لا يمكن فصل ما يحدث في ليبيا من فساد مالي وإداري اليوم، وخاصة بما يتعلق بالشركة العامة للكهرباء، عن مؤسس الفساد والمستبد الأول واضع منهجيته المركزية المقيتة ضمن أدبيات فكر زريبة الجماهيرية المستبد والفاسد الأول معمر القذافي.
لقد حرص المستبد والفاسد الأول على أن يحكم قبضته على الشعب الليبي، ويتبجح ويقول بأنه يملك السلطة والثروة والسلاح، وهو يخنق أنفاسه ولعمري لو وجد طريقة ليجعل من الهواء الذي يتنفسونه يمر من خلال أنبوب مركزي ليتحكم فيه لفعل! فبعد أن حول مصادر دخل الشعب الليبي الذي أعتمد على نفسه قبل انقلاب سبتمبر الأسود ، فعمل بالزراعة والصناعة والتجارة والمقاولات والمثير من الحرف اليدوية، إلى مرتبات من خزينة مركزية وكذلك حول مصادر قوته إلى جمعيات وأسواق عبر شركات مركزية تستورد لهم وحسب ذوق المستبد الطعام واللباس والسيارات والوقود!!! بل جعل الصحة عيادة خاصة تصرف على المواليين له وتبعث بهم لمصحات بالخارج حتى ولو كانت لوعكة صحية بسيطة وبالطبع لمن من يأتي عن طريقهم. وأنفق 23 مليار على النهر الصناعي بحيث يصبح مصدر ماء الشرب مركزي للشعب الليبي وخاصة الطرابلسي مركز الثقل البشري! كما عمل على بناء مركز تحكم مركزي للكهرباء بسرت بحيث يستطيع أن يعاقب كل من يخرج عن طوعه ليعيش في الظلام ويعزله عن العالم!
نعم استطاع المستبد والفاسد الأول معمر القذافي أن يجمع جميع السلطات بيده: فكلامه تشريع: “منهاج عمل”، وعبيده المقربين أدوات تنفيذية لجميع مشاريعه المفسدة، ولجانه الثورية الغوغائية أجهزة قضائية تقرر وتعدم من يناقش ويخالف رأي العقيد المستبد والفاسد الأول! وأصبح المستبد الأول هو من يملك السلطة والثروة والسلاح وعكس ما كان يدعيه الفاسد الأول بأن من يملكها الشعب!
الحوارين “اللجان الثوربة” على درب صنمهم المركزي المستبد:
نعم يتردد على مسامعنا من عند الكثير من أحرار فبراير بأنه استطعنا قطع يد المستبد المركزي الفاسد معمر القذافي من مفاتيح مراكز التحكم في قوت الشعب الليبي ومائه وكهربائه إلا أنه وبعد انتصار فبراير تحولت المفاتيح إلى اتباع المقبور ونظامه المركزي وإلى عبيد قائد المركزية العسكرية الجديدة “الداعشي حفتر”. نعم الأنظمة الإدارية في ليبيا مصممة على المركزية وتلقي تعليمات من فرد مستبد بالوزارة! لذلك استمر الفساد الإداري إلى اليوم والنهب وبشكل ممنهج في جميع القطاعات الخدمية وبشكل واضح في الشركة العامة للكهرباء!
التأسيس للفساد في الشركة العامة للكهرباء:
أسس المقبور الفاسد الأول شركة الكهرباء على منهجية مركزية مقيتة وجعل كل من يترأس إدارتها من عبيده الذين لا يرفضون له طلب ويجعلون من تعليمات الفاسد الأول “منهاج عمل”. بل عمل على الإمعان في المركزية ببناء مركز تحكم وطني بسرت بحيث يستطيع التحكم في وصول الكهرباء للشعب الليبي في أي قرية أو مدينة داخل ليبيا. وملاحظة الفساد في شركة الكهرباء يمكن أن تجليه النقاط التالية:
- حرص الفاسد الأول على أن يختزل مركز التحكم في الشبكة الكهربائية مركز وطني ليحكم قبضته على أي مدينة قد يظهر فيها من يتمرد عليه. فمعاقبة الجميع بذنب أحد قد يتجرأ ويعارضه هو ديدن الفاسد الأول.
- تأسست الشركة، كما هو الحال بجميع القطاعات الخدمية، على تعليمات شفوية يصدها الفاسد الأول لممثله في الشركة والذي بدوره يمارس نفس المنهجية في الشركة بإصدار الكثير من التعليمات الشفوية التي، يتغاضى عنها الفاسد الأول، يصعب بسببها تتبع مسارات الفساد، ليتحول القطاع إلى بؤرة من الفساد والإفساد وهذا ما نحصد نتائجه اليوم.
- التأسيس لبناء المحطات الكهربائية والمستلزمات والمعدات من أجل النقل والتوزيع بما يحقق مصالح شخصية بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة وما يتوقع أن ينتج من رفاهية للشعب الليبي.
- نشر الفاسد الأول ثقافة الكم بحيث ألغى من قاموس الشعب الليبي الكيف فلم يعد للكفاءة مكان في قائمة مصطلحاته الثورية. وتركز الكتابة بالتقارير عن الشبكة الكهربائية عن أعداد محطات التوليد والتحويل والتوزيع وأطول خطوط النقل والتوزيع. دون الشرح في كفاءة الخدمة ومرددوديتها الانتاجية وإسهاماتها في الرفاهية.
