العدوان المصري على ليبيا ليس بجديد ويتكرر في كل حين بسبب خضوع مصر لقرون عديدة لدكتاتوريات متعاقبة وعدم خضوع أحرار الوطن الليبي للإبتزاز، في العصر الحديث وعندما كان الوفد الليبي يجاهد في سبيل تحقيق الإستقلال من الإيطاليين ومن الوصاية الأوروبية، كان الأمين العام للجامعة العربية المصري عبدالرحمن عزام يجاهد في سبيل وصاية مصر على ليبيا وقد خاب سعيه، بعد ذلك لم يتورع السادات من دخول الحدود الليبية في معارك طاحنة أسر وقتل من الليبيين الكثير بدعوى الحرب على “مجنون ليبيا” ولم يتوقف هيكل ومن معه من الإدعاء بأن واحة الجغبوب أرض مصرية في حين أن ليبيا التاريخية قد إمتدت إلى وادي النطرون غرب النيل.
رافق صعود السيسي تكثيف الهجمات على ليبيا والمشاركة في الحروب الداخلية، ففي صيف 2014 كان الضباط المصريين في معسكر 7 ابريل بطريق السواني لدعم القوات القبلية في حربها ضد قوات فجر ليبيا، وساهمت طائراته في ضرب الكثير من المواقع في ليبيا منها في وادي الربيع ومنطقة الرقيعات حيث توفى مجموعة من ثوار غريان، كما دعمت حفتر في حربه في بنغازي، وإختلقت فيديو دبح الأقباط في سرت كمبرر لقصفها الجوي، رغم أن إستجواب أكثر من خمسين من الدواعش في مصراته لم يذكر أحدا منهم قصة دبح الأقباط، مما يؤكد أنه فيلم مزور من الإستخبارات المصرية، ولن أتحدث عن قصف مدينة درنه المتكرر والذي لم يتوقف بعد رغم أن فتية درنه هم من هزم الدواعش وتخلص منهم في 94 ساعة، في حين أن وكلائهم سمحوا لهم ممر آمن لمسافة 800 كم من درنة إلى سرت.
في جميع التدخلات المسلحة الصارخة، كان وكلائها في الكرامة داعين لها للقصف والدمار وتفريق الشمل، وعلى مدي خمسة عقود كانت الحكومات الليبية العميلة لا تدخر جهدا لمكافأت الجيش المصري وتمويل الفساد المستشري به، ففي عهد القذافي كانت أول الذبابات التي عبرت خط بارليف في حرب 73 كانت ليبية مع الألاف من قطع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، والتي لم يدفع لها الجيش المصري فلسا واحدا، وكانت المكافاءة إجتياح للحدود البرية الليبية في سنة 1977، وفي عهد زيدان كانت العهدة المشهورة التي لم ولن يتم ترجيعها، أما حكومة الثني فسداد فواتير الجيش المصري تتم بالإستحواد على مذخرات المصارف وشراء العملة الصعبة من السوق السوداء مقابل طبع أوراق لا قيمة لها في روسيا، وكان الجزاء قصف درنة وسرت وقاعدة براك وتدمير البنية التحتية في بنغازي بمشاركة وكلائها من الكرامة.
ولكن لماذا درنه ولماذا في هذا الوقت، لا شك أن درنه كانت عصية على قوات الكرامة فهى السد المنيع لإدعاء السيطرة على المنطقة الشرقية، والجبل المتين لمنع التقسيم وإسفين غرسه أهلها الشرفاء لإسقاط إدعاءات الكرامة، وهي الغصة في حلق الجهويين والبدو المتخلفين، وبحكم المستوى الحضاري والوعى المجتمعي في درنة، إنفصلت المدينة عن محيطها الجغرافي الذي آل إلى تجار القبلية.
الجيش المصري الذي هُزم في كل حروبه مع إسرائيل من حرب 56 إلى 67 إلى 73 ، وفر أفراده زرافات وفرادى في صحراء سينا، بل أن الجيش الإسرائيلي وصل إلى الكم 101 من العاصمة القاهرة، ولو أراد لدخلها، كما أنها عاجزة عن محاربة القوى المعارضة لها في سيناء لعقود كثيرة، ولم تستطيع القبضة الأمنية الحد من الهجمات المتكررة على دور العبادة المسيحية والمجموعات السياحية القادمة إلى مصر، مما أفسد عليها مصدر هام للدخل القومي المنكمش أصلا.
