الله لا يحرمني منك

الله لا يحرمني منك

عمر الفيتوري السويحلي

مؤسس أكاديمية القرآن الكريم بطرابلس

الفصل الأول حوار راقي جداً…

جلست تحدثني فقالت..

أراك تتمتع بحيوية ونشاط وفكر منير..

لقد قرأت ما كتبته ونشرته وسمعت ما قولته عن زوجتك الراحلة رحمها الله ورأيت كيف تعاملها وشهدت لي هي بحسن عشرتك لها ولطفك..

أقدر فيك الإخلاص والوفاء والعرفان بالجميل الذي قلّ ما تجد أي منه بين الأزواج هذه الأيام..

صمتت قليلاً وعدلت من جلستها ثم قالت..

ولكن اسمح لي أن أظن إنك إذا ما إنصرفت من عملك و عُدت إلي بيتك فإنك تعود إلي بيتك وكأنك مقصوف الجناح ومهزوم الوجدان فلا تجدها في إنتظارك وتمضي ليلتك وحيداً لا مؤنس لك وفي صباحك تحتار في تنسيق ملابسك واختيار ألوانك وقد أفقدك رحليها عنك لذة طعامك وتشعر وكأن لا أحد يهمه أمرك أو يتفهم مشاعرك ويُراعي أحاسيسك فيلتهمك الضياع…

قلت:- نعم….

فعلاً إني أشعر وأنا أجرجر قدمي بحزن عائد إلي بيتي مذلول كقائد خسر معركته وأتياً على الملك ولا يعلم إلي أين يتجه مستقبله و لا إلي أين ستسري به ليالي عمره…

دعيني أعترف لكِ.. شيء من كلامك يعبر عن بعض من معاناتي…

وقد تكون معاناتي أشد من وصفك…

فبعد أن فقدت زوجتي أعيش في ضياع…

فليس بيدي شي يسمح لي به ديني وضميري بفعله إلا و قد فعلته و قرة عيني في ذلك الصبر الجميل وصلاة الجماعة…..

قالت هي: هذا جزء من الحقيقة وأساندك على ذلك وينقص من حقيقة فيما اعلمه عن الإسلام وانت مسلم أنك لم تُطع نبيّك في سنته…

قُل لي فلماذا هذا؟

أجبتُ: وأين ما ذكرتيه؟

فقالت: فقد نصح نبيّكم من ترمل من أصحابه بسرعة الزواج ولكنك لم تعمل بالنصيحة…

قلتُ: نعم أتفق معك..

هذا ما ذكره لنا علماءنا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم..

ولكن أين أنا من الصحابة وأين نساءنا من نساء المهاجرين والأنصار…

يا سنوانتي….

لقد أحببتُ زوجي فوق ما تتخيلين..

قالت: إن حبك لزوجتك لن يعلو بأي حال فوق حب نبيَّكم لزوجته الأولة السيدة خديجة… تزوج بعد وفاتها وقال عن عائشة حسب ما قرأت إنها أحب النساء إليه… وأذن لك أن تصحح معلوماتي هذه…

قلتُ: معلوماتك دقيقة فيما ذكرتيه عن الإسلام…. نعم ذاك خُلق نبينا العظيم…

يا سنوانتي..

أنا كما تريّني أمامك؛ فمن هي التي ترضى بمثلي زوجاً؟؟ إلا إذا كانت هي أسوء حالاً مني أو قد أكون في نظرها الفرصة المتبقية الأخيرة في حياتها..

صمتت وصمتُ إلي أن ظننتُ بأن الحوار الممتع انتهى…

ولكنها قطعت جدار الصمت بما فاجأتني به و قالت: فكيف تراني أنا؟

قلتُ: من لقاءاتي بك وحواراتي معك فإن إنطباعي عنكِ إنك امرأة مثقفة وواعية وذكية ومؤدبة في حديثك وخفيفة الظل ومما علمته عنك إنك في سن العقل والرشد وليس لدي ما أعيبك به.

قالت: هل أصارحك وتكتم السر؟… أني ارتاح إليك كثيراً وإعجابي بك ازداد كلما قابلتك وأشعر وكأنه تحول إلى ولع بك ولن أملك السيطرة عليه إذا ما تحول إلى عشق..

وأكثر ما أعجبني فيك إخلاصك ووفائك واعترافك بالجميل ومروءتك وسيرك في قضاء حاجات الناس….

سكتت وهلةٌ.. ثم قالت: ألا تتزوجني…….

