مع إعلان الحبيب الصيد عن تشكيلة حكومية ائتلافية بين الأحزاب الديمقراطية خالية من حركة النهضة الإسلامية، يكون الرئيس الباجي قائد السبسي الذي بات يسمى في تونس بـ”بورقيبة الديمقراطي” قد طوى صفحة مظلمة من تاريخ تونس حكمت خلالها الحركة الإسلامية البلاد وزجت بها في أزمة خانقة لينتصر للمشروع الحداثي الذي قادته دولة الاستقلال منذ العام 1959 وينهي الأمل الأخير لمشروع الإسلام السياسي المرتبط بالتنظيم الدولي للإخوان.
وكانت تونس عاشت خلال اليومين الأخيرين أجواء من الترقب لم تخل من بعض حالات الاحتقان خاصة في صفوف الأحزاب العلمانية والديمقراطية وفي صفوف الندائيين الذين نظموا حركات احتجاجية في عدة مناطق من البلاد وسط أنباء حول إشراك النهضة في الحكومة.
واعتبرت ريم الكزدغلي وهي ناشطة في نداء تونس خلال وقفة احتجاجية أمام مقر الحزب بمنطقة البحيرة قبيل الإعلان عن تشكيل الحكومة أن “إشراك النهضة يعد خيانة للناخبين الذين صوتوا بكثافة للنداء ولقائد السبسي ليقطعوا الطريق أمام النهضة باعتبارها تمثل خطرا على مستقبل تونس الديمقراطية”.
وغلب على الوقفة الاحتجاجية حضور نسائي مكثف وسط هتافات “النهضة لا، النهضة لا” في موقف يؤكد استماتة المرأة التونسية في استبعاد الإسلاميين من الحكم لما يمثلونه من خطورة على مكاسبها وفي مقدمتها قانون الأحوال الشخصية وحريتها المدنية والسياسية التي باتت مهددة جراء تنامي سطوة الجماعات الإسلامية التي تنتقص من مكانتها ومن دورها في مؤسسات الدولة وفي الحياة العامة.
غير أن إعلان الحبيب الصيد عن حكومة خالية من النهضة بدد مخاوف الندائيين الذين انتفضوا رافعين شعار النصر أمام مقر الحزب وهم يرددون “سنقتلع النهضة من أرضنا” و”تحيا تونس تحيا الديمقراطية” فيما علت الزغاريد وسط أجواء عكست نشوة انتصار كثيرا ما ناضل من أجلها غالبية التونسيين من أجل النأي ببلادهم عن مشروع الإخوان الذي اكتوت بفوضاه ونيرانه عدة بلدان عربية وفي مقدمتها ليبيا المتاخمة للحدود الجنوبية الشرقية لتونس.
عودة مشروع ناضلت أجيال في سبيله
وعلق سائق سيارة أجرة يدعى بشير الرياحي وهو يتابع تحليلات السياسيين عبر الاذاعة قائلا “الحمد لله، انتهت النهضة، لقد انتظرنا هذه اللحظة كثيرا، كنا نخشى عودتهم للحكم، لقد دمروا البلاد حتى أن المواطن بات عاجزا عن توفير لقمة العيش جراء اشتعال الأسعار وخائفا على أمنه بعد أن استباح الإرهاب الأرض ودماء التونسيين، اليوم قطعت تونس مع الغنوشي وجماعته”.
ولقي خلو تركيبة الحكومة من النهضة ترحيبا واسعا لدى الأحزاب السياسية العلمانية والديمقراطية ولدى نشطاء المجتمع المدني الذين لم يترددوا في القول إن “نداء تونس كان وفيا لوعوده الانتخابية ولم يخذل قوى الحداثة التي قطعت الطريق أمام مرشح الإسلاميين للانتخابات الرئاسية الماضية منصف المرزوقي وهبت لتمنح أصواتها لقائد السبسي باعتباره حاملا لمشروع وطني ناضلت من أجله أجيال من المصلحين والمفكرين والفقهاء المستنيرين منذ منتصف القرن التاسع عشر وتجسد المشروع على الأرض مند تأسيس دولة الاستقلال التي قادها بنجاح الزعيم الحبيب بورقيبة.
وكان قائد السبسي تعهد خلال حملة الانتخابات الرئاسية بأنه “لن يتحالف مع حركة النهضة وإنما سيتحالف مع العائلة الديمقراطية” مشددا على أن “النهضة والنداء خطان متوازيان لا يلتقيان” فيما أكد الأمين العام للنداء الطيب البكوش أن “التحالف مع النهضة أمر مستحيل لأن النداء سيشكل حكومة ائتلافية بين الأحزاب الديمقراطية يعهد إليها تنفيذ برنامج تنموي وسياسي وأمني كفيل بإنقاد تونس من الأزمة التي تسبب فيها حكم النهضة الفاشل بينما النهضة لا تمتلك برنامجا واضحا يتحسس المشاكل الحقيقية التي يطالب التونسيون بحلها”.
ولم يتردد البكوش العدو الشرس لجماعات الإسلام السياسي ولأجندتهم المرتبطة بجهات خارجية في القول متهكما “مكان حركة النهضة في المعارضة حتى تتمكن من التدرب على ممارسة الديمقراطية” في إشارة واضحة إلى هيمنتها على أجهزة الدولة واحتكارها للحياة السياسية خلال فترة حكمها عامي 2012 و2013 إثر فوزها في انتخابات 2011.
صدمة نهضاوية
وبقدر ما تلقت القوى الوطنية والديمقراطية إعلان الصيد عن تركيبة الحكومة بـ”روح إنتصارية” توجت معركة تاريخية مع الإسلاميين تلقت حركة النهضة الإعلان بـ”روح الهزيمة المرة والانتكاسة الأكثر مرارة”، إذ قالت مصادر قيادية من الحركة الإخوانية “إن راشد الغنوشي بدا مصدوما وهو يتابع إعلان الصيد عن تركيبة الحكومة” وأنه “سارع بدعوة مجلس الشورى للانعقاد من التشاور بشأن موقف الحركة”.
وكان الغنوشي قاد بنفسه جهودا سياسية وإعلامية تهدف إلى الضغط على الصيد من أجل تشكيل “حكومة محاصصة حزبية” متحديا إجماع القوى الديمقراطية على تشكيل حكومة ائتلاف ديمقراطية تكون بعيدة كل البعد عن المنطق الغنائمي الذي تدفع باتجاهه الحركة الإسلامية وذلك في مسعى لقطع الطريق أمام تواجد اليسار في تركيبة الحكومة.
وبعد أن دفع الغنوشي بعدد من قيادات الصقور مثل علي العريض وعبد اللطيف المكي للترويج بأن الحبيب الصيد “عرض عليهم تلميحا المشاركة في الحكومة” لإيهام الرأي العام بأن النهضة لا زالت رقما صعبا في المعادلة السياسية ولها ثقلها وموقعها في الخارطة السياسية التي أفرزتها نتائج الانتخابات البرلمانية ،خرج الغنوشي عن صمته ليصرح بأنه تلقى “إشارات من الصيد تتعلق بمشاركة النهضة في الحكومة التي يتطلع التونسيون إلى أن تقطع نهائيا مع تجربة حكم الترويكا الفاشلة.
وجاءت هذه التصريحات متناقضة تماما مع توجه الأحزاب الديمقراطية بما فيها نداء تونس الذي أعلن في أكثر من مناسبة أن حكومة الصيد ستكون ممثلة للقوى الديمقراطية وبعيدة عن أية محاصصة حزبية لتمسح من أذهان التونسيين مخلفات فشل حركة النهضة التي حكمت البلاد بعقلية حزبية احتكارية خلال عامي 2012 و2013.
ومع تقدم المشاورات التي أجراها الصيد بطريقة مكثفة مع الأحزاب الليبرالية واليسارية وخاصة الائتلاف الحزبي اليساري الجبهة الشعبية التي يتزعمها عدو النهضة الشرس حمة الهمامي بدت تصريحات الغنوشي “استفزازية” و”متشنجة” لا تخلو من “الابتزاز السياسي” وانتهج خطابا تصعيديا يستبطن نوعا من المزايدات حتى أنه أعتبر أن “حكومة الصيد دون النهضة ستكون ضعيفة” و”يجب أن تكون قاعدتها الانتخابية واسعة”.
وحاول رئيس حركة النهضة جر الصيد إلى “الأمر الواقع” حتى أنه بات يتحدث عن شروط الحركة للمشاركة في الحكومة كما لو أن تلك المشاركة طرحت عليه أصلا، مشددا على أن “المشاركة ستكون مرتبطة بالتوافق حول تصور الحكومة وتركيبتها وأشخاصها وبرنامجها وأولوياتها”.
وإزاء هذا التضليل السياسي والإعلامي، أكدت قيادات مسؤولة في نداء تونس أن الصيد لم يتشاور مع النهضة حول إسنادها حقائب وزارية وإنما تشاور معها حول تصورها لعمل الحكومة وللأولويات المطروحة على البلاد شأنها في ذلك شأن عدد من الأحزاب والشخصيات السياسية المستقلة والكفاءات غير المتحزبة في إطار استجلاء الآراء والمواقف.
وبعد وفاء قائد السبسي بتعهداته لناخبيه بعدم التحالف مع النهضة حتى تنأى تونس عن استنساخ تجربة حكم الترويكا الفاشلة، وجدت الحركة الإسلامية نفسها أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما إما مساندة حكومة الصيد بما يعنيه ذلك من تنازل عن مشروعها لفائدة مشروع قوى الحداثة أو الجلوس على مقعد المعارضة المهزومة التي تكتفي بالتقاط ما تراه أخطاء لدى الفريق الحكومي.
وفي كلتا الحالتين ستعيش النهضة التي ضجر منها التونسيون على هامش القرار السياسي خلال السنوات الخمس القادمة ولن يكون لها أي تأثير مباشر على السياسات التي ستنتهجها حكومة الصيد التي ستتولى بتنفيذ برنامج طموح وعملي وحداثي طرحه قائد السبسي خلال حملة الانتخابات الرئاسية وفاز به على منصف المرزوقي الذي اكتفى بتكرار مفردات الإسلاميين ولم يقدم أي برنامج لا سياسيا ولا تنمويا.
وقال المدير التنفيذي لحزب نداء تونس بوجمعة الرميلي “ان أمام حركة النهضة خيارين إما مساندة حكومة الحبيب الصيد أو معارضتها بصفة بناءة” وهو ما يعني ضمنيا أن التجربة الديمقراطية التي انخرطت فيها البلاد ستكون بمنأى عن “أي دور يذكر للنهضة” وإنما ستقودها الأحزاب العلمانية والديمقراطية وفق مرجعياتها الفكرية وتوجهاتها السياسية وهي مرجعيات وتوجهات حداثية تقطع مع مشروع الإسلام السياسي وترى فيه تهديدا جديا للتجربة الديمقراطية لأنه يرمي إلى استبدال “الدولة المدنية” والاستعاضة عنها بـ”دولة دينية” في المجتمع التونسي المنفتح والمتعدد فكريا وسياسيا.
تونس على طريق إصلاح علاقاتها الدبلوماسية
وتؤشر تركيبة حكومة الصيد التي تشكلت وفق لمسات قائد السبسي على أن تونس لن تقطع مع تاريخها الوطني والسياسي ولا مع مكاسب دولة الاستقلال التي قادها الزعيم الحبيب بورقيبة بعكس ما كانت تطالب به النهضة، وسواء تعلق الأمر بنوعية الحقائب الوزارية أو بالكفاءات السياسية والوطنية فإن التركيبة تنتصر لمنطق هيبة الدولة الوطنية ومؤسساتها السيادية وللمشروع الوطني الذي جعل من التنمية والحرية والحداثة عناوينه الأبرز.
فقد آلت حقيبة الخارجية إلى الطيب البكوش الحقوقي والنقابي وأستاذ علم الصوتيات الذي يحظى بعلاقات واسعة إن على الصعيد العربي أو على الصعيدين الإقليمي والعالمي نظرا لتاريخه النضالي العريق، كما يحظى بثقة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وفي مقدمتها الإتحاد العام التونسي للشعل- الرقم الصعب في المشهد العام للبلاد.
ويساعد تعيين البكوش على “إصلاح” علاقات تونس مع عدد من البلدان العربية منها السعودية والإمارات ومصر بعدما خربتها حركة النهضة وتسببت في أزمات دبلوماسية بسبب ولائها ودعمها للإخوان المصنفين تنظيما إرهابيا.
وبعكس سياسات حركة النهضة التي أربكت الدبلوماسية التونسية بناء على حسابات حزبية إخوانية متجاهلة المصالح الوطنية، يرى النداء أن تونس التي تمر بمرحلة حرجة من تاريخها تحتاج فيها إلى الدعم السياسي والاقتصادي من قبل الدول الصديقة في أمس الحاجة إلى دبلوماسية نشطة وإلى انشاء صداقات لا عداءات من أجل كسب ثقة شركائها بما يساعدها على توفير الظروف الملائمة لإنعاش الاقتصاد من خلال جلب الاستثمارات الخارجية الكفيلة بدعم جهود تنمية الجهات المحرومة والأحياء الشعبية الأشد حرمانا.
ووعيا بأن من أولى التحديات التي تواجه الحكومة خلال تنفيذها لبرنامج “الإنقاذ” هو التحدي التنموي فقد أسندت حقيبة وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي للخبير في التسويق والمالية نجيب درويش وهو من الكفاءات الشابة، من مواليد 1969 يمتلك تجربة عمرها عشرين سنة في إدارة المؤسسات والمشاريع الاستثمارية الكبرى في تونس وفي دبي ما ساعده على نسج علاقات جيدة مع مجموعات استثمارية كبرى وحكومات مختلفة.
وتراهن حكومة الصيد على إدخال حركية نوعية على قطاع التعاون الدولي والاستثمار الخارجي للنجاح في مباشرة خطة تنموية طموحة في ظل ندرة الموارد الطبيعية والمالية الداخلية وهو ما يستوجب تفعيل علاقات الشراكة الاقتصادية خاصة مع بلدان الإتحاد الأوروبي التي تستحوذ على أكثر من 70 في المائة من المبادلات التجارية إضافة إلى تفعيل عمليات الاستثمار الخارجي مع عدد من البلدان العربية التي فترت علاقاتها بتونس جراء سياسات النهضة.
ورسم نداء تونس “خارطة تنموية” تشمل مختلف جهات البلاد حسب أولوية كل جهة في إطار منوال تنموي واحد لا يفاضل بين النمو الاقتصادي والنمو الاجتماعي تجنبا للاقتصاد المتوحش الذي عادة ما يقود إلى مؤشرات إيجابية على حساب التنمية الاجتماعية، وهي خارطة توضع لأول مرة لتقدم حلولا عملية لمشاكل التونسيين وفي مقدمتها مقومات العيش الكريم والقضاء على الفقر ومكافحة البطالة، ذلك أن حركة النهضة أكتفت بسياسة الترقيع خلال فترة حكمها ولم تباشر أي خطة تنموية، ما عمق الأزمة في البلاد.
الدفاع والداخلية في انسجام ضد الإرهاب
وللتخلص من تركة حكم النهضة التي استخفت بمؤسسات الدولة وبأمن التونسيين وفتحت البلاد أمام الجماعات الجهادية اختارت حكومة الصيد إسناد حقيبتي الدفاع والداخلية لوزيرين جديدين هما فرحات الحرشاني وناجم الغرسلي ليقودا جهود البلاد في مكافحة الإرهاب وتوفير الأمن للتونسيين بعد أن استباحته المجموعات الإرهابية وقامت باغتيال المعارضين العلمانيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عام 2013 وقتلت عددا من الجنود ومن رجال الأمن ونفذت العديد من الهجمات على منشآت حيوية.
ويعد وزير الدفاع فرحات الحرشاني الذي يحمل شهادة دكتوراة في القانون وشغل منصب عميد لكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بتونس من أبرز الكفاءات القانونية التونسية التي تدافع عن مدنية الدولة وهيبتها ضد مخططات جماعات الإسلام السياسي التي تقدم الولاء لـ”الجماعة” على الولاء للدولة.
وسيتقاسم الحرشاني ملف مكافحة الإرهاب وتطهير البلاد من الجماعات الجهادية مع وزير داخلية جديد هو محمد ناجم الغرسلي سليل محافظة القصرين المحاذية لجبال الشعانبي حيث تتحصن المجموعات الإرهابية.
والغرسلي هو رجل دولة بامتياز خبر مؤسساتها وخبرته حيث عين محافظا عام 2014 على مدينة المهدية الساحلية وشغل قبل ذلك رئيسا للمحكمة الابتدائية بالقصرين لمدة خمس سنوات وله تجربة في سلك القضاء عمرها 26 سنة ساعدته كثيرا على التعرف عن قرب على الملفات المرتبطة بالإرهاب وبالأمن.
ولم تخل تركيبة حكومة الصيد من توجيه أكثر من رسالة إلى حركة النهضة مفادها أنه لا تراجع عن مكاسب التونسيين وفي مقدمتها حرية المرأة وحقها في تولي مراكز قرار حكومية قطعا مع عقلية الحريم التي يروج لها الإسلاميون إذ ضمت الحكومة ثلاث وزيرات وخمس كاتبات دولة هن من الناشطات العلمانيات في المجتمع المدني.
فقد آلت وزارة المرأة والأسرة والطفولة إلى الناشطة العلمانية خديجة الشريف عضوة جمعية النساء الديمقراطيات أحدى أهم الجمعيات المناهضة للإسلاميين، وأسندت وزارة الثقافة والمحافظة على التراث إلى الجامعية اليسارية لطيفة لخضر فيما أسندت وزارة التكوين المهني والتشغيل إلى سلمى الرقيق وهي سيدة أعمال وناشطة في حزب نداء تونس.
وتظهر القراءة في تركيبة حكومة الحبيب الصيد أنه تم النأي بها عن المحاصصة الحزبية وأسندت الحقائب لكفاءات رجالية ونسائية علمانية تؤمن بمدنية الدولة وهيبة مؤسساتها السيادية وتتبنى فكرا سياسيا مدنيا يعادي الفكر الذي يبشر به الإسلام السياسي وهي تركيبة تعيد إلى أذهان التونسيين طبيعة الحكومات في عهد بورقيبة الذي كان يجعل من الكفاءة والولاء للدولة المقياس الأساس لإسناد الحقائب الوزارية.
كما تظهر القراءة أن طبيعة التركيبة الحكومية لا تحتمل ولو حقيبة واحدة لحركة النهضة بما فيها حقيبة وزارة الشؤون الدينية باعتبارها عكست ملامح حكومة حداثية علمانية ستقود تأمين مقومات نجاح التجربة الديمقراطية الناشئة وتنفيذ سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية عملية في استمرارية مع المشروع التنموي والسياسي الذي قادته دولة الاستقلال مند العام 1956 وهو المشروع الذي تتمسك به القوى الوطنية والديمقراطية وترفضه حركة النهضة التي تقول إنه “مشروع تغريبي طمس هوية تونس العربية والإسلامية”.
وعلى الرغم من أن إخوان تونس كثيرا ما روجوا خلال فترة مشاورات الصيد مع الأحزاب السياسية بأن “مصلحة البلاد تقتضي مشاركة النهضة في الحكم” فإن الحبيب الصيد أجابهم من خلال رهانه على الكفاءات من رجال الدولة ونسائها بأن “مصلحة تونس تقتضي أن تركن النهضة إلى المعارضة” لأن وجودها في الحكم يمثل خطرا على نجاح الحكومة في تنفيذ برنامج يهدف إلى إنقاذ البلاد ليس اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا فقط وإنما أيضا سياسيا من خلال القطع مع مشروع الإسلام السياسي الذي جربته تونس ولم تجن منه سوى أربع سنوات عجاف قادت إلى نخر مؤسسات الدولة وانهيار الاقتصاد واستفحال الإرهاب واتساع رقعة الفقر وارتفاع عدد العاطلين وتزايد الاحتقان الاجتماعي نتيجة سياسات ارتجالية مبنية على الولاءات الحزبية لا على التوزيع العادل لعائدات التنمية.
ويتوقع مراقبون أن تلتجئ حركة النهضة خلال الفترة القادمة إلى استنفار جهودها للتشويش على حكومة استغنت عن خدماتها وألقت بها على هامش الحكم من خلال محاولة الضغط عليها عبر كتلتها البرلمانية وهم لا يستبعدون أن تسميت الحركة التي تعد أحد أذرع التنظيم الدولي للإخوان في السعي بكل الوسائل لعرقلة الحكومة من أجل غاية وحيدة هي إفشالها.
غير أن المتابعين للشأن التونسي يقللون من قدرة النهضة على الوقوف معزولة أمام حكومة ذات تركيبة علمانية متماسكة تمتلك برنامجا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا حداثيا، عمليا وواضحا يستجيب لتطلعات التونسيين وتوقعاتهم وهم لا يستبعدون أن يقود فشل الحركة في التواجد في تركيبة حكومة الصيد إلى مزيد من تصدع وتفكك هياكلها التنظيمية خاصة في ظل انتفاضة القواعد والكوادر وحتى عدد من القيادات التاريخية على سطوة راشد الغنوشي بعدما فشل في تحقيق حلم “الدولة الإسلامية” الذي كان يراوده منذ عام 1981 تاريخ تأسيس حركة الاتجاه الإسلامي، النهضة اليوم.
اترك تعليقاً