“يجاهد” الرئيس المؤقت المنتهية ولايته منصف المرزوقي خلال حملته الانتخابية التي جعل منها “غزوة” من أجل “غنيمة” الفوز بنتائج الانتخابات الرئاسية، وذلك من خلال “حشد” القاعدة الانتخابية لإخوان تونس، حتى أنه بات في نظر التونسيين “ناطقا رسميا” باسم حركة النهضة وميليشياتها والجماعات السلفية في اجتماعات مشحونة بخطاب ديني عنيف لا يستنكف من “السطو” على ثورة التونسيين، ليقدم نفسه على أنه “حامي الثورة والدين”.
ومع اقتراب موعد الانتخابات التي تجري الأحد القادم بدا المرزوقي بالنسبة لغالبية التونسيين مترشحا “مهزوزا” و”مرتبكا” و”لا يصلح لأن يكون رئيسا” لدولة مدنية في مجتمع يتوق إلى انتخاب “رئيس قوي” قادر على إدارة شؤون البلاد بعيدا عن “النرجسية” الممزوجة بـ”الانتهازية” المفضوحة.
وبعكس ما كان يتوقع المرزوقي فقد قاده التحالف مع حركة النهضة الإسلامية وروابط حماية الثورة الذراع الميداني للإسلاميين والجماعات السلفية إلى “عزلة” سياسية وشعبية حتى أن قطاعات واسعة من التونسيين لا تتردد في التأكيد على أن “المؤقت” سيكون “كارثة على الدولة والمجتمع” في حال فوزه.
خلال الحملة الانتخابية سعى المرزوقي إلى “استرضاء” إخوان تونس و”استعداء” القوى الوطنية والديمقراطية منتهجا خطابا يغدي العنف السياسي ويحرض على الفتنة حتى أنه أمعن في استخدام “مفردات” دينية مستنجدا بالقاموس اللغوي للجماعات السلفية التي تؤثث اجتماعاته بعدد من الملتحين والمنقبات فيما ينفر من حضورها المواطنون العاديون.
في بداية حملته الانتخابية حاول “المؤقت” الوصول إلى الفئات المهمشة والفقيرة من خلال عقد اجتماعات “عفوية” خاصة في الجهات الداخلية المحرومة غير أنه مني بفشل دريع بعد أن صرخ أهالي تلك الجهات في وجهه مطالبين إياه بالرحيل واضطر في أكثر من مناسبة إلى قطع الاجتماع والعودة إلى قصر قرطاج مهزوما.
وأمام “الضغط” الشعبي الذي يحمله “الفشل” في حل المشاكل الأساسية وفي مقدمتها التنمية والتشغيل خلال أكثر من ثلاث سنوات اضطر المرزوقي إلى الاستنجاد العلني بالقاعدة الانتخابية للإخوان وتحولت اجتماعاته إلى ما يشبه “اللقاءات” الخاصة بقواعد حركة النهضة وروابطها ولفيف من السلفيين.
وحملت أشرطة الفيديو التي يحرص المرزوقي على ترويجها في وسائل الإعلام صورا لعدد من الملتحين والمنقبات والمحجبات الذين يتنقلون حيث ما تنقل ليؤثثوا اجتماعات خلت من أي حضور شعبي ما عزز اقتناع التونسيين بأنه “مرشح الإخوان” أكثر منه مرشح حزبه “المؤتمر من أجل الديمقراطية” والذي مني بنكسة في الانتخابات البرلمانية أشد مما منيت به حليفته النهضة .
خلال تلك الاجتماعات بدا المرزوقي “إخوانيا” أكثر من الإخوان أنفسهم إذ لم يكتف بانتهاج خطاب ديني يفترض أن يكون غريبا عن رجل يقدم نفسه على أنه “مناضل حقوقي علماني” بل انتهج خطابا سلفيا تكفيريا لم يتردد في وصف منافسيه في الانتخابات بـ”الطواغيت” الأمر الذي أثار “امتعاض” التونسيين تماما كما أثار “سخط” السياسيين.
