الفدرالي الأمريكي ورفع أسعار الفائدة في مواجهة التضخم العالمي

الفدرالي الأمريكي ورفع أسعار الفائدة في مواجهة التضخم العالمي

أ. أحمد بن حليم

باحث في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية

وما مدى تأثيره على اقتصادات الدول العربية

في سنة 1907 شهد الاقتصاد الأمريكي حالة من الرعب والفزع المالي أدى إلى تزاحم الموطنين على البنوك لسحب ودائعهم ومدخراتهم وذلك بسبب حدوث أزمة من محاولة فاشلة لمجموعة من المضاربين للاستحواذ على أسهم شركة النحاس المتحدة والتلاعب بالأسعار.

ففي ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة القوة المالية الرئيسية التي لا تملك بنكاً مركزياً، وبعد الاضطرابات الاقتصادية الشديدة بسبب الفوضى المالية مثل عجز البنوك عن الوفاء بالالتزامات المالية اتجاه العملاء وإفلاس الكثير من الشركات الأمريكية، أدت إلى المطالبة بوجود مؤسسة مالية لمنع حالات الذعر والاضطرابات المالية الاقتصادية. وبعد الأزمة بست سنوات وتحديدا في 23 ديسمبر 1913، وقع الرئيس الأمريكي “ويلسون” قانون الاحتياطي الفدرالي من أجل تأسيس البنك المركزي الأمريكي، ومع مرور الوقت أصبح الفدرالي الأمريكي، الذي مر على تأسيسه حوالي 109 سنوات، المؤسسة المالية الأكثر تأثيرا في العالم.

ويتمحور دور الفدرالي الأمريكي حول تحقيق هدفين رئيسيين دائما ما يشار إليهما بـ”التفويض المزدوج”

الهدف الأول.. توجيه الاقتصاد الأمريكي نحو التوظيف الكامل.

الهدف الثاني.. الحفاظ على استقرار الأسعار والتحكم في مستويات التضخم.

حيث أن أي اقتصاد يجب أن يستمر بخطى ثابتة ويجب عدم زيادة نموه بسرعة فائقة أو تباطؤ حاد وشديد، وإذا لم يتمكن من تحقيق ذلك فعليه أن يواجه مشاكل التضخم والانكماش والبطالة وتداعياتها.

وهنا يكون دور الفدرالي الأمريكي، فعند زيادة معدلات النمو الاقتصادي الأمريكي بسرعة كبيرة أو العكس حين يكون هنالك بطء شديد في معدلات النمو، يتدخل الفدرالي لضبط النمو من خلال السياسة النقدية الذي يمتلك المسؤولية عن إدارتها اقتصاديا، وتعتبر من الأدوات المهمة المستخدمة هي “أسعار الفائدة”. وبالرغم من أنها قرارات داخلية تخص الاقتصاد الأمريكي إلا أن تأثيرها عابر للحدود الأمريكية ويتخطى الولايات المتحدة لجميع الأسواق العالمية وأيضا التأثير على مستويات معيشة الأفراد في الدول النامية الناشئة مثل اقتصادات الدول العربية.

والنفود العالمي للفدرالي الأمريكي ناتج عن كون الاقتصاد الأمريكي الأكبر في العالم، وأن الدولار هي العملة المهيمنة على الاقتصاد الدولي، ونستطيع أن نلتمس هذه الهيمنة من خلال تأثير العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا كما شهدنا في الأشهر الأولى لسنة 2022.

أيضا تابعنا قرار الفدرالي الامريكي برفع أسعار الفائدة يوم 16 مارس 2022. وهنا يكون السؤال الرئيسي:

ما تأثير رفع الفدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة على الدول العربية؟

لكي نستطيع الإجابة على هذا السؤال يجب أن نستوضح بعض الأمور المتعلقة بالتضخم أولا..

في شهر 1 سنة 2022 وصل معدل التضخم الأمريكي لمستوى قياسي حيث بلغ 7.9%، ويعتبر الأعلى والأسرع وثيرة للتضخم منذ حوالي 40 سنة وتحديداً منذ شهر 2 سنة 1982 وحين وصل معدل التضخم في ذلك الوقت إلى 7.6%، ومن المفترض أن يكون معدل التضخم المستهدف من 1% إلى 2% فقط بشكل طبيعي داخل الاقتصادات المستقرة، أما أن يصل التضخم للمستويات الحالية فهو دليل قاطع على وجود خلل في الاقتصاد الأمريكي وهذا هو دور الفدرالي الأمريكي في معالجة أو إصلاح هذا الخلل عن طريق أسعار الفائدة وعدة أدوات أخرى.

فقد قام الفدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم بمقدار 0.25% وهي أول مرة يقوم الفدرالي برفع الفائدة منذ حوالي 4 سنوات وتحديدا منذ شهر 12 سنة 2018، وهذه الزيادة في معدلات أسعار الفائدة كانت متوقعة منذ بداية السنة الحالية 2022، وأيضا بحسب مسؤولي الفدرالي واقتصاديين “أن هذه الزيادة لن تتوقف عن هذا الحد بل سترتفع إلى نسبة 1.75% تقريبا بحلول نهاية العام الحالي”. ويمكن الاستنتاج أن معدل الزيادة سيكون 6 أضعاف الزيادة الحالية وأيضا يرجح استمرار هذه الزيادة إلى سنة 2023.