في هذا السياق مصر السيسي لم تترك لها صديق، فنزاعها مع السودان والسعودية واليمن وقطر وقطاع غزة يشتط حينا ويخبو أحياناً، ونزاعها مع إثيوبيا جوهري بعد بناء سد النهضة أو سد الألفية الكبير (بالأمهرية: ህዳሴ ግድብ هداسي جاديب)، ربما سيجعل 90 مليون من المصريين في فاقة لم يشهد لها التاريخ في دولة ليس لها بدائل للعيش سوى الزراعة على ضفاف النيل الآيل للنضوب. ولم تنجح الترتيبات المدعومة خليجيا لتحريك الإقتصاد المنهار، حيث خسرت البورصة المصرية 6 مليارات جنيه خلال شهر أبريل الماضي فقط.
من هذا المنطلق الذي تتفاقم فيه الأزمات الداخلية التي لم تستطيع حكومة السيسي إيجاد حلول لها رغم البذل السخي لدول الخليج، ليس لها إلا جذب الأنظار إلى الخارج وتصدير النوائب إلى دول الجوار أملا أن يعمل ذلك على تخفيف حدة التوثر الداخلي وتلافي الإنتفاضات المؤجلة بعد سن الكثير من القوانين التي تحد من الحريات العامة.
ربما اللوم ليس على سيسي مصر فهو آخر من يفكر في مصلحة ليبيا ومصر بقدر أهمية جلوسه على كرسي الحكم لمدة أطول عند شعب لم يالف تغيير الحكام والسلاطين من أيام محمد على المملوكي وما بعده، ولن يكون اللوم على حفتر ومجموعة الكرامة العميلة، فهم مثل الدرنات لا تزهر ولكنها تخزن في جذورها الواقعة في الفيوم والمنيا وشرم الشيخ.
أما الحسرة والندم فعلى المجلس الرئاسي الذي إعترفت به الدول والمنظمات الأممية وفوض له الأمر الكثير من الشعب الليبي، إلا أنه لم يرتقي إلى مستوى الحدث عند إختراق الطائرات للأجواء الليبية وقصف المدنيين وتدمير المدن، وكان البيان معيبا عندما يطلب الرئاسي التنسيق معه لضرب مواطنيه، من أجل ترضية السياسات المصرية، كان الأجدر به أن يدين العدوان ويرفع مذكرة شديدة اللهجة إلى الأمم المتحدة، أن يسحب السفير الليبي من مصر، ان يوقف الإجتماعات مع الجانب المصري، أن يعزل مصر من إدعائها التوفيق بين الليبيين. لقد كان الموقف الجزائري جريئا أكثر من المجلس الرئاسي عندما دعا مصر إلى وقف الغارات الجوية على ليبيا.
فعلا لن يكون مستغربا عندما يوافق الرئاسي على إدخال حفتر ضمن تعديل إتفاق الصخيرات كطرف ممثل للقائد العام للجيش الليبي مع جر بعض الفصائل المسلحة الكبيرة في العاصمة لتأييد مشروع الكرامة وعندها نعود للحكم العسكري البغيض من جديد، ويكون دماء الشهداء فعلا قد ذهب هباً.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
مقال رائع لامس الحقيقة في الصميم وشكرا للكاتب.
مقال أكثر من رائع لكن من يستمع إليه بعد بوابة الستين على سرت وصولا الى الحدود المصرية . انهم بالتاكيد لو قراوه فلن يعتبروا كاتبه الا واحدا من المليشيات الاسلامية الارهابية التي يزعمون انهم يحاربونها بقيادة المشير القائد العام للجيش الوطني او القوات المسلحة العربية الليبية كما يحلو لهم تسميتها احيانا . وااسفاه عليك يا وطني
اللوم ليس علي السراج وحده او حكومته الضعيفه او فريق الرئاسي الهزيل ولكن اللوم كل اللوم علي الشعب الليبي ويبقي السؤال : اين الشعب .؟؟ من يصدق ان ارضنا تنتهك وبلادنا تقصف من الاجنبي الغريب الطامعه فيها ولا تعم التظاهرات الدنيا شرقآ وغربآ .. واسفاه عليك ياوطني
شكرا لكل من قراء هذه السطور وتفاعل معها بالكلمة أو برفض الواقع المرير أو حتى بإستكار الذي حدث ويحدث فالوطنية لا تستود من الخارج معلبة ومن رضى وساهم في إنتهاك وطنه لا يعدم أن يساهم في إنتهاك عرضة فلا نامت أعين العملاء.