لم أفهم تعبير “فلان داير ودن من طين و ودن من عجين” الا هذه الأيام، كنا نردده على سبيل السخرية أو المناكفة، ولكنني اليوم صرت أفهم أن من يتمثل بهذا الوصف شخص اما أنه لا يريد أن يفهم عمداً، أو أن غباءه لا يساعده أن يستوعب ويفهم.
ما علاقة هذا الكلام بما يحدث في ليبيا ولليبيا. للوطن وللمواطن؟
سؤال من حق الجميع طرحه.. وأنا أحدهم.
المشاكل التي يعاني منها المواطن من شح في السيولة النقدية الى الطوابيرعلى محطات البنزين مرورا بسلع لا توزع عبر القنوات الرسمية وانما تدخل من الأبواب الواسعة للسوق السوداء وتباع بعشرات أضعاف سعرها الرسمي المعتمد ـ اسطوانات الغاز على سبيل لمثال ـ .وليس انتهاء بأزمة طرح الأحمال الكهربائية لعشر ساعات في اليوم الواحد ان لم يكن أكثر.
لماذا يحدث هذا؟
سؤال أيضا من حق الجميع طرحه.. وأنا أحدهم.
يفترض أن لدينا ثلاث سلطات: تشريعية وتنفيذية وقضائية.
السلطة التشريعية مرتبكة ومفككة وغير قادرة على ادارة البلاد. فمجلس النواب منقسم الى ثلاثة أقسام: مقاطعون له من اليوم الأول وممتنعون عن حضور جلساته بسبب ما يتعرضون له من مضايقات وقلة قليلة تجتمع وتتخذ قرارات لا تحظى بالنصاب القانوني وبالتالي فهي والعدم سواء. عبث بمصير الدولة ما بعده عبث.
في ظل هذا الوضع المزري لمجلس النواب غابت الرقابة التشريعية على تصرفات السلطة التنفيذية وأصبحت هذه السلطة تسرح وتمرح بدون مساءلة ولا حساب.
المجلس الأعلى للدولة لم يمنحه الاتفاق السياسي سلطة محاسبة الحكومة وصلاحيات تشريعية أخرى منحت له مقيدة بالتوافق مع مجلس النواب. مجلس النواب عطل التفاهم مع مجلس الدولة وبذلك تعطلت آليات التغيير في المناصب السيادية على سبيل المثال.
بمعنى أن سياسة مجلس النواب في ادارة شؤون الدولة أفشلها تعنت رئيسه وقلة من حوارييه من النواب .. ضاع مجلس النواب.. وضيعوا البلد.. ولا زال لديهم وجوه تظهر في المرئيات وأفواه تصدح لتنضح بكل شيئ الا حلولا لأزمات الوطن والمواطن.
هذا يعني بصريج العبارة أن مجلس النواب فرط في سلطاته ومهامه وخذل ناخبيه واساء للوطن بل وغدر به وحوّل البلد الى مرتع للفساد والارتباك والفوضى والانقسام وبالتالي احدث الضرر الجسيم بالوطن والمواطن.
السلطة التنفيذية المتمثلة في #المجلس_الرئاسي وحكومته غير منسجمة ولا متناغمة والخلافات فيما بين أعضائه ظهرت على السطح منذ الأيام الأولى. وبدلا من أن يجمع رئيس هذا المجلس أعضاءه على كلمة واحدة بأن بينهم وطن لا ينبغي أن يختلفوا على وحدة ترابه ولم شمله وتحقيق أمنه واسعاد مواطنه. فان استحواذ رئيسه على المجلس والانفراد باصدار القرارات استنسخ هذا المجلس ما كنا نراه من استحواذ القذافي على السلطة وتصفية شركائه الواحد بعد الآخر. أي أننا عدنا الى المربع الأول وكأنك يا بوزيد ما غزيت.
المجلس الرئاسي انشغل رئيسا وأعضاء في توطيد العلاقات مع كافة الدول الا الدولة الليبية ومواطنها الذي يحكمون باسمه ومن اجله فقد جاء ترتيب الاهتمام به في ذيل القائمة ما أتاح المجال واسعا للنهب والفساد أن ينمو ويترعرع وتتدهور الخدمات وتنزل الى الحضيض وأصبحنا دولة تتلقى المساعدات والهبات من دول ومنظمات والمسؤول الذي يتلقاها بابتسامة عريضة أمام الكاميرات لا يشعر بالخجل وأنه انما يحكم في دولة غنية بمواردها الطبيعية وانه ضمن من حوّلوها الى بلد بائس يمد يده للصدقات والهبات. يا للعار.
من هنا ساءت االأمور.. فازمة الكهرباء وطرح الأحمال ليست جديدة. لكن الرئاسي كسلطة تنفيذية لم يعرها الاهتمام.. وفي هذه الأيام وقد وصلت ساعات طرح الأحمال الى اثنتي عشر ساعة ولدواعي امتصاص غضب المواطن أصدر رئيس المجلس تعليماته لمعالجة الموضوع حالا وبسرعة. هذا الرجل هل يضحك علينا أو يٌضحكنا على تصرفاته. فبعد سنتين ونصف من أزمة انقطاع التيار الكهربائي المتواصلة والتي اصبحت مستدامة على المدن الليبية يلقي بعصاه السحرية لحل الأزمة ولا يدرك أن عصاه مجرد خشبة.. قطعة جماد لا تتحرك ولا تحرك شيئا.
قال أيضا علينا أن نبحث عن مصادر تمويل لمعالجة الاختلالات في خدمات الكهرباء. مرة أخرى هذا الرجل هل يضحك علينا أو يٌضحكنا على أقواله. هل هو يبحث عن ابرة في مخزن مملوء بالتبن. ولا يعلم أن هناك صناديق سيادية ومصارف وطنية مملوءة باحتياطيات مالية وأن هناك وزارة للمالية تتبعه يمكنها أن تعطي ضمانات للاقتراض من هذه الأدوات المالية.
أنا حزين.. و أقدم اعتذاري وتحملي المسؤولية التضامنية كاملة على اختياراتنا للمناصب التنفيذية منذ أيام المؤتمر الوطني العام التي كانت غير موفقة.
زبدان كانت له مواقف رائعة بمداخلاته عندما كان زميلا لنا في المؤتمر الوطني العام وعند الاتفاق على ترشيحه لمنصب رئيس للوزراء على خلفية مواقفه تلك أعطانا كلاما جميلا ووعودا تسيل اللعاب ( جابلنا العسل في الرواني ).. منحناه الثقة وسرعان ما انقلب على المؤتمرالوطني العام ولم يرض بمساءلته حيث اشترى أعضاء عطل بهم التصويت عل اقالته حيث نحتاج الى 120 صوتا لسحب الثقة منه .. أهدر 71 مليار دينار ليبي ولم نر جديدا. والان يظهر في المرئيات كسياسي خطير ووطني من الدرجة الأولى. هو الآخر يلعب خارج الملعب ليبرر فشله ويلمع ماضيه.
الثني قال لنا عندما كان وزيرا للدفاع أنه وجد فسادا في المؤسسة العسكرية وانه سينظفها من الفساد وقدم لنا خطته وعندما اختطف ابنه قال لنا في لجنة الدفاع التي كنت عضوا فيها أن لديه خمس بنات يمكن أن يختطفن لكنه لن يرضخ ولن يكون وزير قزمة (يعني حذاء).. وبعد أن تولى رئاسة الوزراء استمرء كرسي السلطة فظهر جوهر وحقيقة المعدن .. وسقط البرقع الذي كان يخفي ما كان أعظم.
جاء الاتفاق السياسي بالسراج في ظروف غامضة كنا نبحث فيها عن حل ممكن حيث تعذر الحل المثالي لاخراج البلاد من النفق المظلم .لم يقل لنا السراج شيئا عند توليه منصبه وحافط على صمته ولم يستشر اهل الذكر الذين يعلمون . خالف الاتفاق السياسي الذي جاء به وانتهج نفس اسلوب سابقيه في التنكر لمن مكنه من السلطة انتهاجا لسياسة من سبقه للسلطة.
ناصب المجلس الأعلى للدولة العداء واعتبره ليس شريكا اساسيا في الاتفاق السياسي وأدار ظهره لمجلس النواب واستمسك بالعروة الوثقى المتمثلة في المجتمع الدولي ولم نعد نراه الا محتفيا بضيوفه في الداخل أو مضيفيه في الخارج باحثا عن حل لأزمة ليبيا خارج حدود الوطن دون أن يدرك أو يستوعب أن الحل يكمن هنا في الداخل ويحتاج لجهود مكثفة. لم يدرك ان الحل الذي يأتي من الخارج له ثمن باهظ قد يصمه بالعمالة للأجنبي. بذلك التوجه رسخ لدى الدول أن الحل بايديهم وليس بايدي الليبيين.. واتزلق بالبلد الى ما هي عليه من سوء.. مارس سياسة “ودن من طين وودن من عجين”.. وعندما تستفحل الأمور سوءا يظهر علينا بعنتريات الاجتماعات والبيانات والقرارات الغير مدروسة.. ولأنه يمارس سياسة الأذنين السلبيتين فانه يسعى لتقديم نفسه كحل للمشكل السياسي الليبي بأن يبقى على رأس المجلس الرئاسي.. بأمارت ايه؟.. على حد قول اخوتنا في مصر!!! الانجازات التي حققها للبلاد أم بسط الأمن أم مستوى الحياة الكريمة التي صار المواطن يتمرغ في رغدها ؟!!!
كل هؤلاء التنفيذيون لم يبخل عليهم أعضاء من المؤتمر الوطني العام السابق أو بحكم وجودهم الآن كأعضاء في المجلس الأعلى للدولة بتقديم النصح والمقترحات لمعالجة الانفلات الأمني وتدهور الأوضاع في الجنوب وحماية المنشآت النفطية وتوحيد السلطات .. وكان كل منهم يستمع باهتمام بالغ وما كنا ندري أنهم يدخلون كلامنا من أُذن ليخرج من الأذن الأخرى.
هذه هي مأساة ليبيا كما أتصورها .. محصورة في ايجاد حكومة قوية .. وقبل أن تكون قوية لا بد وأن يكون لها انتماء للوطن .. ومع هذا وذاك أن تتحلى بالشجاعة وسعة الأفق والنظرة البعيدة المدى.. وأن الكرسي لا يهمها بقدر ما يهمها لم شمل الوطن وبروح التضامن بين الجميع لا غالب ولا مغلوب لتأسيس دولة مدنية عصرية يحكمها القانون وحق المواطنة والتداول السلمي على السلطة.
سندخل العام القادم في انتخابات .. وأدافع بقوة أن تكون برلمانية فقط لتسليم الأمانة الى أهلها.. الى الشعب الذي سيقرر مصيره بنفسه ولذلك أنصح بأن حسن الاختيار واجب.. فالأغلبية في البرلمانات هي التي تحكم .. فلتكن الأغلبية المبتغاة من الشباب الواعي المتعلم المدرك مسؤولية عضو البرلمان على ليبيا وليس على مدينته أو قبيلته…
ليبيا تستحق وضع أفضل . وبكل حرارة أدعوا الشباب الواعي المتعلم المنتمي الى الوطن أن يتقدم الصفوف ويقتحم أبواب السلطة التشريعية لعلهم ينجحون فيما فشلنا في تحقيقه.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
قطوس …. قطوس بعشرين روح ….. قطوس والنَّاس نائمة والا عاج قائم … قطوس … و إللي بيفهم يفهم وإللي ما يبيش يفهم جعله ما فهم