وهنا نعود إلى سؤالنا السابق.. ما مدى تأثير رفع أسعار الفائدة الأمريكية على اقتصادات الدول العربية؟

التأثير سيكون بشكل متفاوت من دولة إلى أخرى على حسب معطيات عديدة متعلقة بكل اقتصاد على حدة، حيث سيكون التأثير المباشر والأكثر فاعلية هو ارتفاع الدولار أمام العملات العربية وبالتحديد لعملات الدول التي تسمح بسعر صرف به قدر من المرونة. ومن أجل ذلك تقوم البنوك العربية برفع أسعار الفائدة بعد قرار الفدرالي الأمريكي بحيث تقلل من الضغط على عملاتها وأسواقها، ولكن الصعوبات التي ستواجه هذه الاقتصادات ستكون أكثر تعقيدا لو كان عليها ديون دولارية بشكل كبير، ولأنه عند انخفاض عملتها المحلية أمام الدولار سيؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة ديونها الخارجية بالدولار مما يجعلها عرضة للتخلف عن موعد السداد، وحتى لو قامت باللجوء للأسواق الدولية من أجل الاقتراض ستكون تكلفة القرض كبيرة مما يصعب فرص الاقتراض إلا لو رفعت أسعار الفائدة من أجل جذب الدائنين “المستثمرين” ولكن هذا سيؤدي إلى زيادة تراكم الديون.

وحسب دراسة حديثة للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا” في أكتوبر 2021، حذرت فيها الزيادة الغير مسبوقة للدين العام في الدول العربية حيث وصل إلى 1.4 ترليون دولار سنة 2020 وهو ما يمثل حوالي 60% من النتاج المحلي الإجمالي لمنطقة الدول العربية.

والأمر الآخر المرتبط برفع الفدرالي لأسعار الفائدة هو خروج استثمارات الأجانب من أدوات الدين في الأسواق العربية، فبعد رفع الفدرالي للأسعار يصبح السوق الأمريكي أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين وبالتالي يقوم هؤلاء المستثمرون بالخروج من الأسواق الناشئة التي لا تخلو من المخاطر ويتجهون نحو السوق الأمريكي من أجل الاستفادة من سعر الفائدة العالي مع نسبة المخاطرة الشبه معدومة مما يشكل ضغطا كبيرا على الأسواق المعتمدة على هذه الأموال الساخنة بعد خروجها منها. ومن المعروف أن هذا النوع من الأموال دائما تلاحق أي تغير من أجل تحقيق مكاسب أكبر وبضمانات أكثر ولكن لها تأثير عميق وبشكل سلبي في اقتصادات الدول فور خروجها منه تزامنا مع انخفاض قيمة العملات المحلية أمام الدولار وارتفاع كلفة الاقتراض من الخارج، مما يؤدي إلى الزيادة في عجز الموازنات المحلية وبالتالي يقلل من برامج الانفاق الاجتماعي والدعم ويؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي ويزود نسبة البطالة وأيضا حصول تدهور مستويات المعيشة.

ومن المؤكد أنه من أشد التأثيرات لرفع أسعار الفائدة الأمريكية هو “التضخم المستورد”.

وهو ما يحدث للبلدان التي لديها عجز كبير في الميزان التجاري أو تقوم بالاستيراد أكثر من التصدير، وهو ما يؤدي إلى زيادة تكلفة الواردات. ومن ناحية أخرى فإن انخفاض العملات أمام الدولار قد يكون نقطة قوة للاقتصادات المعتمدة على التصدير لأن صادراتها ستكون أرخص في الأسواق الدولية وهذه تعتبر ميزة تنافسية تتيح لها فرصة دخول لأسواق جديدة وتزود كمية صادراتها وهو ما يعزز قوة الاقتصاد.

تأثير رفع سعر الفائدة من الفدرالي على أسعار الذهب

فرفع أسعار الفائدة الأمريكية يؤدي إلى انخفاض أسعار الذهب في العالم لأن المستثمرين الذين كانوا يحتاطون بشراء الذهب والاستثمار فيه وخاصة في الفترات العصيبة يتجهون إلى الاستثمار في أذونات الخزانة الأمريكية من أجل الاستفادة من ارتفاع أسعار الفائدة، مما يؤدي إلى زيادة عرض كمية الذهب في العالم وانخفاض سعره، وأيضا التأثير السلبي سيحدث على أسعار النفط رغم أن هنالك تداخلات كثيرة وأمورا شائكة في معادلة أسعار النفط بسبب العقوبات على روسيا، ولكن مع تثبيت آثار العوامل الأخرى، فرفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وبالتبعية سيؤدي إلى رفع قيمة الدولار، والدولار كما هو معلوم، هو العملة الرئيسية المستخدمة في تداول النفط وهو ما يجعل النفط الخام والمنتجات النفطية أكثر تكلفة للمستهلكين الذين يعتمدون على عملات أخرى، وهو ما يؤثر على الطلب العالمي للنفط ويؤدي لانخفاض في سعره، ولكن هنالك دائما عدة عوامل تؤثر على أسعار النفط غير الفدرالي الأمريكي ورفع أسعار الفائدة. وبشكل عام إن رفع الفدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة يكون دائما سلبيا على الاقتصادات الناشئة مثل الدول العربية.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

أ. أحمد بن حليم

باحث في العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية

اترك تعليقاً