الشمس تُشرق على دمشق

الشمس تُشرق على دمشق

في لحظة فارقة من تاريخ سوريا المعاصر، استطاعت الثورة السورية أن تحقق انتصارها العظيم بعد سنوات من الكفاح والتضحيات، مُعلنة فتح دمشق العاصمة التي كانت رمزاً للسلطة التي أرهقت الشعب لعقود، حقيقة لقد انتهت تلك الحقبة بهروب بشار الأسد، الذي لم يتوقع أن يجد نفسه يوماً في موقف المُطارد والمهزوم، بعد أن ظن أن نظامه محصّن ضد التغيير.

اندلعت الثورة السورية في مارس 2011م عندما خرج الشعب السوري في مظاهرات سلمية تُطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مستلهماً روح الثورات العربية التي سبقتها، وقوبلت هذه المطالب بالقمع والعنف المفرط من قِبل النظام مما دفع الحراك السلمي إلى التسلّح دفاعاً عن النفس وتحوّلت الثورة إلى مواجهة شاملة بين نظام الأسد والشعب الذي دفع أثماناً باهظة في سبيل حريته.

استمر الصراع سنوات طويلة، قاسى فيها السوريون الويلات؛ من قصف المدن بالبراميل المتفجرة إلى استخدام الأسلحة الكيميائية والاعتقالات الجماعية وحصار المدن وتجويع أهلها، لكن وبالرغم من كل هذه الجرائم ظل الشعب السوري مُصرّاً على المضي قدماً في ثورته حتى تحقيق النصر.

وفي فجر يوم 8 ديسمبر 2024م وبعد معارك طاحنة وتضحيات كبيرة تمكنت فصائل الثورة السورية وبدعم من مختلف شرائح الشعب من دخول دمشق وتحريرها، لقد كان مشهد الثوار وهم يرفعون علم الثورة في ساحات دمشق لحظة تاريخية، حيث انقلبت الموازين وسقطت رمزية العاصمة من أيدي النظام.

هرب بشار الأسد حين أيقن أن لا سبيل له للبقاء في السلطة، فهرب مُخلّفاً وراءه قصره الرئاسي المُحطم ونظامه المُتهالك، وإن هروب الأسد لم يكن مجرد فرار فردي، بل كان انهياراً لنظام اعتمد على القمع والفساد وشرارة أمل لبداية عهد جديد من الحرية والديمقراطية لسوريا.

وللتاريخ نقول: ما كان لهذا الانتصار أن يتحقق لولا التضحيات الجسيمة التي قدّمها الشعب السوري آلاف الشهداء الذين فقدوا حياتهم دفاعاً عن الحق وملايين النازحين الذين تركوا منازلهم بحثاً عن الأمان ومئات الآلاف من المعتقلين الذين واجهوا أبشع أنواع التعذيب في سجون النظام، وكل تلك التضحيات رسّخت إرادة السوريين وعزيمتهم وأكدت أن الشعوب مهما تعرضت للقمع لا يمكن كسرها إذا طالبت بالحرية، ولقد أثبتت الثورة السورية أن الشعوب قادرة على إسقاط أعتى الأنظمة إذا توافرت الإرادة والإيمان بالحق، وأكدت أيضاً أن الحرية لا تأتي دون ثمن وأن التضحيات الجسيمة هي السبيل لبناء مستقبل أفضل.

هذا وبعد فتح دمشق اليوم يقف السوريون على أعتاب مرحلة جديدة مليئة بالتحديات، لكنها تحمل في طياتها الأمل بإعادة بناء وطنهم على أسس من العدالة والحرية والمساواة، وإن تحقيق العدالة الانتقالية ومحاسبة كل من تورط في الجرائم ضد الشعب السوري سيكون حجر الأساس في هذه المرحلة، كما يتطلع السوريون إلى إعادة بناء ما دمرته الحرب وعودة ملايين اللاجئين إلى ديارهم ليشاركوا في بناء سوريا الجديدة.

ومن نافلة القول: فإن انتصار الثورة السورية وفتح دمشق هو انتصار للحرية على الطغيان وللإرادة الشعبية على القمع، ولقد دفع الشعب السوري ثمناً باهظاً، لكن هذه التضحيات لم تذهب سدى، بل رسمت معالم مستقبل مشرق لسوريا حرة وديمقراطية، وسوف يبقى هذا الانتصار درساً للعالم بأسره عن قدرة الشعوب على تحقيق مصيرها مهما كانت التحديات.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

د. أحمد محمّد القزعل

كاتب وصحفي سوري

اترك تعليقاً