف من نبش الموضوع، هو ابتزاز المؤسسات أو بعض الشخصيات الليبية، لدفعها إلى شراء صمت مطلقو الدعوات والتصريحات، والتوقف عن إثارة الموضوع، ولأن البلاد في مرحلة شديدة الاضطراب، يتضاعف فيها التنافس والاستقطاب، تهيج شهوة النصابين الدوليين إلى ممارسة ابتزازهم، فالانقسام السياسي، مع الرغبة المحمومة لدى بعض السياسيين في إلحاق الهزيمة بخصومهم، يعد بيئة مثالية للتدخل الخارجي، إذ يصبح الاستقواء بالخارج من عوامل تحقيق الانتصار على المنافسين.
تقرير صحيفة “ميدل إيست مونيتور” يؤكد على نفس المخاوف التي ذكرها خبراء الاقتصاد الليبيون في منابر مختلفة، فهذه الآلية ستجرد مؤسسات الدولة الليبية السيادية من صلاحيات إدارة عائدات النفط، فرغم وجاهة ونبل الأهداف، وهي حرمان المليشيات من مواردها التي تحصل عليها بالاستقواء على الحكومات، والمؤسسات ذات العلاقة مثل البنك المركزي وديوان المحاسبة ومؤسسة النفط، والحد من الهدر والفساد، وضمان توزيع العائدات بشكل عادل، إذ سيصبح الإنفاق محل بحث وتدقيق من لجنة تضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر وأمريكا بقيادة ليبية، حتى تتم التسوية السياسية وتحصل البلاد على قيادة موحدة، إلا أن ثمة خطورة من تأخر هذه التسوية، وبالتالي يستمر العمل بهذه الآلية إلى أجل غير معروف، وسوف يتحدد الإنفاق في المجالات الضرورية كالغذاء والدواء، وتمويل بند الدعم وبعض الأساسيات الاخري، وهذا ما دفع كاتب التقرير إلى اعتبار هذا الإجراء صورة مشابهة لبرنامج النفط مقابل الغذاء الذي سبق تطبيقه في العراق، أو بمعنى آخر النفط مقابل الغذاء في النسخة الليبية، وفي كل الأحوال سوف يقضي هذا البرنامج، إذا ما طبق، على ما تبقى من سيادة الدولة الليبية، فبعد القرار السياسي الذي بات رهينة للقوى الخارجية، سيتبعه القرار الاقتصادي، وتفقد الدولة الليبية الكثير من سلطتها على مؤسساتها السيادية.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً