ما تقوم به البعثة الأممية من إدارة الصراع قد لا يفضي إلى أي نتائج مرضية على الواقع، كما حدث في سنة 1951م بتبني النظام الفيدرالي الذي تم تعديله بعد عشر سنوات وكما حدث في اتفاق الصخيرات الذي نشر الفساد ولم يوحد الدولة، ويعاد السيناريو الآن كذلك.
المشكلة الأساسية هي صناعة قيادات غير كفؤة وموالية للخارج أو ممن يعيشون عصر ما قبل الدولة.
قراءة للتاريخ أن الصينيين أول من زاول الحكم المدني وخرج من القبيلة منذ ثلاثة آلاف سنة وهم في تبادل سلمي على السلطة تحت زعامات ملكية في معظمها، أوروبا خرجت من هوة القبيلة والطائفة في القرن الثالث عشر، وتطور نظامها إلى ما هو عليه من الحكم الرشيد، في حين أن جزيرة العرب بممالكها وعراقها وحتى لبنانها لم يخرجوا من هذا الأخطبوط المتخلف بعد، وهو سبب مآسيهم وحروبهم وضعفهم وتأخرهم، فالتاريخ والواقع يقول ليس هناك حرب بين دولتين ديموقراطيتين ولكن الحرب يتطلب دائما إحداها أو كلاهما يعيشان تحت الاستبداد، وأكبر دليل تركيا واليونان، كان هناك واحد وستون جولة مفاوضات ولم يكن هناك حرب، رغم عمق القضايا بينهما.
رغم وضوح المرمى والمغزى إلا أن ولاة الأمر في المنطقة الشرقية بقدهم وقديدهم مصرين على القبلية والمحاصصة الناتجة عنها، مع أنه لا يوجد سند قانوني أو دستوري لذلك، ولقد تم اتخاذ عدة وسائل للوصول للحكم بمساعدة دول إقليمية تهدف إلى تنصيب دمى لها أو خلط الأوراق وإدامة الصراع إلى أطول زمن ممكن.
في أكتوبر الماضي اجتمع عباس كامل رئيس جهاز المخابرات المصرية بوفد من مجلس النواب ومجلس الدولة الليبي للبحث عن القاعدة الدستورية للانتخابات، ورتبت المخابرات المصرية أمرها بعد أربعة أشهر لاجتماع الغردقة في يناير 2021 والخروج باتفاق أن القاعدة الدستورية هي الاستفتاء على الدستور المقترح في يوليو 2017م قبل انتخابات 24 ديسمبر القادم، هذا القرار يعني 4 أشهر للتحضير للاستفتاء الذي سينتج عنه التصويت (بلآ)، ثم الدخول في دوامة: هل هناك تعديل ومن يقوم بذلك أو اقتراح لجنة دستورية جديدة وكيف يتم تشكيلها، ومتى ستنهي عملها. والنتيجة إدارة الصراع والبقاء على حالة الفوضى بإشراف مصري وأيدي ليبي، ولا انتخابات قادمة.
مشكلة المحاصصة أنها شر مستطير، فهي التي جعلت السراج رئيسا، وهي التي جعلت لجضران السارق والبلطجي نائبا في الرئاسي، وهي التي سترفع عقيلة (شيخ القبة) أن يكون رئيسا للدولة، في المحاصصة لا توجد هناك كفاءة ولا دراية ولا خبرة، فالشرط الوحيد تجميع قوى مساندة لها القدرة على البلطجة في زمن لا يوجد هناك سلطة رادعة أو أخلاقيات للمهنة السياسية.
المشكلة الأخرى للمحاصصة أنها لا تستند إلى تقسيم إداري محدد، فالدستور لم يصدر بعد، وحتى المقترح لم يتبنى النظام الفيدرالي (عكس قانون الانتخاب المعيب) وأن المحاصصة تفتح باب إنشاء أقاليم جديدة، فالأمازيغ مثلا لهم كل الحق في المطالبة بإقليم يضم الشمال الغربي حتى البحر والجنوب الغربي حتى غات ثم الجنوب حتى أباري، وربما التبو سيطالبون بإقليم في شرق ليبيا من جنوب إجدابيا إلى الحدود التشادية وغربا حتى مرزق.
ثالث الأثافي ظهور 6 أشخاص متنافسين على رئاسة المجلس الرئاسي من الشرق الليبي سيجعل حصول أي منهم على نسبة 71% مستحيلا، مما يترتب عليه الانتقال للمحاصصة من النوع الثاني وهو نظام القائمة، وهنا يبرز رؤساء الوزراء في المشهد (ومعظمهم من مصراته) ويكون مأذون هذه العملية خليفة حفتر، وإن لم يقوم بذلك فتكون العملية حبر على ورق، وإن قام بذلك فستكون الحكومة والمصرف المركزي دمية للعسكر بل قد ينقذ عليها في أي مرحلة بمساعدة قوى إقليمية.
كنا دائما نقول أن الشرق الليبي ليس عقيلة صالح وخليفة حفتر بل هناك الكثير من الشرفاء الذين هجروا أو طردوا أو أرغموا على الصمت، وحتى لا يعاد اتفاق الصخيرات السيء السمعة، يجب على الشعب رفض المحاصصة وعلى الشرفاء في الجيش عدم تسليم السلاح إلا بعد إيجاد حل للقوة المتربصة، وعلى القوى الوطنية المشاركة في إنهاء التدخل الخارجي بأن تستهجن وتستنكر وتدين بل وتقصي كل من يستقوي بالخارج.
أما عن المسألة الإدارية فهناك حلول كثيرة منها اللامركزية للمحافظات أو تبني رسميا للنظام الفيدرالي طبقا لدستور جامع وليس تبعا لمزاعم توزيع الثروة والبعد الجغرافي المزروعين إقليميا في أذهان المتخلفين من أبناء الوطن.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً