تثير عملية التسليم المتسارعة للمواقع والمقرات التي استولت عليها الكتائب والتشكيلات والميليشيات وحتى العصابات المسلحة العديد من التساؤلات في الشارع الليبي حيث تابعت مختلف أطياف المجتمع هذه الخطوات التي أبرزتها وسائل الإعلام المختلفة بشيء من الارتياح المشوب بالحذر الشديد.
ويتساءل معظم الليبيين في تحاورهم ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك)، عن جدية تسليم هذه المقرات لمؤسسات الدولة الرسمية وبخاصة الجيش والشرطة وهي، كما يعلم الجميع، لا تزال هشة وفي طور البناء إلا أن السؤال الأكبر والمشروع يدور حول مصير السلاح، خفيفه ومتوسطه وثقيله، الذي لا يزال بأيدي هذه الجماعات المسلحة على مختلف انتماءاتها وخلفياتها ومرجعياتها. كما تركزت هذه التساؤلات حول جدية هذه التشكيلات وما إذا كان تسليمها لهذه المقرات عملية تكتيكية ومناورة لامتصاص حالة الغضب والغليان في الشارع الليبي والتي تجلت يوم الجمعة “الدامية والصادمة” حيث لم يتردد سكان طرابلس في دفع ضريبة جديدة وثقيلة من الدم لإعلان رفضهم لأي تواجد لاية تشكيلات مسلحة تحت أي مسمى.
ويحمل الليبيون كافة هذه المجموعات المسلحة مسؤولية الانفلات الأمني وعمليات الاختطاف والتعذيب في سجون ومعتقلات بدائية لا تخضع لأي سلطة وعمليات دهم خارج القانون ناهيك عن الحرابة والسطو المسلح على الممتلكات العامة والخاصة وترويع المواطنين الآمنين وأخذهم رهائن في مدنهم وقراهم ووضع العراقيل وفق أجندات قبلية وجهوية وسياسية محمومة لمنع بناء دولة المؤسسات والقانون التي من أجلها ثار الليبيون بكل أطيافهم على النظام الذي قوض أسس الدولة في ليبيا. ويواصل الليبيون بعد أحداث الجمعة الدامية قراءة ردود فعل حكومة السيد علي زيدان في أعقاب هذا الحراك الشعبي الذي تشهده العاصمة في مواجهة الكتائب المسلحة ويتساءلون هل قامت الحكومة بالفعل بوضع الآليات العملية لتسلم المواقع المفترض أن تكون هذه الكتائب قد انسحبت منها وأمنتها أو سلمتها إلى أصحابها، أم أنها اضطرت لتسبح مع التيار لمسايرة الرأي العام وتجيير المظاهرات السلمية في طرابلس للرفع من رصيدها في الشارع الليبي حيث توصف بالعجز وانعدام الخبرة في التعامل مع الوضع الليبي وهو حقيقة معقد جدا.
وفي سياق متصل لاحظ العديد من الناشطين الذين شاركوا في مظاهرة الجمعة الماضية وكذلك المتتبعين لها ما يمكن أن يشير إلى اختراق تيارات سياسية لصفوف المتظاهرين من خلال شعارات رفعت في المظاهرة وكانت تنادي بإسقاط الحكومة وتندد برئيس الوزراء وهي، برأي الكثير من المراقبين، مناورة محسوبة ومتعمدة لتمييع أهداف المظاهرة وربما إجهاضها. إن قادة هذه التشكيلات المسلحة الذين برزوا فجأة في المشهد السياسي والاجتماعي الليبي دون أية خلفيات لهم سوى احتكامهم لقوة السلاح المنهوب من مخازن الطاغية التي فتحها عن عمد ونشرها في الأحياء السكنية والمؤسسات العامة لإشاعة الفوضى عند سقوطه، يدركون دون أدنى شك، أن الليبيين ليسوا سذجا ولن يقبلوا بالحلول الملفقة ولا بأنصافها وإنهم يتابعون عن قرب هذا الملف “الأمني” الذي آن له أن يغلق وآن لأصحابه أيضا أن ينسحبوا بسلام قبل أن تتلطخ أيديهم بمزيد من دماء الليبيين بعد أن سمعوا صوت الشارع الليبي يردد بقوة “لامكان للتشكيلات المسلحة، والمطالب بجيش وطني وشرطة”.
اترك تعليقاً