الرباط – كشف العاهل المغربي الملك محمد السادس الأربعاء عن عملية شراء أصوات ومواقف تعيق التنسيق والاندماج المغاربي، وتهدر ثروات “شعب شقيق”، في إشارة الى الجزائر التي أثارت توترا جديدا مع الرباط حول قضية الصحراء المغربية.
وقال العاهل المغربي في خطاب ألقاه مساء الاربعاء بمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء “إن بعض الدول تكتفي بتكليف موظفين بمتابعة الأوضاع في المغرب. غير أن من بينهم، من لهم توجهات معادية لبلادنا، أو متأثرون بأطروحات الخصوم. وهم الذين يشرفون أحيانا، مع الأسف، على إعداد الملفات والتقارير المغلوطة، التي على أساسها يتخذ المسؤولون بعض مواقفهم”.
وأضاف قائلا “هذا كلام أقوله لك، شعبي العزيز، لأول مرة، ولكني أقوله دائما، وبصفة خاصة لمسؤولي الدول الكبرى، وللأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة ومساعديه”.
وأردف الملك محمد السادس “غير أن السبب الرئيسي في هذا التعامل غير المنصف مع المغرب، يرجع، بالأساس، لما يقدمه الخصوم من أموال ومنافع، في محاولة لشراء أصوات ومواقف بعض المنظمات المعادية لبلادنا، وذلك في إهدار لثروات وخيرات شعب شقيق، لا تعنيه هذه المسألة، بل إنها تقف عائقا أمام الاندماج المغاربي”.
ويأتي الخطاب الملكي بعد أسبوع من توتر العلاقات بين الرباط والجزائر إثر تصريحات للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حول الصحراء المغربية، تسبب في استدعاء المغرب لسفيره في العاصمة الجزائرية للتشاور.
إصلاحات لا تتوقف
وتحدث العاهل المغربي عن الإصلاحات وعمليات التنمية في أقاليم المغرب، بما فيها الجنوبية، مشيرا الى جهات تريد استغلال فضاء الحرية لأغراض باطلة.
وأوضح الملك محمد السادس قائلا “في هذا الصدد، فقد أقدمنا على مجموعة من الإصلاحات العميقة والأوراش الكبرى، وفق منظور متدرج، يراعي الخصوصيات الوطنية، بعيدا عن الشعارات الفارغة، الموجهة للاستهلاك الإعلامي، وعن ردود الأفعال المتسرعة، على التطورات والأحداث الوطنية والدولية”.
واضاف “غير أن بعض الجهات والأشخاص، يستغلون فضاء الحرية والانفتاح الذي ينعم به المغرب لأغراض باطلة، وخاصة بأقاليمنا الجنوبية”.
وقال ايضا “إن المغرب، بقدر ما يحرص على التعاون والتفاعل الإيجابي مع المنظمات الحقوقية الدولية، التي تتحلى بالموضوعية في التعامل مع قضاياه، ويتقبل، بكل مسؤولية، النقد البناء، فإنه يرفض أن تتخذ بعض المنظمات، في تقارير جاهزة، بعض التصرفات المعزولة، ذريعة لمحاولة الإساءة لصورته وتبخيس مكاسبه الحقوقية والتنموية”.
وتابع “هناك مثلا من يصدقون، ظلما وعدوانا، أي شخص يدعي أنه تم المس بحق من حقوقه، أو أنه تعرض للتعذيب، ولا يأخذون بعين الاعتبار أحكام العدالة، بل وما يقوم به المغرب على أرض الواقع”.
اتهامات غير معقولة
وتساءل العاهل المغربي قائلا “هل يعقل أن يحترم المغرب حقوق الإنسان في شماله، ويخرقها في جنوبه”؟
وفي خطاب للرئيس الجزائري قرأه نيابة عنه وزير العدل الطيب لوح في 28 تشرين الاول/اكتوبر الماضي في “مؤتمر دعم الشعب الصحراوي” في ابوجا، اعتبر بوتفليقة ان “الجزائر لا تزال على قناعة بان توسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل تكفل الأمم المتحدة بمراقبة حقوق الانسان في الصحراء الغربية يعتبر ضرورة ملحة”.
من جانبه، قال العاهل المغربي في خطابه الاربعاء “كل الدول ترفض أن تتعرض لأعمال تمس بالأمن والاستقرار. لأن حقوق الإنسان تتنافى مع العنف والشغب، وترهيب المواطنين. ولأن ممارسة الحريات، لا يمكن أن تتم إلا في إطار الالتزام بالقانون”.
وأضاف “إذا كانت معظم المواقف الدولية تتصف بالموضوعية والواقعية، فإن ما يبعث على الأسف أن بعض الدول تتبنى، أحيانا، نفس المنطق، في تجاهل مفضوح، لما حققته بلادنا من منجزات، وخاصة في مجال الحقوق والحريات”.
وشرح قائلا “هذا الخلط والغموض في المواقف، يجعل طرح السؤال مشروعا: هل هناك أزمة ثقة بين المغرب وبعض مراكز القرار لدى شركائه الاستراتيجيين، بخصوص قضية حقوق الإنسان بأقاليمنا الجنوبية .بل إن مجرد وضع هذا السؤال يوضح أن هناك شيئا غير طبيعي في هذه المسألة”.
ويأتي تساؤل العاهل المغربي قبل أيام من زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري الى الرباط يومي 11 و12 تشرين الثاني/نوفمبر، والذي تعد بلاده شريكا استراتيجيا للمغرب، سيترأس خلال هذه الزيارة مع نظيره المغربي “الحوار الاستراتيجي الأميركي المغربي”.
وتأتي زيارة جون كيري الى المغرب في وقت شهدت فيه العلاقات بين البلدين بعض التوتر في الأشهر الأخيرة، بعد اعتراض المملكة الشديد على مشروع قرار دولي تقدمت به واشنطن لتوسيع صلاحية بعثة الأمم المتحدة الى الصحراء لتشمل مراقبة حقوق الانسان في المنطقة، لكنه لم يتم تبنيه بعد حملة دبلوماسية مكثفة من طرف المغرب.
المغرب لا يتلقى الدروس الحقوقية من منتهكي الحقوق
وفي هذا الصدد، قال العاهل المغربي “أقدمنا بإرادتنا الخاصة، على إحداث مؤسسات وطنية وآليات جهوية، لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها، مشهود لها بالاستقلال والمصداقية، وذلك وفق المعايير الدولية، فضلا عن الدور الذي تقوم به الأحزاب السياسية، والهيآت الجمعوية، ووسائل الإعلام”.
وأضاف “من هنا، فإن المغرب يرفض أن يتلقى الدروس في هذا المجال، خاصة من طرف من ينتهكون حقوق الإنسان، بطريقة ممنهجة. ومن يريد المزايدة على المغرب، فعليه أن يهبط إلى تندوف، ويتابع ما تشهده عدد من المناطق المجاورة من خروقات لأبسط حقوق الإنسان”.
غي انه قال “رغم المحاولات اليائسة لخصوم المغرب للمس بسمعته وسيادته، فإننا سنواصل التعاون مع الأمين العام للأمم المتحدة، ومع مبعوثه الشخصي، ومع الدول الصديقة، من أجل إيجاد حل سياسي ونهائي للنزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية، في إطار مبادرتنا للحكم الذاتي، المشهود لها بالجدية والمصداقية وبروح الواقعية.
وأكد على أن بلاده “لن ترهن مستقبل أقاليمنا الجنوبية بتطورات قضية الصحراء، على المستوى الأممي، بل سنواصل النهوض بالتنمية الشاملة بربوعها”.
وعن البعد الاقليم لقضية الصحراء قال الملك محمد السادس “لقد ظلت أقاليمنا الجنوبية، عبر التاريخ، تشكل العمق الإفريقي للمغرب، لما تجسده من روابط جغرافية وإنسانية وثقافية وتجارية عريقة، بين بلادنا ودول إفريقيا جنوب الصحراء”.
وأوضح “حرصا على إضفاء دينامية متجددة على هذه العلاقات، ما فتئنا نعمل سويا، مع أشقائنا قادة هذه الدول، لما يجمعنا بهم من أواصر عميقة من الأخوة والمحبة والتفاهم، على إعطائها طابعا إنسانيا، والارتقاء بها إلى شراكات تضامنية مثمرة”.
اترك تعليقاً