(1)
وقف الدكتور صالح المخزوم، رئيس الوفد المفاوض للمؤتمر الوطني العام، أمام العالم في لحظة تاريخية فارقة يخاطب الشعب الليبي بقوله: ” نحن إذ نوقع بالأحرف الأولى على وثيقة الاتفاق السياسي الليبي متحفظين على بعض موادها، نعلن لشعبنا الليبي الكريم أننا سنستمر في الحوار والتفاوض من أجل التوصل لاتفاق شامل بشأن كل القضايا العالقة قبل التوقيع النهائي على الاتفاق، وما حملنا على التوقيع بالأحرف الأولى إلا رغبتنا في إرسال رسائل الطمأنة لشعبنا بأننا سنعمل على إنهاء الانقسام ولم الشمل وإصلاح ذات البين في كل ربوع ليبيا الحبيبة”.
هذه الكلمة المفترضة هي فرصة فائته، لن يسجلها التاريخ، لأن المؤتمر الوطني العام قرر الغياب وترك كرسيه شاغراً. لكن التاريخ سيسجل للمؤتمر تصريحه من طرابلس بأن “التوقيع في الصخيرات بالأحرف الأولى كان من طرف واحد”.
التوقيع بالأحرف الأولى ليس له أي أثر قانون، وليس ملزماً للأطراف، ويمكن أن يكون التوقيع مشروطا بتحفظ، ولكن الشعب الليبي كان في أمس الحاجة إليه. هذا الإجراء البروتوكولي يرسم الإطار العام الذي يستمر التفاوض في إطاره، إلى حين التوافق والتوقيع النهائي عليه. التوقيع بالأحرف الأولى يرسل رسائل طمأنة إلى المتضرر الرئيسي من هذا النزاع، وهو الشعب الليبي، لكن المؤتمر قرر بالإجماع الغياب.
ليست هذه المرة الأولى التي يغيب فيها المؤتمر الوطني العام؛ بل لربما هي إستراتيجية تبناها المؤتمر بناء على نصائح فريق مستشاريه للضغط على مسار الحوار.
المؤتمر قاطع الحوار في بدايته واشترط أن يكون داخل البلاد، ثم ما لبث أن تنازل عن هذا المطلب وشارك في جولاته خارج البلاد، بعد أن تمت صياغة المسودة الأولى بعيداً عنه. وعلق مشاركته عندما هاجمت قوات حفتر مصرف ليبيا المركزي ببنغازي، ثم ما لبث أن استأنف المشاركة في الحوار من جديد، لكن بعد أن تمت صياغة الترتيبات الأمنية وإجراءات بناء الثقة بعيداً عنه أيضاً. المصرف الذي علق المؤتمر مشاركته بسببه، صار جبهة مشتعلة في خط النار الأمامي.
غياب الوفد المفاوض للمؤتمر عن جلسة التوقيع بالصخيرات سيكون له نفس الأثر، أي بمعنى أنه سيستأنف المشاركة، لكن بعد أن يكون التداول بشأن تشكيل الحكومة قد انطلق بعيدا عن أعين وفد المؤتمر، وآراء خبرائه وممثليه، ليصبح منضماً للإتفاقية بدلاً من كونه منشىء لها.
(2)
في المقابل حضر التوقيع بالأحرف الأولى (بصفة شهود) عمداء عدد من البلديات، تمثل أكثر من نصف الشعب الليبي. هؤلاء العمداء سجلوا تحفظهم على عدد من البنود؛ منها دور الثوار والعمل على تأهيلهم وتدريبهم ودمجهم في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية، وطالبوا بأن تؤسس هذه المؤسسات بعيداً عن الشخصيات الجدلية، من أمثال اللواء المتقاعد خليفة حفتر. كما أكد بيانهم على ضرورة إلغاء كافة التشريعات والبيانات والاتفاقيات الصادرة قبل عودة كل النواب إلى البرلمان، كبادرة حسن نية.
(3)
وقع أعضاء البرلمان المقاطعون على الاتفاق السياسي الليبي، وسجلوا في تحفظاتهم التي ضمنوها رسالة وجهوها لرئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا؛ أن مسودة الاتفاق لم تتضمن خطة واضحة لانعقاد مجلس النواب كاملاً خارج مدينة طبرق، و لم تتضمن معالجة القضايا الخلافية مع الأعضاء المقاطعين، وأشارت الرسالة أيضاً إلى غياب دور مجلس الدولة في سحب الثقة من الحكومة. وسجلوا تحفظهم على إهمال المسودة لوضع اللواء المتقاعد خليفة حفتر المكلف بمهمة القائد العام من قبل مجلس النواب في الوقت الحالي، بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني.
(4)
ووقع على وثيقة الاتفاق السياسي الليبي رئيس حزب العدالة والبناء متحفظا على ما رأى أنه يستدعي التحفظ في مسودة الاتفاق.
ذكر السيد صوان في رسالة وجهها إلى رئيس البعثة الأممية برناندينو ليون؛ أن الحزب يرى ضرورة تحصين الاتفاق من الطعن، في إشارة إلى وجوب أن يقر المؤتمر تعديلا للإعلان الدستوري بعد التوصل إلى الاتفاق النهائي.
وأن يعتبر التعديل الدستوري الذي يقره المؤتمر منشئاً لمجلس النواب، وبالتالي تعقد جلسته الأولى وفقاً للأعراف البرلمانية.
وطالب الحزب بأن يكون أعضاء مجلس الدولة من الأعضاء الحاليين للمؤتمر الوطني العام، كما نصت الرسالة على اقتراح بشأن آلية اختيار أعضاء مجلس رئاسة الوزراء.
(5)
لم يمنع ما جرى في الصخيرات أن يكون في نواب طبرق ومؤتمر طرابلس المباركون والمعارضون، ويسري الأمر ذاته على البلديات، وأعضاء البرلمان المقاطعين، وحزب العدالة والبناء. من يبارك التوقيع له أسبابه، ومن يعارضه له أسبابه، بالرغم من غياب الرؤية البديلة للمعارضين لهذا الحوار، في ظل مرحلة انتقالية طويلة تخللها نزاع دموي مؤلم.
من عيوب المراحل الانتقالية أن السلطات القائمة فيها، سلطاتُ أمر واقع، يستتب لها الأمر في حالات التوافق فقط. وهذا الواقع كما شهدناه، فيه كل أشكال وألوان التوافق والاختلاف بين “مع” وبين “ضد”.
شرعية الأمر الواقع تُزيح للأسف كل الشرعيات التقليدية، بما فيها مرجعية الأحكام والقوانين والدساتير والانتخابات، وتسقط كل ذلك لصالح سلطة التوافق التي تضفي عليها الحاجة الواقعية شرعية شبه مطلقة. إن حاجة حياة الناس إلى الاستمرار، وافتقار استمرارها إلى سلطة تقوم عليها، وتدبرها، لا يدعان مجالا للتأخر في البحث عن “سلطة شرعية” ولا يمكن في ظل النزاعات التي تعصف بالقواعد، وجود شرعية خارج التوافق.
إن المحطات الفاصلة في تاريخ الشعوب لا تمر إلا عن طريق نزاعات كبرى، وأحيانا تكون دموية، (وهذا النموذج للأسف هو ما نعايشه اليوم في ليبيا) وهو ما يضع القوانين الدستورية، وكافة المرجعيات، في مهب رياح التنازع والتأويلات المتضاربة، ما يعني في النهاية ضعف منطق إدارة الاختلاف، لصالح سيادة منطق الغلبة، وهو ما يعرف ذروته مع إشهار السلاح في وجه الأخ الذي تحول إلى خصم.
لحسن الحظ فإن هذه المرحلة (الاحتكام إلى السلاح) لا تطول بسبب كلفتها الباهظة على كل الأطراف، وبسبب تشابك المصالح في عالم اليوم، لكن الصعوبة تكمن في أنها لا يمكن أن تُتجاوَزَ بالاحتكام إلى القواعد التي سبقت اندلاعها. لذا لا بد من البحث عن قواعد جديدة.
إن القواعد الجديدة لا تجد أقرب إلى المنطق، ولا إلى قواعد إدارة الخلاف، من سبيل التوافق، الذي يتحول إلى شرعية فوق كل المرجعيات.
إن التوافق يعني، في صورته الأولى، تلاقيا في منطقة وسطى لا غالب فيها ولا مغلوب. إنه بتعبير آخر: لقاء بين من غيبتهم لحظة الذروة في النزاع، وهم المعتدلون في كلا الطرفين.
