يبدو أن صفر مكعب هو مستوى الثقافة الدستورية والقانونية عند من يفترض أنهم سيؤسسون اللبنات الأولى لدولة القانون!!! كم ستعاني ليبيا من هكذا مستويات قانونية ودستورية وديمقراطية. أحياناً يشعر الشخص بالخجل ولكن الوجل أعظم تأثيراً في النفس مما نشاهد. دولة القانون تحتضر أمام جزاري الدستور والقانون والديمقراطية في مؤتمرنا الوطني. (The Rule of Law) تبدو كلغز مبهم أمامهم.
معايير اختيار رئيس الوزراء!!!!! أسمعتم عن مهزلة قانونية دستورية بمثل هذا المستوى؟! وكأن رئاسة الوزراء وظيفة في شركة؟ والطامة الكبرى المعايير ذاتها!! لكِ الله يا ليبيا من هكذا ثقافات.
يبدوا أن أعضاء المؤتمر الوطني يجيدون النسخ واللصق فنص المادة 26 من الإعلان الدستوري المصري تنص على أنه: “يشترط فيمن ينتخب رئيسا للجمهورية أن يكون مصريا من أبوين مصريين, وأن يكون متمتعا بحقوقه المدنية والسياسية, وألا يكون قد حمل أو أي من والديه جنسية دولة أخري, وألا يكون متزوجا من غير مصري, وألا تقل سنه عن أربعين سنة ميلاديـة.” (انتهى النص).
ولذلك أراد أعضاء لمؤتمر أن يستنسخوا هذه الشروط ولكن لتصحرهم الدستوري والقانوني لم يدركوا أن هذه المادة لا مثيل لها في الإعلان الدستوري الليبي حيث تنص المادة 6 منه على أن: ” الليبيون سواء أمام القانون، ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية، وفي تكافؤ الفرص، وفيما عليهم من الواجبات والمسؤوليات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدِّين أو المذهب أو اللغة أو الثروة أو الجنس أو النسب أو الآراء السياسية أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء القبلي أو الجهوي أو الأسرى.” (انتهى النص).
وبالتالي فان أي شرط مبتدع على تولي وظيفة رئيس الوزراء او الوزراء أو أي وظيفة من قبيل الشروط المصرية يعد اعتداء صارخاً على الإعلان الدستوري الليبي واعتداء على ابسط مبادئ الديمقراطية وهو المواطنة المتساوية. ويبدو لنا أن المؤتمر الوطني لا يعرف معنى الجنسية كمركز قانوني ومدى تجسيدها للمواطنة كركيزة أساسية وجوهرية في الديمقراطية.
من المبادئ القانونية المعروفة مبدأ التدرج الهرمي أو التدرج في القوانين ، ومؤداه خضوع التشريع الأدنى للتشريع الأعلى وألا يأتي بما يقيد مطلق ذلك التشريع أو يخصص عامه أو يضع استثناء عليه , أو ينسخ حكما ورد فيه وقد بينت المحكمة العليا الليبية هذا المفهوم في المبدأ رقم 45/31ق بجلسة 4/2/1986 بنصها على أنه: “……إن للتشريع في الدولة درجات ثلاث يمثل التشريع الأساسي ( أي الدستور أو الإعلان الدستوري أو ما يقوم مقامهما ) فيها المقام الأعلى ويتلوه في المرتبة التشريع العادي أو الرئيسي وهو ما يعرف بالقانون , ثم يأتي التشريع الفرعي وهو ما يسمى باللوائح من تنفيذيه وتنظيميه ولوائح ضبط في المرتبة الأدنى وان هذا التدرج بين التشريعات في القوة يقتضى خضوع الأدنى منها للأعلى , ذلك أن كل تشريع يستمد قوته من مطابقته لقواعد التشريع الذي يعلوه , فإن صدر مخالفا لأحكامه عد ماورد به من مخالفة لاغيا , فالتشريع العادي – أي القانون – يجب ألا يعارض التشريع الأساسي (أي الدستور أو الإعلان الدستوري أو ما يقوم مقامهما ) , والتشريع الفرعي أو اللائحي ينبغي ألا يخالف القانون وأنه كما لا يحق للتشريع الأدنى أن يتضمن من الأحكام ما يخالف التشريع الذي يعلوه لا يحق له أيضا أن يأتي بما يقيد مطلق ذلك التشريع أو يخصص عامه أو يضع استثناء عليه , أو ينسخ حكما ورد فيه . فإن تضمن شيئا من ذلك كانت القوة والقابلية للتطبيق لما يرد بالتشريع الأعلى دون أعطاء اى قوة قانونية لما يحويه التشريع الأدنى من أوجه المعارضة أو المخالفة أو التقييد أو الإطلاق.