- الابتعاد كل البعد عن منهجية حساب المداخيل من خدمة أو مقابل بيع الكهرباء بعد الصرف على قطاع الكهرباء.
- استشرى الصرف اللامحدود للكهرباء بالقطاعات الحكومية وغياب أي محاسبة حقيقة أو استخدام للكهرباء بفعالية وكفاءة اقتصادية.
- تعمد نشر ثقافة التهاون في تسديد فواتير الكهرباء بل ووصل الأمر إلى التباهي بتوصيل الكهرباء بدون عدادات لتسجيل الصرف. وبمفهوم السلطة والثروة والسلاح رسخت في اللاوعي ثقافة “بوبلاش”!!!
ما هو الحل اليوم؟
تركة الفاسد الأول من الشركة العامة للكهرباء لا يمكن أن يكون حلها سحرياً فيجب أن يكون لها ثلاثة مفاتيح ضرورية للحل وتتلخص في ألأتي
- الإرادة الحقيقة في حل المشكلة.
- طول النفس والصبر على التصحيح.
- الاستمرارية وعدم التكاسل أو الوهن بسبب العراقيل والعقابيل التي ستواجهنا.
ومع استخدام المفاتيح الثلاثة أعلاه كمرتكزات اساسية في حل إزمة شركة الكهرباء يجب أن للحكومة خطط ثلاثة: على المدى القصير والمتوسط والطويل.
المطلوب على المدى القصير: وهذا يتلخص في الخطوات المستعجلة الآتية:
- ضرورة تفكيك المركزية (decentralization) المقيتة ومبدئياً، وقبل منح القطاع الخاص المشاركة، بتحويل جسم الشركة إلى ثلاثة قطاعات مستقلة: التوليد، والنقل، والتوزيع، واستبعاد المشتبه في فسادهم، وتفكيك خيوط الفساد في العقود المفسدة، واستحداث إدارات جديدة مشهود لها بالمهنية ونظافتها من أي عداء لمبادئ فبراير. وعلى احرار فبراير التظاهر ورفع أصواتهم وبشكل حضاري من أجل تحقيق ذلك.
- استحداث حرس للمنشآت الكهربائية والتصدي بشدة ودون هوادة لكل من يحاول العبث بالمنظومة الكهربائية.
- جرد سريع للإمكانيات المتوفرة بالشبكة الكهربائية ، بما في ذلك الطاقة المتجددة، وتحديد مواطن الضعف والقوة.
- تحميل مكاتب التوزيع مسؤولية وجود أي استخدام للكهرباء بدون عدادات الاستهلاك مهما كانت الجهة خاصة أو عامة، وتجريم كل من يتهاون في ذلك بعد منحهم مدة كافية لتنظيم أنفسهم.
- تحريك الاعلام والمجتمع المدني في اتجاه رفض استخدام الكهرباء بدون مقابل.
- تضمين المسؤولية المجتمعية في عدم التبذير وسرقة الطاقة الكهربائية ضمن مفردات مقررات التربية الوطنية.
المطلوب على المدى المتوسط:
- تنظيم الهيكلية الإدارية بشكل أفضل وفتح ملفات الفساد والمالي والإداري .
- إصدار تشريعات لتحديد حاجة منزل الأسرة، المتكونة من أب وأم و3 أطفال، بحيث لا تتجاوز 5 كيلواط ساعة، على سبيل المثال، وبشكل سعر الكليواط ساعة الإضافية الأولى يكون بضعف الثمن المحدد، والكليواط ساعة بعد ذلك ضعفين، ثم الثالث ثلاثة أضعاف وهكذا دواليك.
- التحرر من العبودية للكهرباء تدريجياً وإدخال كذلك ثقافة أو فكرة التسعيرة الوقتيى (real time pricing) بحيث تستخدم عند الحاجة إليها فقط.
- وكذلك بالنسبة للمحلات التجارية حسب طبيعة تخصصها والورش والوحدات الإنتاجية.
- ضمن مهام متابعة مجالس البلدية يجب إسناد متابعة الخدمة الكهربائية.
المطلوب على المدى البعيد: وضمن استراتيجية اللامركزية يجب العمل على الآتي:
- منح القطاع الخاص فرصة مشاركة الدولة وخاصة بالنسبة لجانب التوزيع.
- تشجيع وفتح المجال أمام الأفراد والمؤسسات الخاصة تركيب منظومات للطاقات المتجددة لاستخدامها وبيع ما يزيد منها للشبكة الكهربائية.
توصية أخيرة:
الفساد له سوالفه وامتداداته في أركان الدولة الليبية وتجدرت فيه روح الخديعة والمراوغة والغش والاختفاء فالتعامل مع موضوع حل الأزمة الكهربائية يحتاج إلى يقظة تامة وتعاون الجميع. كما يمكن الاستفادة من الشريك التركي في الاستشارة، ولا ننسى حاجتنا إلى قوة قانون ورائه أحرار تسنده وتعمل على تفعيله.. عاشت ليبيا حرة تدر ليبيا .. تادرفت ليبيا تادرفت.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
اترك تعليقاً