إن شرعية التوافق تُعَضَّدُ بتكييفها مع المرجعيات الدستورية، أو على الأصح بتكييف المرجعيات الدستورية معها. إنها أمر واقع يُصَرِّفُه العقلاء من كل أمة، ليضعوه في مسطرة منطقية، يمكن الاحتكام إليها في مرحلة انتقالية تقود إلى وضع دستوري دائم.
إن الوضع الدستوري الدائم الذي يجد فيه الجميع أنفسهم، ويعبر عن الشخصية الكلية للمجتمع، هو الحالة الطبيعية التي تعود فيها قواعد المنطق، ومرجعيات التشريع إلى العمل الطبيعي، وساعتها تكون المرجعية السلطوية كاملة الأهلية القانونية، تحكم الناس بالدستور، ويحاكمها الناس بالدستور الذي انتخبوها على أساسه.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
مع احترامنا لكل ما ورد و لكن انت قلتها
التوقيع بالاحرف الاولى لا يعني اي شيء و ليس له اي اثر قانوني ملزم ، فلماذا اذن كل هذه ” الهوليلة ” له و الإصرار عليه و خاصة الإصرار على توقيع الموتمر و هو الطرف الأهم في الحوار ، الم يكفي من حضر اذا كان الامر بروتوكوليا فقط ( اذن في الامر انّ المشهورة خاصةً مع وجود هذا الإسباني المتآمر ذو السمعة السيئة الذي في الحقيقة ما لعب دور وسيط بنزاهة أبدا بل هو منحاز من اول ما تم تعيينه لهذه المهمة التي اختير لها بعناية ، آلو جانب تسلطه و فرضه مسودات تحوي بنود لم تبني علي ما سبقها من مسودات تتجاوز فيها نقاط الخلاف و تضع مقترحات لنقاط الخلاف الاخري ، هى لا يستحق ذرة من ثقة بل كل التوجس و كل ريبة )
ثم ثانيا و انت قلتها ايضا “، اجراء بوتكولي يرسم الإطار العام الذي يتم التفاوض في إطاره ” ، اتفاق تجري عليه مقترحات و لكن يبقي في إطار هذه المسودة السوداء ، يعني لا قيمة لهذه التعديلات و المقترحات و التي لن يؤخذ بها لانها في حقيقة الامر تناقض تماما بنود المسودة التي ببساطة تسلم الامر في ليبيا الي برلمان منحل اصلا بحكم محكمة ، برلمان سيّء السمعة ، استعدى و سمح لدول يحكمها انقلابيين على شرعية صحيحة او دول قزمة سمح لها بضرب المدن و قتل ليبيين ، في سبيل تمهيد لدور اكبر اذا ما تم لهم الامر و في سبيل معارضتهم و خوفهم من ربيع ايقض شعوب المنطقة بأسرها من غيبوبة ، و في مقابل حفنات من أموال قذرة لافراد منه باعوا انفسهم لها ، فكيف نقر مسودة تسلم البلاد لهم وليس لأحد الاعتراض علي قراراتهم ، برلمان عين مجرم حرب مخرب. و عميل و زلم عينه على راس المؤسسة العسكرية و بداء يتغول حتى علي من عينه و يرى في نفسه الحاكم بأمره متآمر على البلاد مع انقلابيين منبطح لهم تماما ، فيكف نسلم له
ثم ماذا أعطى هذا الإسباني و من وراءه من ضمانات ، غير الترهيب و التهديد بالتدخلات العسكرية من هنا و هناك
ارى انك اخطئت في تقديرك فقولوها فلن يكون رأيكم أفضل من رأي أغلبية و متزنة ايضا ، التفوا حول الموتمر وأنتم تعرفون صدق افراده و وطنيتهم و لا تنسي ان به كتل انحازت الي الوأي السديد حتى مع مخالفته لرأي رئيس حزبهم
المراهقة السياسية من طرف المؤتمر واضحة تماما، فإضافة إلى غياب الاستراتيجية في عمله تتباين أراء الاعضاء إلى درجة الاختلاف والخلاف، وهذا لا يعبر عن قصر نظر فقط بل إلى جهل حقيقي بقواعد الاشياء وسذاجة ما كان يجب أن تكون في أعضاء مجلس تشريعي يمثل أعلى سلطة في دولة تكاد تكون في طور الاحتضار. لماذا لا يترك السادة أعضاء المؤتمر السياسة ويعودون إلى بيوتهم مثلما فعل نحو مئة من زملائهم عندما انتهت فترة شرعيتهم.. أليس ذلك أفضل لهم ولليبيين..؟