ألا تتزوجني إن وهبت نفسي لك؟ ورضت أمي عن ذلك…؟

تمهلتُ قليلاً أبحث عن كلمات وما وجدت إلا أن أقول: لا يا سيدتي أنا لا أستحق منك هذا الثناء… وكما أحسنتي إلي بالقول فإني سأحسن إليك برد جميل وهل جزاء الاحسان إلا الإحسان؟ فسوف أصارحك يا عزيزتي كما صارحتيني…

فأنا كطفل في أشد الحاجة أن أضع رأسي فوق صدر إمرأة تشعر بهمومي وتسمع خلجات قلبي مثلك إمرأة ترد لي المودة والسكينة اللتان رحلتا برحيل زوجتي عني رحمها الله وأنتي أهلٌ لذلك …. إبتسمت فقطعتو إبتسامتها فقلت :- على رِسلك يا سيدتي ..لابد أنك تعرفين الكثير عن ساعة بيج بن ..فأني قد أكون في نظر البعض أنافسها في العتق وربما يظنو بعض الناس فيا أني أصبحتُ مثلها لا أُقدم ولا أُخر..

وقبل أن يذهب ظنك بعيداً لغير ما قصدتُ فإن وصفي هذا لنفسي لا علاقة له بما أحله الله بين الزوج وزوجته من علاقات حميمة…

وعلا الحزن نبرات صوتي وأنا أضيف: يا سيدتي الفاضلة إن أمانتي ثم تقديري لمحبتكِ و إعجابك و ولعك تجعلني أن لا أشاركك في ظلمك لنفسك وأنصحكِ أن تبحثي عن من هو أجدر بك مني فأنا لست في كامل الصورة التي رسمتها ذاتك عني..

أنتي في منتصف حياتك والدنيا أمامك ومن حقك أن تنالي منها ما أحل الله وترتعي وتلعبي فيها وأما أنا فإبتلاني الله بما شاء حتي أصبحتُ أحمد الله على القليل مما أناله من الدنيا ومما إرتضته الدنيا لي..

بكت وأبكتني معها…

ونهضتْ وهي تقول (الله لا يحرمني منك ) ثم طغى الصمت ومضت إلى طريقها….

وقبل أن تبتعد ناديتها فأقبلت علي وقد إمتزج الفرح والحزن على وجهها وكأنها ظنت بأني سأبشرها بما تتمناها ولكن ما إن وصلت إلي حتي مددت لها يدي بشنطتها وقلتُ :- ليلى يبدو أني سببت لكِ صدمة قد أنستك شنطتك. وأعتذر لكِ عن هذا سحبت شنطتها بهدوء من يدي و فتحتها وأخرجت منها ورقة منديل ومدت يدها وسحبت النظارة من فوق عينيّ ومسحت لي مقلتي وخدي من دموعي وعادت فألبستني نظارتي وبنفس المنديل فعلت بعينيها وخديها ما فعلته بي و مزالت الدموع في مقلتيها وقالت: الله لا يحرمني منك ..

في لحظتها ارتفع أذان العصر…

فخرجتُ وراءها مُلبياً إلي المسجد ولما علمت مقصدي جاورتني و سألتني :- هل بهذا المسجد مصلى للنساء فقلت لها بل لعلك تريدين دورة مياه للنساء فإن كان ذلك فإرجعي إلي المبني الذي كنا فيه

قالت: ‎لا بل أريد أن أصلي معكم العصر… فسألتها: هل أنتِ مسلمة… قالت نعم الحمد لله… هذا شي عظيم يجب أن تحدثيني عنه…

أوصلتها إلى غايتها وقُلت لها ستجدي في المسجد ملابس سترة للنساء كانت تصلي بها زوجتي رحمها الله يمكنك أن تصلي بها…

دخلتُ في الصلاة وراء الإمام و أستغفر الله فإن لقاءها أذهب خشوعي وأعترف إني سرحت بعيداً عن الصلاة وأنا أفكر في كلامها… فلم أعد أذكر بماذا صليت وكيف ركعت وسجدت وما عادت بصيرتي إلي الواقع إلا بصوت الإمام (السلام عليكم) وأنا وقد أذهب التفكير فيها وعيي أردد وراء سلام الإمام (وعليكم السلام )

انتهت الصلاة وإنتهى اللقاء وبقي الدعاءُ……الله لا تحرمني منك…

قصة افتراضية

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

عمر الفيتوري السويحلي

مؤسس أكاديمية القرآن الكريم بطرابلس

اترك تعليقاً