المنازعات الدولية وطرق تسويتها

المنازعات الدولية وطرق تسويتها

د. رمضان بن زير

أستاذ قانون دولي، دبلوماسي سابق، ورئيس المركز العربي - الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي

لقد رأيت من الأهمية بمكان في هذا المقال أن نذكر إخوتنا في الخليج والوطن العربي بكيفية حل النزاعات والخلافات بين الدول.

العلاقات الدولية ليست دائماً مستقرة وثابتة بين الدول، فكثيراً ما يؤدي تعارض المصالح -وذلك بحكم ما يقوم بينها من صلات سياسية واقتصادية واجتماعية- إلى قيام خلافات ونزاعات.

ولَم تكن المقاطعة أو الحصار أو الحرب الوسائل الوحيدة أو البديلة لفض المنازعات والمشاكل التي تحدث بين الدول.

لقد اتجهت كل الجهود ومنذ القدم إلى تسوية الخلافات بين الدول بالطرق السلمية وهذا المبدأ من المبادئ الواضحة والثابتة في الفقه الإسلامي والدولي (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما..). ومن الحكمة والحنكة السياسية أن تلجأ الدول إلى الطرق السلمية لفض النزاعات فيما بينها، وعلى هذا الطريق عقدت عدة مؤتمرات دولية بالخصوص أشهرها مؤتمر لاهاي الأول 1899 والثاني 1907 لإحلال فكرة التسوية في المنازعات بالطرق السلمية، واستمر العمل نحو تحقيق هدا الهدف حتى توج بإنشاء منظمات عالمية وإقليمية تسهر على حفظ السلام وتسوية الخلافات بالطرق السلمية. وفِي سبيل القضاء على المنازعات بين الدول، وضعت مواثيق وقواعد دولية تحد من التصرفات غير المسؤولة التي تصدر عن بعض الدول، وليساعد على انتشار وتوثيق العلاقات الودية فيما بينها.

إن حل الخلافات بالطرق الودية يزيد من أهمية تنظيم العلاقات الدولية تنظيما سليما يستطيع أن يجنب البشرية خطر الحروب والدمار. وبهذا فقد تقدمت الأدوات الدولية لفض المنازعات حتى وصلت محكمة العدل الدولية التي نظمت بموجب ميثاق هيئة الأمم المتحدة لتحل محل المحكمة الدائمة للعدل الدولي.

تقضي المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة أن يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم بالوسائل السلمية. ولكن ماهي الطرق السلمية لتسوية المنازعات؟

لقد أجابت المادة 23 الفقرة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تقول: (يجب على أطراف النزاع.. أن يلتمس حله بطريقة المفاوضات والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية…). وبالنظر إلى هذه المادة نستطيع القول إن هناك عدة طرق دبلوماسية لتسوية المنازعات وديا ندركها دون الخوض في تفاصيلها وهي المفاوضة، المساعي الحميدة، الوساطة، التحقيق، التوفيق واللجوء إلى القضاء.

كما نص ميثاق هيئة الأمم المتحدة على إمكانية عرض المنازعات على الجمعية العامة، مجلس الأمن والمنظمات الإقليمية.

بالنظر إلى المادة 56 من الميثاق نجده يشجع على اللجوء إلى المنظمات الإقليمية لفض النزاعات فيما بين دولها، إما بناء على طلب الدول المتنازعة أو بالإحالة إليها من قبل مجلس الأمن. وعلى الدول الأعضاء في هذه المنظمات الإقليمية أن تبدل كل جهدها لتدبير الحل السلمي للمنازعات بين أعضائها.

أعتقد من المفيد أن نتحدث عن دور الجامعة العربية أو مجلس التعاون لدول الخليج العربي في ظل ما تشهده المنطقة من منازعات واختلافات هذه الأيام بين دولها.

كان من الأفضل لهذه الدول الجلوس على طاولة المفاوضات وطرح كل المشاكل فيما بينها حتى تتجنب الحصار والمقاطعة.

فالجامعة العربية بالنظر إلى ميثاقها نراه يفرض على الدول الأعضاء عدم الالتجاء إلى التهديد أو المقاطعة أو الحصار أو استخدام القوة لفض المنازعات التي تثور بينها، وإحالتها إلى مجلس الجامعة لحلها أما بالتحكيم أو الوساطة أو التوفيق، أي إن اختصاص مجلس الجامعة التوفيق، ويشمل كافة أنوع النزاعات التي تمس دولة، بعض النظر عّن موضوع النزاع أو الدول الأطراف فيه، لكن الاختلاف بين الدور التوفيقي والتحكيمي للمجلس هو الإلزام في التحكيم من حيث القرارات المتخذة، بعكس التوفيق الذي تتسم القرارات الصادرة فئة بصفة التوصية.

وللأسف بالرغم من مضي عدة أسابيع لم تتحرك جامعة الدول العربية حتى الآن لحل هذه المشكلة باستثناء تصريح يتيم للأمين العام للجامعة أحمد بلغيط. لكن هذا ليس بغريب على هذه الجامعة الكسيحة فهي ومند تأسيسها لم تتمكن من حل أي منازعات بين أعضائها.

من المفيد أن نذكر أمثلة على أهمية التحكيم في التاريخ الاسلامي. ولعل أبرز مثال على ذلك ودون الخوض في التفاصيل هو بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين قبيلة بني فريضة: لقد قبل الرسول بتحكيم (سعد بن وَقّاد) حليف اليهود الدي اختاره. جاء حكمه لصالح المسلمين. أما أبرز قضية تحكيم في التاريخ الإسلامي التحكيم بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان سنة 657م.

لقد تناولت هذا الموضوع بالشرح والتفصيل في كتابي (العلاقات الدولية في السلم) في طبعته الأولى والثانية 1989م.

في الختام لماذا لا تستفيدون يا أبناء الخليج من المواثيق والتجارب والأمثلة الإسلامية والدولية لحل المشاكل القائمة بينكم؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. رمضان بن زير

أستاذ قانون دولي، دبلوماسي سابق، ورئيس المركز العربي - الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون الدولي

اترك تعليقاً