ومن اعتداء مؤتمرنا الوطني على دولة القانون مناقشته لجواز الجمع بين عضويتي المؤتمر والحكومة !!!! حيث أكد تكتل الاتحاد من اجل الوطن بقيادة عبد الرحمن السويحيلي أن الضوابط التي تستخدم لاختيار رئيس مجلس الوزراء بما فيهم الجنسية والجمع بين رئاسة الوزراء وعضوية المؤتمر محل نقاش !!!!
وهذا فضلاً عن كونه إجراء خطير واعتداء على مبدأ الفصل بين السلطات المستقر في معظم الديمقراطيات ، فإن فيه اعتداء على الإعلان الدستوري وعدم إلمام بوظيفة النصوص القانونية . حيث يظن أعضاء المؤتمر الوطني أن النصوص العامة المتعلقة بالمجلس الانتقالي في الإعلان الدستوري خاصة به دون المؤتمر الوطني وهذا قمة الاعتداء على دولة القانون.
فالنصوص القانونية والدستورية العامة تسري حتى ولو تم تغيير مسمى الجهة أو المؤسسة ، فمثلاُ لو عاقبت مادة في العهد الملكي على شتم رئيس مجلس الأمة فإن هذه المادة تنطبق على من يشتم أمين مؤتمر الشعب العام وقت القذافي وتنطبق على من يشتم رئيس المجلس الانتقالي أو رئيس المؤتمر الوطني العام . وهذا مبدأ دستوري وقانوني معروف وبالتالي فعندما تنص المادة 21 من الإعلان الدستوري على أنه : ” .. لا يجوز الجمع بين عضوية المجلس الوطني الانتقالي وتولي الوظائف العامة التنفيذية ….” . فإن ذلك يمتد أيضاً إلى المؤتمر الوطني لأنهما متساويان في المركز القانوني.
وقبل ذلك اعتمدت اللائحة الداخلية للمؤتمر بدون أغلبية الثلثين المطلوبة في كل قرار صادر عن المؤتمر الوطني طبقاً للمادة 30 من الإعلان الدستوري . وقبل ذلك وبعده نسمع جمل قانونية عجيبة كمنع كل من قتل ليبيين أو سرق أموالهم من الترشح ل….. ، هذا يبدوا من بديهيات النتائج المترتبة عن الأحكام الجنائية الباتة الصادرة بالإدانة في هاتين الجريمتين ، ولكن الاختراع القانوني الجديد أن القتل والسرقة لدى طبقة واسعة من مثقفينا والحرمان من الحقوق المدنية هنا يتم بدون حكم جنائي بات ، بل وبدون حتى توجيه اتهام جنائي ، فهؤلاء لا وقت لهم لتفاهات القضاء والقانون . فما أشبه عقلية هؤلاء بالطغاة . وننتظر المزيد من هذا القتل البطيء لدولة القانون.
دولة القانون ومشتملاتها كسيادة الدستور والتدرج القانون تعاني من أعضاء مؤتمرنا الوطني ، والحل برائينا الاستعانة باستشاريين وخبراء قانونين في المؤتمر الوطني يدير شؤونه ويضمن احترام هذه المبادئ الجوهرية ، في حين نسمح لأعضاء المؤتمر الموقرين بالاستمتاع بتكوين الثروات وإثقال كاهل الخزانة العامة جراء فضيحة مرتباتهم ومعاملتهم المالية التي تبين بوضوح أن هذا الشعب يستحق نواباً أفضل من هؤلاء الباحثين عن المال والجاه وجعل ليبيا مسرحاُ لتجاربهم وأيدلوجياتهم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً