لقد عاصر معظم الليبيين فى عهد النظام السابق ما كان يُسمى (مؤتمر الشعب العام) وما كان يُمارس فيه من كذب وغش وتزوير وإستخفاف بالليبيين وحياتهم ومستقبلهم ومستقبل أجيالهم ، وكيف كان يُنتخب أعضائه عفواً (يُصعد) بطريقة لا تخلو من الفوضوية والتحايل والغش والضحك على الذقون وكيف كان رأس النظام يجلس خلف الكواليس بقاعة مؤتمر الشعب العام لكى يُسيّطر على رئاسته وأعضائه وكيف كان يتدخل فى الوقت الحرج الذى يشعر فيه بأن المؤتمر قد إنحاز للمواطن أو طرح موضوع يمس نظامه وسياسته .. أعتقد أن ذلك ليس خافياً على أى ليبى عاصر تلك الفترة التى كان النظام يظن فيها أن المواطن الليبى ساذج ويمكن تمرير القرارات السياسية عليه بسهولة .ولا ننسى ذلك الإستخاف بالمواطن الليبى عندما طرح القذافى على المؤتمر كيف يُحدّد مرتبه !! إستخفاف ما بعده إستخفاف ، ولكن للتاريخ أن ما كان يتقاضاه أعضاء مؤتمر الشعب العام فى نظام القذافى كان مجرد الدرجة الوظيفية الثالثة عشر التى لا تتجاوز(500) دينار وسيارة فى حدود (15) ألف دينار ولكن الإستنسّاخ والإمتداد والجشع فى نهب أموال الشعب الليبى هو وصول المرتب لأعضاء المؤتمر الوطنى العام إلى (12) ألف دينار وإقامة (3000) دينار وسيارة (45) ألف دينار والمهمات الرسميه (3) ألاف دينار وما خفى كان أعظم وكـأنه هجوم مبّرمج على المال العام ولنا فى هدر (66) مليار دينار فى غضون أشهر عبرة لمن يعتبر ومن لا يريد أن يصدّق أن ليبيا تتجه إلى الهاوية .!! فهذا هو الإستنسّاخ والإمتداد الذى تجاوز كل الحدود المنطقية.
لقد كانوا يرفعون شعار الرجل المناسب فى المكان المناسب ويرددون عبارة الديمقراطية الشعبية فى ظل إحدى مقولات الكذب (الشعب يحكم نفسه بنفسه) وهذه العبارة براء منهم ومن تُرهاتهم ومن ألاعيبهم التى فُرضت على الشعب فرضاً دون أن يكون له رأياً ولا صوتاً ، صحيح أنه لم يكن فى تلك الفترة أحزاباً ولا تكتلات سياسية بل كان هناك تكتلات قبلية وتيارات شللية ومفاهيم عشائرية وقبلية وحتى معتقدات جهوية وعنصرية ومناطقية تعارف عليها كل من وصلوا إلى تلك القاعة التى تُسمى (قاعة مؤتمر الشعب العام) فالوصول إلى تلك القاعه ليس سهلاً كما يظن البعض ، فقد كانت أسماء المُصعدين تصل إلى غرفة عمليات يُهيمن عليها ما يُسمى (مكتب الإتصال باللجان الثورية) وهو الحزب الحاكم فى العرف السياسى حيث تُسلّم لهم الملفات لكى يبدأوا فى فحصها وتتبعها وتتبع مواقف أصحابها الوطنية التى لا تروق للنظام ومدى قناعتهم بما يُسمى (سلطة الشعب) حتى يضمنوا أن هذا الشخص لو وصل لقاعة مؤتمر الشعب العام سيكون موالياً وتابعاً لهم بدرجة عالية فى إطار (لا أسمع لا أرى لا أتكلم!!)، أما ما كانوا يُسمّون الأمناء أى الوزراء والمناصب الكبيرة فليس من السهل تقلّد هذه المناصب لأنها تتطلب تقديم القرابين للنظام ويفضل أن تكون تورط فى قتل أو شنق أو تعذيب بعض من المعارضين الليبيين فى الداخل والخارج لكى يدوم فيها الأمين (الوزير) أو السفير مدى الحياة أو يكون من المقربين للقذافى شخصياً أى من عائلته أما الإبتعاد أوالإستقالة فهى ممنوعة منعاً باتاً كما قالها القذافى شخصياً مرة دون أن يُدرك ذلك حينما قال ليس لدينا من يستقيل بل لدينا من يسقط ويُطرد عندما يخون المسيرة الثورية على حد قوله . ولكن الحمد لله اليوم لدينا من يستقيل لمجرد الحفاظ على كرامته من الإهانة أو التشويه .
أقول … إننى أتذكر فى تاريخ 11/2/2011م وقبل تفجّرالثورة بأسبوع وصلنى منشور على بريدنى الإلكترونى دون الإشارة إلى من قام بكتابته وأتذكر أنه يتضمن أربع صفحات تم الإشارة فى الصفحة الثالثة منه إلى (أنه سيتم تكليف سيف الإسلام بما يُسمى هيئة التغيير والإصلاح إذا وافق على بعض الشروط .. أى أنه لم يكن هناك ممانعة فى التعامل مع النظام فى ذلك (التاريخ ) من قبل جهة محددة تُمارس اللعب فى الخفاء وأعتقد أن ذلك البيان تم نشره فى موقع المنارة وقد كان ذلك البيان بمثابة إنتكاسه للبعض من الوطنيين والشرفاء الذين عقدوا العزم على الخروج يوم 17 فبراير ، وهو ما يؤكد أن هناك فئة ربما تصالحت مع النظام وكانت تلعب فى الوقت الضائع وأرادت أن تنتهز الفرصة لتقديم القرابين الولائية للنظام لكى يكون لها موضع قدم عندما لا ينجح الثوار فى تحقيق إسقاط النظام ولعلكم إستدركتم ما أعنيه بذلك ولعل القارئ الكريم وبعد المهازل والتجاوزات القانونية والغش والكذب الذى يُمارس فى المؤتمر الوطنى العام .. أدرك أن ذلك البيان لم يكن من فراغ بل كان مقدمات لأى أمور قد تحدث فى ليبيا … علماً بأننى لا زلت أحتفظ بصورة ضوئية من ذلك المنشور لعل من كتبه قد الغاه نهائياً ، حيث قمت بتسليم صورة منه لرابطة تجمع إنتفاضة 76 الطلابية.
أيها السادة .. نحن فى ليبيا اليوم وبعد أكثر (26) شهراً من تفجير الثورة أو إنتفاضة فبراير كما يرغب البعض فى تسميتها ، لم يلاحظ المواطن الليبى أى تغيير يُذكر سوى هامش من حرية الإعلام بالرغم من فقد الأمن والأمان والذى أصبح واضحاً للعيان ، وما يلاحظه المواطن الليبى الذى يحمل بين جنباته هموم الوطن هو إختفاء الشرفاء والوطنيين ومن كان لهم دوراً حقيقياً فى التعجيل بإسقاط النظام ومن كانوا بأقلامهم يتصدون للفساد والمفسدين من أتباع النظام الذين تم برمجتهم لتخريب الإقتصاد الوطنى والحياة السياسية .. ممن كانوا من أوائل المنتفضين ضد الفساد ، ولكن اليوم لم يعد يرى المواطن سوى مجموعات أخرى غريبة عليه من الإنتهازيين والمزورين الذين تحكموا فى المؤتمر الوطنى وكأنهم لجاناً ثورية جديدة وفى لباس جديد وبمفهوم آخر وما التزوير والغش الذى حدث فى الأيام الماضية بشأن قانون العزل السياسى إلا دليل على الإنتكاسة والكارثة التى حلّت بنا وفى غفلة من المجلس الإنتقالى الوطنى الذى ساعد فى إشهار تلك الأحزاب والحركات والتكتلات المشبوهة التى قفزت على الكراسى ، فهل إستبدلنا مؤتمر شعبى عام بمؤتمر وطنى عام أم أنه الإستنساخ الذى حدث دون أن نعلم . فشعبنا الطيب لا يُدرك المكائد والمؤامرات القذرة إلا بعد وقوعها فعليه النهوض والوقوف فى وجه هذا التيار الخطير الذى ربما سيودى بالوطن إلى التهلكة فكذب وغش ولاة الأمر لا يمكن أن يمر بدون عقاب فأفيقوا أيها الغافلون قبل فوات الأوان.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً