“… أما أبو عبيدة فرجل رقيق القلب لا يخشى على نفسه الموت، ولكن يخشى أن يتعجل بالتدبير فيهلك المسلمون فيبطئ، وعمرو بن العاص صاحب رأى ودهاء في سياسة الجيش، وقد يغلو في حسبة العواقب فيتأنى، وعكرمة و يزيد وشراحبيل كلهم مقدام، ولكن ليس أحدهم كخالد في إحكام الخطة والتدبير، ثم إنهم جميعا معه بالرأي والمشورة، أما خالد فهو كما قيل فيه: أناة القط ووثبة الأسد، سريع وجريء، لكن دون تهور .” أبو بكر الصديق رضي الله [1]
لقد تفرس الصديق في قادته رضوان الله عليهم فأحسن الفراسة، وكانت النتيجة في اليرموك، بأن نسي الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد [2] رضي الله عنه. لقد كانت وثبات خالد، اقتناص التِماعَةِ برق النصر حين يومض، بقوة، واندفاع، للمسلمين، أو بانحسار في حماسة العدو، أو خلل في ترتيب أولوياته.
يضرب التاريخ مواعيد لبعض صُناعه، لا يخلفها، ولا يرحمهم حين يتخلفون عنها. هذا الذي يسميه دارسو علم التاريخ بــ”اللحظة التاريخية”. إنه فرصة تلوح في أفق المشهد وتنادي على من يلتقط إشارتها، التي هي أشبه بومضة برق تختفي سريعا.
كل العظماء في التاريخ لم يزيدوا على أن التقطوا هذه الإشارة في لحظتها التي غفل عنها غيرهم. يولد مع القادة العظام غيرهم في نفس توقيت الميلاد، ويشترك معهم آخرون في صناعة أجزاء الصورة، ويقوم بعض من حولهم بالكثير لإنجاح المسيرة، ويسير في ركابهم من ليس أقل منهم شأنا، ولا حصافة رأي، ولكن هؤلاء لا يذكرون في القادة العظام!!. إن الفارق الوحيد هو التقاط ومضة البرق تلك.
لمعت الآن بارقة أمام رئاسة المؤتمر الوطني وأعضائه الرافضين للاتفاق السياسي، تخاطب فيهم روح ثورة السابع عشر من فبراير. تضعهم على موعد جديد مع التاريخ.
إن دعوة حكومة التوافق إلى طرابلس، وتسليمها السلطة، سيكون ضربة مزدوجة تضع مرحلة جديدة من تاريخ ليبيا على السكة، وترسم أسماء رجال جدد في صناعة التاريخ.
ستقضي على كل آمال التقسيميين والانقلابيين، وتكشف الرافضين للمصالحة الوطنية، وتفتح حضن الثورة لحكومة الوفاق، وتوفر الحماية لروح التصالح، في الذكرى الخامس للثورة المجيدة.
إن رفض مجلس النواب لإبعاد الشخصيات الجدلية والانقلابية كما نصت عليه المادة الثامنة من الاتفاق السياسي، أكد أن الاتفاق ومن يؤيده في صف ثورة السابع عشر من فبراير.
وإقراره من قبل المؤتمر، ثم إدخاله تعديلا على الإعلان الدستوري سينهي الجدل بشأن مسألة الشرعية، ويعطي حكم المحكمة، ومن ورائه المؤتمر الوطني العام، شرعية نهائية من قبل أن يختفى الوميض.
إن هذه الخطوة ستبرئ رافضي الاتفاق أمام الرأي العام الليبي من أي تهم للسعي وراء مصلحة شخصية، وتستثمر أشهر الممانعة، لصالح المواطن الليبي، وثورة السابع عشر من فبراير.
إن كون هذه الحكومة ستصبح قريبا أمرا واقعا لا إمكانية لدفعه، مسألة مرئية حتى لمحدودي الذكاء والمتابعة للأحداث؛ فقد قال المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر اليوم إنه لا توجد دولة واحدة في العالم تعارض الاتفاق السياسي، وهي رسالة في غاية الوضوح.
لقد تكلم الدبلوماسي الدولي وفي خلفيته بسط حمراء يستقبل بها رئيس حكومة الوفاق في العواصم التي وقفت إلى جانب فجر ليبيا. ليس اعتباطا أن يستقبل رئيس الحكومة التركية أحمد داوود أوغلو رئيس حكومة الوفاق بوصفه ممثلا للدولة الليبية، وبالتالي مكافئا لرئيس حكومة تركيا.
تركيا التي وقفت إلى جانب تيار السابع عشر من فبراير، ودعمت المؤتمر الوطني العام، في المحافل الدولية تستقبل رئيس حكومة الوفاق، بعد أن حضرت توقيع الاتفاق السياسي في الصخيرات. وقطر التي دعمت المؤتمر الوطني العام، يلقي وزير خارجيتها كلمة في حفل التوقيع، وربما تكون على جدول أعمال زيارات السراج القريبة، الدول التي كانت مع المعسكر الآخر، تفتح أبوابها أمام السراج، تونس حاضنة المهجرين الليبيين، وجار ليبيا الحميم، الجزائر التي رعت بعض مسارات الحوار الليبي واستقبلت قادة فجر ليبيا، تبسط السجاد الأحمر للسراج ويستعرض طابور الشرف في رسالة واضحة وضوح النهار، بأن حكومة الوفاق أضحت الممثل الوحيد للشعب الليبي. يجب أن تقرأ الرسائل جيدا.
على الصعيد الداخلي، يتمدد تنظيم الدولة في الفراغ بين السلطتين في الشرق والغرب، ويهدد مصادر الطاقة، ويحرق أحلام الليبيين، ومستقبل عيش الأجيال، والأخطر من كل ذلك أنه يجلب التدخل العسكري الأجنبي، واستباحة أرض ليبيا وسمائها، فلن ينتظر الغرب حتى يركب المقاتلون البحر لينزلوا في شواطئ أوروبا، بل سيقاتلهم، وهم في الأراضي الليبية، ونيرانهم تحرق أقوات الليبيين.
إن اللحظة التاريخية التي تمر بها ليبيا أصعب من أن يسكت عليها، أو ينتظر العقلاء تحيُّنَ فرص لتحسين مكتسبات الأطراف.
إن على أعضاء المؤتمر المقاطعين للاتفاق، ورئيسه، مسؤولية لا تقبل حلا وسطا؛ إما أن يقفوا إلى جانب ليبيا، ويصنعوا تاريخا مشرفا، ومشرقا، بتسليمهم السلطة، وإما أن يحاولوا الوقوف في وجه التاريخ، وقد دارت عجلته، ولا يملك أحد إيقافها.
لا أجد مهربا من مخاطبة والدنا، وقدوة الأجيال، مفتي ليبيا، وعلَمَها في العلم والعمل، الشيخ الصادق الغرياني أن يتبوأ مكانة الزاجر المعلم المربي، ويذكر الناس، وهم لا بد سيسمعون منه، بموقف الحسن بن علي رضي الله عنهما، وقد أصلح الله به بين فئتين من المسلمين تصديقا لحديث جده الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، لقد تنازل الحسن وهو يعلم أن الحق معه، وكان بإمكانه أن يصابر ويصبر، ومعه فئة من المسلمين لا تسلمه لشيء أبدا، لكنه آثر وقف نزيف الدماء، وانشغال الأمة بالصراع في بينها، فكان ذلكم العام عام الجماعة. ويالها من رمزية عظيمة لاسمٍ عظيم. [3]
قلها لهم شيخنا، وتوكل على الله. قلها لهم وسيسمعونها منك، ونحتفل في ذكرى ثورتنا الخامسة بعام جماعة الليبيين.
——————————————————————–
[1] ومضة إيمانية “وعليك وعلى نفسي يا عمر”
[2] لما عسكرت جيوش الروم باليرموك وحالت بين جيوش المسلمين، وحاصرتها، أرسل القادة إلى أبي بكر يلتمسون النجدة، فقال كلمته المشهورة: لأُنْسِيَنَّ الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد، ثم أرسل إليه أن ينهض من العراق، إلى الشام، فكان نصر اليرموك. راجع: البداية والنهاية لابن كثير، أحداث السنة 12، وتاريخ الطبري.
[3] كتاب الحسن بن علي، للدكتور علي الصلابي.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
أحسنت. أوجزت و أجدت…مقال رائع لا تعليق عليه
توا بدات المقال بخير البشر الصحابة الكرام امتال ابوبكر وعمر وخالد ابن الوليد وختمته بسفهاء الموتمر والاعور الدجال الغرياني . قبحك الله وقبح ماجئت به ياتافه ياحقير ياسفيه يا……….. الخ والله ابرد من وجهك ماشوفتش
قصدك مفتن ليبيا الأعور الدجال
والله انت ونوعك هم من افسد الحرث والنسل الله يرزينا فيكم
كلام عاقل وناصح ..انصح بنشره بطريقة ما ليخاطب العقل في كل الليبين ولنتبعد عن المزايدات وقصر النظر ولنعترف باخطائنا..
أحسنت