وعلى الرغم من صيحات الفزع التي أثارها الخطاب التكفيري الذي يعد غريبا عن مفردات الخطاب السياسي في بلد مشدود إلى ثقافة سياسية مدنية، فقد تجاهل المرزوقي تلك الصيحات ليمعن في استرضاء حزامه الانتخابي الإخواني مقدما نفسه على أنه “صوت الثورة ولسان حالها” ومدافع عن “حقوق المنقبات” و”حامي الثورة والدين”.
وفي الوقت الذي ينتظر فيه التونسيون برامج انتخابية واضحة وعملية من المترشحين لم يجد المرزوقي الذي يفتقد لأي برنامج من مخرج لمأزقه السياسي سوى “شيطنة” منافسيه وخاصة زعيم حزب نداء تونس الباجي قائدالسبسي الذي يبدو المترشح الأوفر حظوظا وفق عمليات سبر الآراء.
روج “المؤقت” للحذر من “عودة الاستبداد” مع فوز قائد السبسي معتبرا إياه “خطرا على الثورة” وهي نفس الفكرة التي يروج لها راشد الغنوشي والذي يعتبر أن “نداء تونس أخطر على تونس من السلفيين”.
وتحت يافطة “حماية الثورة” حرص المرزوقي على الشحن السياسي والعقائدي ضد قائدالسبسي محاولا إقناع الناس بأنه “رمز النظام السابق” ليثير “فزاعة” لا يصدقها سوى أحلافه من الإخوان.
غير أن نتائج “خيار” المرزوقي، كما يذهب إلى ذلك الكثير من المحللين، لم تقده إلا إلى ترسيخ صورته المهزوزة لدى التونسيين الذين يرون فيه “رمزا” لليساري الانتهازي الذي تنصل من تاريخه الحقوقي والذي خان تاريخه العلماني ليتحول خلال الحملة الانتخابية إلى “مرشح الإخوان بالوكالة”.
ولا يتردد المحللون في التأكيد على أن تحالف “المؤقت” مع الإخوان كانت نتائجه “كارثية” ملاحظين أنه “عمق عزلته السياسية والشعبية” بعد أن بات “صوت” مشروع الإسلام السياسي الذي جربته تونس خلال فترة حكم الترويكا ولم تجن منه سوى أزمة سياسية وأمنية خانقة من ابرز مخاطرها استفحال ظاهرة الإرهاب الذي يتصدر لائحة التحديات التي تواجهها البلاد.
ويرى كثير من المتابعين للشأن التونسي أن “رهان” المرزوقي على القاعدة الانتخابية للإخوان هو رهان فاشل مسبقا باعتبار أنه قاده إلى الاصطفاف ضد غالبية التونسيين الذين يدعمون قوى سياسية تناضل من أجل الحداثة وترسيخ قيمها المدنية وهي قيم ترفض جر البلاد إلى مستنقع الإسلام السياسي.
هكذا بدا المرزوقي قبل أيام ثلاثة من إجراء الانتخابات يقف على الضفة المضادة لتطلعات التونسيين إلى رئيس دولة مدنية قوي قادر على قيادة تجربة التحديث الاجتماعي والسياسي والثقافي التي تمثل قاسما مشتركا بين مختلف فئات مجتمع أجهض مخططات الإخوان خلال الانتخابات البرلمانية وانزل بهم هزيمة لم يتوقعوها.
ويتوقع الخبراء والمراقبون أن يتعرض المرزوقي خلال يوم الاقتراع إلى “عقاب شعبي” من قبل الناخبين مماثل للعقاب الذي تعرضت إليه حليفته حركة النهضة في الانتخابات البرلمانية ليصوت غالبية التونسيين لفائدة منافسيه مثل زعيم نداء تونس الباجي قائد السبسي وزعيم اليسار حمة الهمامي.
ويرجع الخبراء والمراقبون توقعاتهم إلى وعي الناخب التونسي بأن المرزوقي الذي فشل في رسم صورته كرجل دولة قوي وخذل القوى الوطنية والديمقراطية ليصطف إلى جانب الإخوان، لا يصلح لقيادة تونس خلال هده المرحلة الدقيقة التي تستوجب رئيسا يحظى بتأييد شعبي وسياسي.
اترك تعليقاً